تونس بعد 4 أعوام من إطاحة بن علي: استفحال الأزمات رغم النجاح السياسي

نموذج لإضعاف الإسلاميين واليساريين دون إقصائهم

تونس بعد 4 أعوام من إطاحة بن علي:  استفحال الأزمات رغم النجاح السياسي
TT

تونس بعد 4 أعوام من إطاحة بن علي: استفحال الأزمات رغم النجاح السياسي

تونس بعد 4 أعوام من إطاحة بن علي:  استفحال الأزمات رغم النجاح السياسي

بعد 4 أعوام من الإطاحة بالرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، يتساءل المراقبون في تونس وخارجها عن حصيلة «مرحلة الانتقال الديمقراطي»، التي عرفت فيها البلاد 5 حكومات، وهي تستعد لتنصيب السادسة تكريسا لنتائج انتخابات الأسابيع الماضية.
كما يتساءل المتابعون لإخفاقات «الثورات العربية» في ليبيا ومصر وسوريا واليمن إن كانت تونس نجحت فعلا في تقديم «استثناء سياسي تعددي وانتخابي نزيه» بفضل نخبها ومجتمعها المدني وعدد من ساستها الذين لجأوا إلى «التوافق» وخيار «التنازلات المتبادلة»، بهدف استبعاد سيناريو جر البلاد نحو «المنعرج الأمني والعسكري»، أم لا.. وكذلك عن الحصيلة النهائية لحكام تونس الجدد في مناخ إقليمي تبدو فيه بلادهم مهددة في موازناتها الاقتصادية وفي أمنها الاجتماعي والسياسي لأسباب معقدة، بينها «تعفن» المناخ الأمني حولها واستفحال مخاطر الإرهاب على حدودها.
حسب تأكيدات وزير التنمية الاقتصادية والتعاون الدولي التونسي السابق رياض بالطيب، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، فإن من بين أبرز التحديات التي تواجه تونس بعد سنوات من ثورتها مسألة إنقاذ الاقتصاد التونسي الذي «يغرق في بحر من الهزات والأزمات» منذ 4 أعوام لأسباب عديدة، من بينها «استفحال أزمة في دول الاتحاد الأوروبي الذي لا يزال شريك تونس بنسبة 75 في المائة تصديرا وتوريدا واستثمارا وسياحة».
وأقر الوزير التونسي السابق بأن «من أوكد مطالب الفقراء والعاطلين عن العمل والشباب الذي ثار ضد السلطات قبل 4 أعوام ضرورة تقدم نخبه الحاكمة والمعارضة بمقترحات عملية لإخراج الاقتصاد التونسي من (عنق الزجاجة)، ومن تخبط الحكومات المتعاقبة والأطراف الاجتماعية والاقتصادية بين مشاكل ضعف النمو وارتفاع مؤشرات البطالة والفقر والتهميش واستفحال نسب التداين والتضخم». ويساير جل ساسة تونس من مختلف التيارات المتخوفين من حجم التحديات الاقتصادية الاجتماعية والأمنية، في بلد تضاعف فيه عدد العاطلين عن العمل منذ «ثورة الشباب والعاطلين» عوض أن يتقلص.. وناهز لأول مرة الـ700 ألف، بينهم 250 ألفا من حاملي الشهادات.
لكن الساسة «المتفائلين» بمستقبل تونس، مثل الباجي قائد السبسي رئيس الجمهورية الجديد وبعض مستشاريه مثل شاكر بسباس ومحمود بن رمضان وبوجمعة الرميلي، يقللون من حجم الإخفاقات الاجتماعية والاقتصادية «لحكومات ما بعد الثورة»، رغم انتقاداتهم اللاذعة لأداء حكومتي حركة النهضة بزعامة القياديين البارزين فيها حمادي الجبالي وعلي العريض.
