«بصمة الدماغ»... دقّة في إثبات الجرائم وكشف القضايا الغامضة

ريادة سعودية في مجال تطبيق أنظمة التحقق من الشخصية

الباحث السّعودي عادل العيد
الباحث السّعودي عادل العيد
TT

«بصمة الدماغ»... دقّة في إثبات الجرائم وكشف القضايا الغامضة

الباحث السّعودي عادل العيد
الباحث السّعودي عادل العيد

قطعت أنظمة القياسات الحيوية تسارعا في تطبيقاتها واستخداماتها المختلفة في المجالات الأمنية والحيوية حول العالم، وجاء نظام «بصمة الدماغ»، ليكون أحدثها وأكثرها دقة في التحقق من الشخصية في العصر الرقمي، وعُدّ أقوى الأدلة لإثبات الجرائم وتحديدها، والقضايا الغامضة والمزعومة. ودخلت السعودية بقوة في أنظمة القياسات الحيوية وسجلت اسمها ضمن أوائل الدول التي استحدثت وطبقت أنظمة معلومات آلية في هذا الاتجاه، ممّا قادها إلى تحقيق المركز الأول عالميا في التحول الرقمي الذي تندرج تحته هذه الأنظمة لاستخدامها في التطبيقات الأمنية والعسكرية والاقتصادية والمدنية والتحقق من الشخصيات.
وقال الدكتور عادل العيد خبير أنظمة القياسات الحيوية والباحث في هذا المجال في حديث لـ«الشرق الأوسط» إنّ أشهر أنظمة القياسات الحيوية الأكثر تطبيقا في العالم هي: بصمة الأصابع وبصمة الوجه والعين وبصمة الصوت والحمض النووي، وأحدثها بصمة الدماغ، لافتا إلى استخداماتها في المجالات الأمنية مثل الأدلة الجنائية والأمن السيبراني أو الحيوية مثل التجارة والصناعة والصحة والتعليم وحتى الرياضة. مشيرا إلى أنّ النظام الجديد في العصر الرقمي (الأمن السيبراني) وهو نظام بصمة للدّماغ الذي يعد العلامة الفارقة بين أنظمة القياسات الحيوية الأخرى، موضحا أنّ هذا النظام يمثل تقنية تقيس موجات الدماغ ومدى استجابتها للجريمة ذات الصلة باستخدام الكلمات أو الصور أو أدوات الجريمة أو أي شيء ترك في مسرحها، حيث تُعرض على المشتبه به من خلال شاشة عرض، وهذه التقنية تستطيع إثبات الأدلة لتحديد الجرائم والإرهابيين بدقة عالية.
وقد جاءت اختبارات تقنية بصمة الدماغ بنتائج لم تؤدِ إلى قرارات غير صحيحة، إذ وفرت نتائج أكثر من 200 اختبار دقة عالية في الصحة، من ضمنها اختبارات على عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) والاختبارات التي ترعاها وكالة الاستخبارات المركزية والبحرية الأميركية. وقد أُخذ بحكم اختبارات بصمة الدماغ، وأصبحت مقبولة في بعض المحاكم بقضايا قتل في الولايات المتحدة الأميركية. كما استخدمت على صعيد الأفراد بدقة وصلت إلى 99 في المائة، في حل جرائم الحياة الواقعية، ووردت في هذا الصدد أمثلة عملية، عن رجل مدان زورا بالقتل أُطلق سراحه في قضية أغرب من الخيال حين أدين «تيري هارين تون» بالقتل في عام 1978، في ولاية أيوا الأميركية، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة وبقي 23 عاما في السجن، وأثبتت اختبارات بصمة الدّماغ أنّ التسجيلات المخزنة في دماغ هارينغتون لم تطابق مسرح الجريمة وطابقت حجة غيابه. بالمواجهة بأدلة بصمة الدماغ، تراجع الشاهد الوحيد على الجريمة المزعومة في بيان اليمين الدستورية فاعتمدت كدليل، اعترف المتهم هارينغتون بأنّه كذب في المحاكمة الأصلية لتجنب التعرض للمحاكمة عن الجريمة نفسها، وفي جلسة بعد الإدانة، حكم القاضي على اختبارات بصمة الدماغ بالقبول، ولكن لم يصل إلى حد محاكمة جديدة، وناشد «تيري هارينغتون» المحكمة العليا لولاية أيوا لمحاكمة جديدة على أساس اختبارات بصمة الدماغ وغيرها من الأدلة، فألغت المحكمة العليا الإدانة له وأُعيدت محاكمته من جديدة على أساس انتهاكات الحقوق الدستورية في المحاكمة الأصلية. وصدر حكم ببراءته.
واعتبر الباحث العيد أنّ تقنية «بصمة الدماغ تبرئ الأبرياء وتحدد المذنبين، كما أن هذه التقنية تكشف عن أي معلومات محددة عن الجريمة مخزنة في الدماغ من عدمه، عن طريق قياس موجات الدماغ. وهي تقنية تختلف كليا عن تقنية كشف الكذب التي تستجيب للضغط النفسي، بناء على النظرية القائلة بأنّ الناس يكونون تحت ضغط نفسي وعاطفي أكثر عندما يكذبون، في حين أن بصمة الدماغ تعتمد فقط على معالجة المعلومات الموجودة في ذاكرة الإنسان بعيدا عن ردود الفعل العاطفية التي لا يمكن الاعتماد عليها في كثير من الأحيان، كما تكشف هذه التقنية بدقة المعلومات الديمغرافية في الدماغ والمحفزات الحالية والكلمات والعبارات أو الصور وتكشف استجابة تلقائية فريدة، ويتمّ التعرف على المحفزات ذات الصلة بالموجات الدماغية حسب المعلومات الحاضرة والمعلومات الغائبة التي تكشف عن المعلومات، وليس الأكاذيب والإجهاد، أو الشعور بالذنب، ويمكن من خلالها الحصول على المعلومات المخزنة في دماغ المتهم من خلال قياس موجات دماغه بسرعة.
