«الشعور بالمسؤولية» يدفع بأطفال إدلب للخروج من المدارس إلى «أعمال مميتة»

«الشرق الأوسط» ترصد تفاقم ظاهرة «العمال الجدد» في شمال غربي سوريا

طفل يعمل في بيع «الكعك» بريف إدلب شمال غربي سوريا (الشرق الأوسط)
طفل يعمل في بيع «الكعك» بريف إدلب شمال غربي سوريا (الشرق الأوسط)
TT

«الشعور بالمسؤولية» يدفع بأطفال إدلب للخروج من المدارس إلى «أعمال مميتة»

طفل يعمل في بيع «الكعك» بريف إدلب شمال غربي سوريا (الشرق الأوسط)
طفل يعمل في بيع «الكعك» بريف إدلب شمال غربي سوريا (الشرق الأوسط)

تفاقمت ظاهرة عمالة الأطفال في شمال غربي سوريا بسبب الفقر والحاجة إلى المال للعيش واستمرار الحياة، وباتت خطيرة تهدد مستقبل وحياة آلاف الأطفال في إدلب ومناطق أخرى خارج سيطرة النظام.
الطفل أحمد عمره 12 عاماً، نازح من محافظة حمص وسط سوريا، في منطقة الدانا شمال إدلب، يعمل لمدة 10 ساعات يومياً في ورشة تصليح وتسوية السيارات. يقول إن والده عاجز عن العمل وسد حاجة أسرته بسبب إصابة تعرض لها قبل نزوحهم من محافظة حمص ولجوئهم إلى مخيم «دير حسان» الحدودي شمال سوريا، حيث إن نقص المساعدات الإنسانية من قبل المنظمات والجهات الداعمة، وتردي أوضاعهم المعيشية، دفعا به وأخاه محمد إلى البحث عن عمل يؤمن الحد الأدنى من مستلزماتهم اليومية، حيث لا يتوفر بكثرة في سوق العمل سوى الأعمال المجهدة مثل ورش تصليح السيارات ومتاجر الحديد وورش البناء ومستلزماته.
ويضيف أنه يخرج وأخوه كل يوم صباحاً إلى العمل في الورشة إلى جانب 3 أطفال آخرين ويعملون طيلة ساعات اليوم في صيانة السيارات، وغالباً ما يتعرض لإصابات، لكن يوم الخميس بالنسبة له يوم فرح أشبه بيوم العيد، عندما يحصل على أجره الأسبوعي بنحو 60 ليرة تركية أو ما يعادل 12 دولاراً أميركيا، ويعود إلى منزله ويقدم المبلغ لوالدته التي تدبر شؤون الأسرة وتؤمن الغذاء والدواء ومستلزمات حياتية يومية لباقي أفردها.
أما الطفل يوسف، من ريف إدلب الجنوبي وعمره 13 عاماً، فإن والده توفي منذ 3 أعوام، ويعمل لمدة 8 ساعات يومياً بأجر يومي 10 ليرات تركية، في تعبئة الفحم الذي يستعمل للتدفئة في فصل الشتاء، حيث بدت ثيابه مغطاة بطبقة سميكة من الفحم، إلى جانب أطفال آخرين في الورشة ذاتها. ويضيف أن الأمر الذي فرض عليه العمل في هذه المهنة الصعبة هو واقع الحياة المعيشية الصعبة التي تعاني منها أسرته وشعوره بالمسؤولية تجاه إخوته الصغار وأمه، وأنه فضل التنازل عن التعليم مقابل ألا يرى باقي إخوته بحاجة إلى الحد الأدنى من المال يومياً في تأمين مصاريفهم اليومية
من جهته، يقول الناشط الحقوقي فيصل الأحمد إنه ليست هناك أرقام وإحصاءات دقيقة للأطفال المنخرطين في سوق العمل، وتحديداً الأعمال المجهدة... «بإمكاننا القول إن نسبتهم نحو 20 في المائة من نسبة الأطفال النازحين في شمال غربي سوريا، وذلك من خلال جرد وإحصاء نسبي بين عدد أفراد الأسر النازحة وأعمارهم وعدد الأطفال الذين يتلقون التعليم في المدارس الرسمية وغير الرسمية في المخيمات والمناطق الخارجة عن سيطرة النظام».
ويضيف أن «حالة الفقر المدقع الذي يعيشه الأهالي دفعت بالأطفال إلى البحث عن أعمال بغض النظر عما إذا كانت مجهدة أم غير ذلك، مقابل الحصول على المال لمساعدة أهاليهم في سد حاجاتهم الحياتية، حيث نشاهد يومياً مئات الأطفال يذهبون صباحاً للعمل في الورش والمعامل والمراكز التجارية، وأطفالاً يجرون عربات حديدية في الشوارع لبيع الكعك وبعض المأكولات وسط زحمة سير الآليات، مما يشكل حتماً خطراً على حياتهم». ولفت إلى أنه يموت أطفال نتيجة تعرضهم لحوادث سير أثناء ذهابهم أو عودتهم من العمل، إضافة إلى موت بعض الأطفال نتيجة إصابات خطيرة أثناء العمل.
من جهتها، تقول معلمة في إحدى المدارس ضمن مخيمات البردقلي: «هناك 3 أسباب رئيسية تساهم في تسرب الأطفال من المدارس وحرمانهم من التعليم. السبب الأول هو جهل الأهالي بأهمية تعليم أطفالهم؛ حيث يفضلون إكسابهم مهنة للعمل فيها في المستقبل على التعليم. والسبب الثاني هو الفقر والجوع في معظم الأوقات، الذي تعيشه أغلب الأسر النازحة في الشمال السوري، مما يدفع بالأهالي إلى إرسال أبنائهم للعمل أكثر من إرسالهم للمدارس لتلقي التعليم، بهدف الحصول على المال ومساعدتهم على مصاريف الحياة وأعبائها. أما السبب الأهم فهو عدم توفر أي جهة دولية أو رسمية تعمل على توجيه الأطفال وتشجيعهم على تلقي التعليم من جهة؛ ومن جهة ثانية معظم المدارس ودور التعليم في المخيمات غير مدعومة ولا تتلقى الدعم المالي الكامل في تأمين التدفئة في القاعات أو الخيام ومستلزمات التعليم الأخرى، وصعوبة الوصول إلى المدارس بسبب وعورة الطرق المؤدية إليها؛ الأمر الذي يقف عائقاً أمام الطفل في الذهاب إلى المدرسة، مما يفتح ذلك الباب أمام الأطفال للتفكير في ممارسة الأعمال وكسب المال».
ولفتت إلى استمرار تفاقم ظاهرة تسرب الأطفال من المدارس وممارستهم الأعمال، وأنها حتماً تشكل خطراً كبيراً على مستقبل آلاف الأطفال شمال غربي سوريا، وأن «ذلك ينذر أيضاً بجيل جاهل مستقبلاً لا يعرف حتى كتابة اسمه أو قراءة أي كلمة».
ويقول مدير «مدرسة الأمل» في مخيم أطمة الحدودي: «لدينا على القيود في مدرستنا 257 طفلاً من الذكور، بينما لا يوجد منهم على مقاعد التعليم سوى نحو 150 طفلاً، وبعد الاطلاع، تبين أن نحو 160 طفلاً يتغيبون لأسابيع بسبب خروجهم مع ذويهم للعمل في قطاف الزيتون، وبالطبع ذلك يؤثر تماماً على عامهم الدراسي وحرمانهم من التعليم والانتقال إلى مراحل تعليمية أعلى».
ولفت إلى أن هذه الظاهرة لا تقتصر على مدرسته فحسب؛ «بل تشمل معظم مدارس المخيمات»، مطالباً الجهات والمنظمات الدولية بحماية الأطفال السوريين حرصاً على مستقبلهم التعليمي من خلال تشجيعهم على التعليم ودعم المدارس.



تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
TT

تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)

وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيناريو متشائماً لتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن إذا ما استمر الصراع الحالي، وقال إن البلد سيفقد نحو 90 مليار دولار خلال الـ16 عاماً المقبلة، لكنه وفي حال تحقيق السلام توقع العودة إلى ما كان قبل الحرب خلال مدة لا تزيد على عشرة أعوام.

وفي بيان وزعه مكتب البرنامج الأممي في اليمن، ذكر أن هذا البلد واحد من أكثر البلدان «عُرضة لتغير المناخ على وجه الأرض»، ولديه أعلى معدلات سوء التغذية في العالم بين النساء والأطفال. ولهذا فإنه، وفي حال استمر سيناريو تدهور الأراضي، سيفقد بحلول عام 2040 نحو 90 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي، وسيعاني 2.6 مليون شخص آخر من نقص التغذية.

اليمن من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ على وجه الأرض (إعلام محلي)

وتوقع التقرير الخاص بتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن أن تعود البلاد إلى مستويات ما قبل الصراع من التنمية البشرية في غضون عشر سنوات فقط، إذا ما تم إنهاء الصراع، وتحسين الحكم وتنفيذ تدابير التنمية البشرية المستهدفة.

وفي إطار هذا السيناريو، يذكر البرنامج الأممي أنه، بحلول عام 2060 سيتم انتشال 33 مليون شخص من براثن الفقر، ولن يعاني 16 مليون شخص من سوء التغذية، وسيتم إنتاج أكثر من 500 مليار دولار من الناتج الاقتصادي التراكمي الإضافي.

تحذير من الجوع

من خلال هذا التحليل الجديد، يرى البرنامج الأممي أن تغير المناخ، والأراضي، والأمن الغذائي، والسلام كلها مرتبطة. وحذّر من ترك هذه الأمور، وقال إن تدهور الأراضي الزائد بسبب الصراع في اليمن سيؤثر سلباً على الزراعة وسبل العيش، مما يؤدي إلى الجوع الجماعي، وتقويض جهود التعافي.

وقالت زينة علي أحمد، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، إنه يجب العمل لاستعادة إمكانات اليمن الزراعية، ومعالجة عجز التنمية البشرية.

تقلبات الطقس تؤثر على الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية في اليمن (إعلام محلي)

بدورها، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي يُنذر بظروف جافة في اليمن مع هطول أمطار ضئيلة في المناطق الساحلية على طول البحر الأحمر وخليج عدن، كما ستتقلب درجات الحرارة، مع ليالٍ باردة مع احتمالية الصقيع في المرتفعات، في حين ستشهد المناطق المنخفضة والساحلية أياماً أكثر دفئاً وليالي أكثر برودة.

ونبهت المنظمة إلى أن أنماط الطقس هذه قد تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وتضع ضغوطاً إضافية على المحاصيل والمراعي، وتشكل تحديات لسبل العيش الزراعية، وطالبت الأرصاد الجوية الزراعية بضرورة إصدار التحذيرات في الوقت المناسب للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالصقيع.

ووفق نشرة الإنذار المبكر والأرصاد الجوية الزراعية التابعة للمنظمة، فإن استمرار الظروف الجافة قد يؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وزيادة خطر فترات الجفاف المطولة في المناطق التي تعتمد على الزراعة.

ومن المتوقع أيضاً - بحسب النشرة - أن تتلقى المناطق الساحلية والمناطق الداخلية المنخفضة في المناطق الشرقية وجزر سقطرى القليل جداً من الأمطار خلال هذه الفترة.

تقلبات متنوعة

وبشأن تقلبات درجات الحرارة وخطر الصقيع، توقعت النشرة أن يشهد اليمن تقلبات متنوعة في درجات الحرارة بسبب تضاريسه المتنوعة، ففي المناطق المرتفعة، تكون درجات الحرارة أثناء النهار معتدلة، تتراوح بين 18 و24 درجة مئوية، بينما قد تنخفض درجات الحرارة ليلاً بشكل حاد إلى ما بين 0 و6 درجات مئوية.

وتوقعت النشرة الأممية حدوث الصقيع في مناطق معينة، خاصة في جبل النبي شعيب (صنعاء)، ومنطقة الأشمور (عمران)، وعنس، والحدا، ومدينة ذمار (شرق ووسط ذمار)، والمناطق الجبلية في وسط البيضاء. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع حدوث صقيع صحراوي في المناطق الصحراوية الوسطى، بما في ذلك محافظات الجوف وحضرموت وشبوة.

بالسلام يمكن لليمن أن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب (إعلام محلي)

ونبهت النشرة إلى أن هذه الظروف قد تؤثر على صحة الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية، وسبل العيش المحلية في المرتفعات، وتوقعت أن تؤدي الظروف الجافة المستمرة في البلاد إلى استنزاف رطوبة التربة بشكل أكبر، مما يزيد من إجهاد الغطاء النباتي، ويقلل من توفر الأعلاف، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

وذكرت أن إنتاجية محاصيل الحبوب أيضاً ستعاني في المناطق التي تعتمد على الرطوبة المتبقية من انخفاض الغلة بسبب قلة هطول الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب المناطق الزراعية البيئية الساحلية التي تزرع محاصيل، مثل الطماطم والبصل، الري المنتظم بسبب معدلات التبخر العالية، وهطول الأمطار المحدودة.

وفيما يخص الثروة الحيوانية، حذّرت النشرة من تأثيرات سلبية لليالي الباردة في المرتفعات، ومحدودية المراعي في المناطق القاحلة، على صحة الثروة الحيوانية وإنتاجيتها، مما يستلزم التغذية التكميلية والتدخلات الصحية.