لا يمكن وصف كرة القدم من دون جمهور في الوقت الحالي سوى بأنها «لا شيء». وأعتقد أن هذا التصور موجود لدينا جميعاً الآن، بدرجة أكبر أو أقل، ولا يختلف الأمر في وسائل الإعلام، ويمكن القول بكل بساطة، إن كرة القدم من دون جمهور لا تعني شيئاً، بل إنها عبارة عن مهزلة كبرى.
وعلى الرغم من أن اللاعبين والعاملين في مجال كرة القدم ما زالوا يبذلون الجهد نفسه، فإن الشيء الواضح للجميع هو أن مستوى كرة القدم نفسها قد انخفض كثيراً، وأصبح غير منتظم بشكل متزايد. والأهم من ذلك كله، أن كرة القدم ما زالت تُلعب، ولا تزال الكاميرات تنقل المباريات، وما زلنا نحن الإعلاميين نتحدث عن ما يجري في تلك المباريات. لكن الحقيقة هي أن كرة القدم من دون جماهير أصبحت أكثر برودة وغرابة، وأقل جاذبية وأقل إنصافاً، وبمعظم المقاييس أقل جودة.
لكن السؤال الذي لم تتم الإجابة عنه بعد، في رأيي، هو: ما الذي يحدث للجماهير من دون كرة القدم؟... وماذا يعني أن تكون مشجعاً لكرة القدم هذه الأيام؟ منذ وقت ليس ببعيد، كان من السهل للغاية الإجابة عن هذا السؤال، حيث كان يمكن للمشجع أن يذهب إلى الملعب ويشاهد المباراة ويذهب إلى المقهى. وإذا كان المشجع يريد حقاً الاستمتاع بالقاعدة الجماهيرية العريضة لناديه، فكان بإمكانه شراء تذكرة موسمية لحضور المباريات أو السفر لمسافات طويلة لمتابعة ناديه المفضل وهو يلعب خارج ملعبه.
لكن تفشي فيروس كورونا قضى على كل ذلك، فلم نعد قادرين على سماع الجماهير وهي تغني أثناء سفرها في القطارات، أو وهي تغني في الشوارع والمقاهي، أو وهي تشدو في الشوارع، بل على العكس أصبحنا نرى كل شخص يقف بمفرده في زاوية بعيدة. لكن ليست الطقوس وحدها هي التي اختفت بسبب غياب الجماهير عن الملاعب، لكن طبيعة المشجعين نفسها تغيرت: الرحلات الطويلة المشتركة بالسيارات، والحافلات التي تنطلق في الثامنة صباحاً، والحانات والمطاعم. وحتى العادة البسيطة المتمثلة في الذهاب إلى منزل أحد الأصدقاء لمشاهدة المباراة معه لم تعد موجودة، أو قلّت إلى حد كبير. لقد انتقلت متابعة مباريات كرة القدم بالكامل إلى عالم الإنترنت، وبالتالي تغيرت طرق وديناميكيات التشجيع وفقاً لذلك.
وفي الظروف الطبيعية، كان المشجع العادي يشتري تذكرة لحضور المباراة وكان يحتفظ بالعديد من الذكريات عما حدث خلال هذا اللقاء أو ذاك، لكن عالم الإنترنت يعمل وفق أنظمة وقيم مختلفة تماماً، وتسيطر عليه مشاعر التبجح والتفاخر والتباهي بالآراء، وفتن الصراعات. والأهم من ذلك، أنه لا يهتم إلى حد كبير بالجغرافيا أو التاريخ. وأصبح الجميع متساوياً، فالمشجع المخضرم الذي كان يشتري التذاكر الموسمية لمدة 45 عاماً أصبح مثل المراهق القادم من أميركا أو الهند الذي قد لا يكون قادراً على معرفة اسم أي لاعب من لاعبي ناديه قبل عام 2004، لكنه في المقابل لديه معرفة كبيرة بعالم الإنترنت وقادر على التعبير عن غضبه بشكل صاخب!