واعتبر العيد أنّ مجال تطبيق أنظمة القياسات الحيوية الذي قيمه المختصون من ضمن أهم المشاريع العالمية للتطبيق الآمن بين الدول والأفراد، والمتفق عليه عالميا، مشددا على أنّ هناك ندرة في الخبراء الحقيقيين والمتخصصين في علوم القياسات الحيوية «البيومترية» عالميا، وشبه غياب عربيا، في استخدامات الأجهزة وبرامج الحاسب الآلي والتي بدورها ساعدت على انتشار علم القياسات الحيوية الواسع. وذكر أن الحكومات الجادة اهتمت بهذه المهمة الصعبة وكانت السعودية من أوائل تلك الدول التي سعت جادة في تحصين مجتمعها بالتقنيات الأمنية ومنها أنظمة القياسات الحيوية، ووضعت لذلك الميزانيات الضخمة والخطط والبرامج التي تحتوي على تأهيل الرافد البشري وإمكانيات تحقيق العمل. كما أنّ الحكومة الأميركية وافقت على المضي في الانتشار الجماعي الواسع للسمات الحيوية لأول مرة في تاريخها، حيث حمل أكثر من 7 ملايين موظف بطاقات تعريف للهوية تشتمل قياسات حيوية، وتشمل مجال النقل والمواصلات، والنقل الجوي، والبحري، والبري. بالإضافة لذلك سيحمل 500 مليون زائر للولايات المتحدة وثائق عبور الحدود التي تشتمل على القياسات الحيوية. وعلاوة على ذلك، فإنّ مجموعة الدول الـ8، مدفوعة بقيادة الولايات المتحدة، وافقت على استخدام مواطنيها وثائق عبور الحدود التي تتضمن القياسات الحيوية، مع العلم أنّه توجد صعوبات كبيرة في التطبيق إلّا أنّ الضرورة العاجلة لإنجاز المهمة لا تحتمل تأخيرا طويلا.
وأشار الباحث العيد في هذ الصدد إلى أنّه وتزامنا مع التطور التقني السريع يظهرُ جليا علو قدم السعودية في تطبيق هذه التقنيات، إذ تعد من أوائل الدول التي تبنت تطبيق تقنية القياسات الحيوية الآلية في جميع المرافق الأمنية مثل نظام البصمات في الأدلة الجنائية والمدنية مثل بطاقة الأحوال وكذلك الجوازات وتطبيق الأنظمة العدلية والأنظمة المالية على حد سواء. وسخرت جميع الإمكانيات لتقوية المجال الأمني والخدمي للمواطن والمقيم، محاولة بذلك نشر هذه التقنية بشكل عام من خلال أنظمة الدولة المختلفة التي تختص بتسجيل المواطنين والمقيمين وإصدار الوثائق اللازمة لهم. فقد أخذت السعودية زمام المبادرة في استحداث أنظمة معلومات آلية للقياسات الحيوية، من خلال تسجيل القياسات الحيوية بمختلف أنواعها مثل (بصمة الأصابع والوجه والعين) للمواطن والمقيم وتعد هذه القواعد ضمن أكبر قواعد المعلومات الآلية للقياسات الحيوية في العالم. ونتج عن ذلك تطور هائل في المنظومة الأمنية والخدمية التي امتازت بكفاءة عالية وأقل اختراقا للخصوصية، وذلك لتقديم خدمة مميزة للمواطن والمقيم، وكذلك للتفريق بين ذوي النوايا الطيبة وأصحاب النوايا الإجرامية أو النوايا الإرهابية. وبهذا المجهود الهائل احتلت السعودية مكانا مرموقا بين الدول المتقدمة في هذا المجال.
وأوصى الباحث العيد دول مجلس التعاون الخليجي بتطبيق الربط الآلي بين أنظمة القياسات الحيوية بين دولها حتى تعمّ الفائدة المرجوة بالقضاء على الجريمة والتعرف على الأشخاص والتعامل معهم من خلال بناء أنظمة على غرار أنظمة الدول الأوروبية، كما أوصى المستثمرين السعوديين بالدخول في هذا المجال الحيوي، موضحا أنّه من خلال تقييم أنظمة القياسات الحيوية من المنظور الاقتصادي في معظم الدول المتقدمة وجد أنّها في تزايد، حيث قدرت مجموعة أبحاث المقاييس الحيوية أنّ قيمة أنظمة القياسات الحيوية العالمية المتوقعة للعام الجاري الذي شارف على الانتهاء تبلغ 35 مليار دولار أميركي، وسوف تنمو السوق إلى 65.03 مليار دولار بحلول عام 2025 وذلك ببناء المستثمرين السعوديين مصانع أجهزة أنظمة حيوية، مثل أجهزة الماسحات الضوئية الخاصة ببصمات الأصابع وبصمة العين وغيرها، شاملة الأجهزة والبرامج الخاصة بها.


مقالات ذات صلة

كيف يحقق «الاستقلال في الذكاء الاصطناعي» رؤية السعودية للمستقبل؟

خاص من خلال الاستثمارات الاستراتيجية والشراكات وتطوير البنية التحتية ترسم السعودية مساراً نحو أن تصبح قائداً عالمياً في التكنولوجيا (شاترستوك)

كيف يحقق «الاستقلال في الذكاء الاصطناعي» رؤية السعودية للمستقبل؟

يُعد «استقلال الذكاء الاصطناعي» ركيزة أساسية في استراتيجية المملكة مستفيدة من قوتها الاقتصادية والمبادرات المستقبلية لتوطين إنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا «رابط إلى ويندوز» يوفر تكاملاً بين «آندرويد» و«ويندوز» مع إشعارات ومكالمات ورسائل وونقل ملفات بسهولة لتجربة متكاملة بين الأجهزة (مايكروسوفت)

مع وقف «سامسونغ» دعمه... ما هو بديل تطبيق «DeX» لتكامل الهواتف مع الحواسيب؟

التطبيق الذي قدَّمته «مايكروسوفت» منذ فترة طويلة يوفر للمستخدمين تجربة سلسة تجعل الهاتف والحاسوب يعملان كجهاز واحد.

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
تكنولوجيا لأول مرة تكشف «يوتيوب» عن «المواضيع الرائجة» التي جذبت اهتمام المشاهدين خلال العام (يوتيوب)

ما المواضيع الرائجة وصنّاع المحتوى والأغاني المفضلة حسب «يوتيوب» في 2024؟

شرحت «يوتيوب» لـ«الشرق الأوسط» سبب إطلاق فئة «المواضيع الرائجة» لأول مرة.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا «واتساب» يقرر إنهاء دعم الأجهزة التي تعمل بإصدارات أقدم من «iOS 15.1» اعتباراً من مايو 2025 بهدف تحسين الأداء وتقديم ميزات تعتمد على تقنيات حديثة (أ.ف.ب)

«واتساب» يُودّع بعض الأجهزة القديمة

أعلنت شركة «واتساب» قرارها إيقاف دعم الإصدارات القديمة من نظام التشغيل «آي أو إس» (iOS).

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
عالم الاعمال اختتام فعالية «بلاك هات 24» الأكبر والأكثر حضوراً بالعالم

اختتام فعالية «بلاك هات 24» الأكبر والأكثر حضوراً بالعالم

فعالية «بلاك هات الشرق الأوسط وأفريقيا 2024» اختتمت أعمالها في العاصمة السعودية الرياض.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».