ويلتقي هؤلاء مع خصومهم الإسلاميين وحلفائهم في «الترويكا» السابقة في التأكيد على أن الأعوام الأربعة الماضية كانت أساسا «للبناء السياسي ووضع أسس نظام ديمقراطي تعددي» و«دستور تقدمي توافقي» قبل البدء في مشوار «التنمية والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية الشاملة». والأهم بالنسبة لهؤلاء هو البرهنة على «عظمة الشعب» الذي «نجح في تنظيم 4 انتخابات عامة شفافة وتعددية في مدة ثلاثة أعوام، بينها 3 انتخابات برلمانية ورئاسية في ظرف شهرين»، على حد تعبير الجامعي شفيق صرصار رئيس الهيئة العليا المستقلة لتنظيم الانتخابات.
حكيم حمودة، وزير الاقتصاد والمالية في «حكومة التكنوقراط» بزعامة المهدي جمعة، اعتبر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الانتخابات ومجمل الإصلاحات القانونية والدستورية وضعت القطار على سكته.. وعلى الحكام الجدد الذين أفرزتهم الانتخابات أن يتابعوا مشوار البناء ومعالجة ملفات التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ومن بينها التحكم في ملفات البطالة والمديونية.. إلى جانب المضي بقوة في خطة محاربة الإرهاب والتطرف».
فهل ستتحقق هذه المهمة في مرحلة لا تزال فيها الصراعات السياسية والآيديولوجية على أشدها داخل تونس وفي محيطها الإقليمي خاصة في جارتيها ليبيا وفرنسا؟
الإجابة عن مثل هذا التساؤل تظل في نظر مدير مركز الدراسات والأبحاث الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في الجامعة التونسية رضا الشكندالي «رهنا لتطورات الوضع الاقتصادي التونسي، بهشاشته نسبيا وبأزماته الهيكلية وبشركات صغرى ومتوسطة أغلبيتها الساحقة يمر بصعوبات»، وهي، حسب تأكيدات الوزير السابق للتنمية الاقتصادية رياض بالطيب «من صنف الشركات التي تتوقف عن التوظيف وعن التوسع بعد عامين من تأسيسها.. أي أنها تصبح عاجزة عن تطوير استثماراتها وقدراتها على إحداث موارد رزق جديدة».
ومن بين ما يشغل ساسة تونس، بعد 4 أعوام من سقوط بن علي، تراكم الاضطرابات الأمنية في الداخل، وفي البلدان المجاورة لها خاصة في ليبيا التي صدرت لها نحو ثلث سكانها منذ سقوط القذافي.. في وقت تزايدت فيه تخوفات ساسة تونس من رسميين ومعارضين من مخاطر «خنق الاقتصاد التونسي وتجفيف موارد عيش محافظات الجنوب التي تعتمد منذ عقود على الشراكة مع ليبيا، والتي أصبحت اليوم محرومة من تلك الموارد ومهددة بتدفق مزيد من الفارين من الحرب الأهلية الليبية ومن جرائم الجماعات الإرهابية والعصابات المسلحة التي انتعشت فيها بنسق سريع».
في الوقت نفسه، يعتقد كثير من السياسيين والخبراء التونسيين، مثل القيادي اليساري في حزب نداء تونس ناجي جلول، أن «من بين نقاط ضعف حكومات الأعوام الماضية خاصة حكومتي (الترويكا) إخفاقات سياستها الخارجية، وتدهور علاقاتها بعدد من العواصم العربية والإسلامية والدولية خاصة العواصم الخليجية والجزائر ومصر».
في السياق نفسه، اعتبر الخبير رضا الشكندالي أن «تونس فشلت خلال الأعوام الأربعة الماضية في أن تعوض خسائر البلاد في مرحلة الثورة وبعدها عبر الاعتماد على ذراع مالية عربية قوية قد تكون المملكة العربية السعودية أو الكويت أو بلدا أوروبيا قويا مثل ألمانيا».
كما قدر العميد السابق لكلية الحقوق والاقتصاد، الصادق بلعيد، أن «من بين إخفاقات حكومات الأعوام الماضية العجز عن رسم استراتيجية سياسية أمنية اقتصادية يمكن أن تصبح تونس بموجبها قاعدة مالية بين ليبيا والجزائر.. ويمكن أن تجد تمويلات من مصادر عربية ودولية مختلفة، لتمويل مؤسسات تأمين (رأس مال المخاطر)، وبورصة إقليمية قوية، ومؤسسات إسناد محلية وإقليمية».
واعتبر الوزير السابق رياض بالطيب أن «بناء المنوال الجديد للتنمية» يستوجب تنويع شركاء تونس الدوليين والانفتاح أكثر على «الاقتصادات الصاعدة» مثل الصين وتركيا واليابان وبلدان آسيا وأميركا اللاتينية، وعلى غرار ما ورد في تقرير البنك الدولي مؤخرا عن تونس «تقليص الفجوة بين الشركات المصدر كليا والمؤسسات الموجهة إلى السوق الداخلية».
إلا أنه رغم كل المؤشرات السلبية والدلائل على «فشل حكومات ما بعد الثورة» يعتقد عدد من الخبراء أن «الأوضاع مرشحة لأن تتحسن اقتصاديا واجتماعيا ومن ثم أمنيا وسياسيا بصفة جوهرية، بعد النجاحات السياسية، خاصة بعد حسن تنظيم الانتخابات وبروز دلائل على اختيار حكومة مستقرة قد تتمكن من القيام بإصلاحات كثيرة، وبينها تفعيل الاتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي خاصة مكاسب (خطة العمل) التي تكرس (اتفاقية الشريك المميز)». ويراهن المتفائلون بمستقبل الأوضاع الأمنية والسياسية في تونس على أن تسهم الخطوات التي قطعتها مصالح الأمن التونسية بالشراكة مع الدول العربية والأوروبية خلال العامين الماضيين في القضاء على الإرهاب وخلاياه النائمة، وتجنب سقوط مزيد من الضحايا المدنيين والأمنيين والعسكريين في عمليات إرهابية.
ولئن كان التوافق بين الليبراليين والإسلاميين واليساريين من بين «نقاط القوة» في تونس، فإن «النموذج التونسي» شد الانتباه في كونه وفق بين «إبعاد الزعامات الإسلامية واليسارية والقومية عن الصدارة» دون إقصائهم من اللعبة، بل إن المنهج المتبع مكن من تحقيق تفوق للعلمانيين والليبراليين في الانتخابات مع فوز منافسيهم الإسلاميين واليساريين بالمرتبتين الثانية والثالثة.
في الأثناء، فإن التوافق بين زعيم المعارضة العلمانية سابقا الباجي قائد السبسي من جهة، وزعيم حزب النهضة راشد الغنوشي من جهة ثانية، كان من أبرز أسباب «التهدئة» ونجاح «الحوار الوطني» العام الماضي في تونس بمشاركة النقابات وقادة أبرز الأحزاب. وإجمالا فإن «التوافقات والتنازلات المتبادلة بين الأغلبية والأقلية مكنت المجتمع المدني التونسي من أن يجنب البلاد سيناريوهات الانقلابات العسكرية والأمنية والصدامات العنيفة القديمة الجديدة بين الإسلاميين وخصومهم»، مثلما جاء على لسان الخبير علية العلاني.



انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
TT

انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)

شيّعت جماعة الحوثيين خلال الأسبوع الماضي 17 قتيلاً من عناصرها العسكريين، الذين سقطوا على خطوط التماس مع القوات الحكومية في جبهات الساحل الغربي ومأرب وتعز والضالع، منهم 8 عناصر سقطوا خلال 3 أيام، دون الكشف عن مكان وزمان مقتلهم.

وفقاً للنسخة الحوثية من وكالة «سبأ»، شيّعت الجماعة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء كلاً من: ملازم أول رشاد محمد الرشيدي، وملازم ثانٍ هاشم الهجوه، وملازم ثانٍ محمد الحاكم.

تشييع قتلى حوثيين في ضواحي صنعاء (إعلام حوثي)

وسبق ذلك تشييع الجماعة 5 من عناصرها، وهم العقيد صالح محمد مطر، والنقيب هيمان سعيد الدرين، والمساعد أحمد علي العدار، والرائد هلال الحداد، وملازم أول ناجي دورم.

تأتي هذه الخسائر متوازية مع إقرار الجماعة خلال الشهر الماضي بخسائر كبيرة في صفوف عناصرها، ينتحل أغلبهم رتباً عسكرية مختلفة، وذلك جراء خروقها الميدانية وهجماتها المتكررة ضد مواقع القوات الحكومية في عدة جبهات.

وطبقاً لإحصائية يمنية أعدّها ونشرها موقع «يمن فيوتشر»، فقد خسرت الجماعة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، 31 من مقاتليها، أغلبهم ضباط، سقطوا في مواجهات مع القوات الحكومية.

وشيّع الانقلابيون الحوثيون جثامين هؤلاء المقاتلين في صنعاء ومحافظة حجة، دون تحديد مكان وزمان مصرعهم.

وأكدت الإحصائية أن قتلى الجماعة خلال نوفمبر يُمثل انخفاضاً بنسبة 6 في المائة، مقارنة بالشهر السابق الذي شهد سقوط 33 مقاتلاً، ولفتت إلى أن ما نسبته 94 في المائة من إجمالي قتلى الجماعة الذين سقطوا خلال الشهر ذاته هم من القيادات الميدانية، ويحملون رتباً رفيعة، بينهم ضابط برتبة عميد، وآخر برتبة مقدم، و6 برتبة رائد، و3 برتبة نقيب، و 13 برتبة ملازم، و5 مساعدين، واثنان بلا رتب.

وكشفت الإحصائية عن أن إجمالي عدد قتلى الجماعة في 11 شهراً ماضياً بلغ 539 مقاتلاً، بينهم 494 سقطوا في مواجهات مباشرة مع القوات الحكومية، بينما قضى 45 آخرون في غارات جوية غربية.

152 قتيلاً

وتقدر مصادر عسكرية يمنية أن أكثر من 152 مقاتلاً حوثياً لقوا مصرعهم على أيدي القوات الحكومية بمختلف الجبهات خلال سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين، منهم 85 قيادياً وعنصراً قُتلوا بضربات أميركية.

وشهد سبتمبر المنصرم تسجيل رابع أعلى معدل لقتلى الجماعة في الجبهات منذ بداية العام الحالي، إذ بلغ عددهم، وفق إحصائية محلية، نحو 46 عنصراً، معظمهم من حاملي الرتب العالية.

الحوثيون استغلوا الحرب في غزة لتجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين (إكس)

وبحسب المصادر، تُحِيط الجماعة الحوثية خسائرها البشرية بمزيد من التكتم، خشية أن يؤدي إشاعة ذلك إلى إحجام المجندين الجدد عن الالتحاق بصفوفها.

ونتيجة سقوط مزيد من عناصر الجماعة، تشير المصادر إلى مواصلة الجماعة تعزيز جبهاتها بمقاتلين جُدد جرى استقطابهم عبر برامج التعبئة الأخيرة ذات المنحى الطائفي والدورات العسكرية، تحت مزاعم مناصرة «القضية الفلسطينية».

وكان زعيم الجماعة الحوثية أقرّ في وقت سابق بسقوط ما يزيد عن 73 قتيلاً، وإصابة 181 آخرين، بجروح منذ بدء الهجمات التي تزعم الجماعة أنها داعمة للشعب الفلسطيني.

وسبق أن رصدت تقارير يمنية مقتل نحو 917 عنصراً حوثياً في عدة جبهات خلال العام المنصرم، أغلبهم ينتحلون رتباً عسكرية متنوعة، في مواجهات مع القوات الحكومية.