قد لا يكون هذا بالأمر السيئ إلى حد ما. فهل الرجل الذي يظل مستيقظاً في إندونيسيا حتى الساعة الخامسة صباحاً لمشاهدة مباريات آرسنال على شاشة هاتفه الصغير يقل عن أحد سكان إيسلينغتون الذي يتجول إلى ملعب الإمارات من منزله الذي تبلغ قيمته مليوني جنيه إسترليني؟ ربما لا، بالطبع. لكن النسيج الغني لعشاق كرة القدم كان دائماً مستمداً من تعدد المنافذ: المادية والافتراضية، والملعب، والرسائل، والجمهور الذي لا يتوقف عن الغناء. لكن الآن، فإن الفراغ هو الذي يسيطر على كل شيء!
لكن كيف ينعكس ذلك الأمر على أرض الواقع؟ للإجابة عن هذا السؤال يتعين علينا أن نشير إلى الخلاف الشديد على شبكة الإنترنت بين مشجعي إيفرتون وليفربول حول إصابة مدافع الريدز، فيرجيل فان دايك بعد التدخل القوي عليه من حارس إيفرتون جوردان بيكفورد.
وخلال الأسبوع الماضي، أشارت تقارير إلى أن بيكفورد استأجر حراساً شخصيين لحمايته هو وعائلته بعد تلقيه تهديدات متعددة بالقتل عبر الإنترنت بسبب تدخله العنيف على المدافع الهولندي. ربما كان كل هذا متوقعاً على أي حال، لكن سرعة وضراوة التصعيد بدت وكأنها نتاج كل هذا الإحباط المكبوت – تدخل عنيف، وإصابة لاعب، وصعوبة في الدفاع عن اللقب – وتوجيه كل هذا الإحباط والكبت إلى منفذ واحد فقط، حيث تكون آلاف العيون مثبتة على آلاف الشاشات، وكلها تزداد غضباً.
إلى أين يقودنا كل هذا؟ بالتأكيد، لا أحد يعرف. ودائماً ما تبدو ثقافة المشجعين بالخارج مهددة بشكل متزايد: في الوقت الحالي، تتمثل أولوية الأندية في إعادة جماهيرها، وليس جماهير المنافسين، في ظل وجود كل العقبات الأمنية واللوجيستية الحالية. وفي غضون ذلك، بدأت الأندية الكبرى بالفعل في إعادة تنظيم قاعدتها الجماهيرية، ليس على أساس الجغرافيا، ولكن على أساس قدرتها على دفع الأموال.
وتعتبر مناورة «الدفع مقابل المشاهدة» في الدوري الإنجليزي الممتاز بمثابة اختبار حاسم للنموذج التجاري الأساسي لهذه الأندية: فكرة أنه بغض النظر عن أي شيء، سيحاول المشجعون المتعصبون دائماً مشاهدة كل المباريات.
وقد كان هناك بعض المشاهد الحماسية خلال الأسابيع الأخيرة، لعل أبرزها جهود جمع التبرعات عبر الإنترنت من قبل المشجعين الذين رفضوا العرض الجشع للدوري الإنجليزي الممتاز وتبرعوا بمبلغ 14.95 جنيه إسترليني لبنوك الطعام المحلية.
ويجب أن نشير أيضاً إلى أن حملة الوجبات المدرسية المجانية، التي يقودها نجم مانشستر يونايتد ماركوس راشفورد، تدين بالكثير من زخمها الكبير إلى حقيقة أننا كنا جميعاً عالقين في المنزل وناشطين للغاية على مواقع التواصل الاجتماعي.
كرة القدم من دون جمهور لا تعني شيئاً... والمستوى والحماس انخفضا
عشاق اللعبة يعانون فراغاً هائلاً بعد 10 أشهر من إغلاق الملاعب
كرة القدم من دون جمهور لا تعني شيئاً... والمستوى والحماس انخفضا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة