حكايات عائلية وعاطفية في أفلام مرشحة للأوسكار الأجنبي

TT

حكايات عائلية وعاطفية في أفلام مرشحة للأوسكار الأجنبي

تستمد السينما مواضيعها إمّا من حالات عامّة أو خاصة. فهي إمّا حدث من الأحداث العالمية والحروب والقضايا التي تشغل بال الجميع على نحو أو آخر، أو تناولاً لمسائل خصوصية تقع - غالباً - بين عدد محدود من الشخصيات: قصة حب هنا، وحدة رجل هناك، أو بحثاً في حالات أخرى فردية.
شاهد الناقد حتى الآن 32 فيلماً من بين تلك التي توجهت بها دولها للاشتراك في المرحلة الأولى من التنافس على أوسكار أفضل فيلم عالمي (أجنبي سابقاً) لا تختلف في هذا التوجه. تطرح قضايا خاصّة عن العلاقات الفردية بين الناس بعضهم حيال بعض، أو تتناول أحداثاً كبيرة تغطي وضعاً قائماً اليوم على مستوى بلد أو أكثر، أو تعود إلى وقائع تاريخية قريبة أو بعيدة. وهي إذ تفعل ذلك، لديها خياران: التأليف أو نقل الواقع.
- امرأتان
في الفيلم الفرنسي «اثنتان» لفيليبو مينيغيتّي واحد من نماذج الفيلم ذي القضية الخاصة: امرأتان إحداهما فوق الستين والأخرى فوق الأربعين على علاقة مثلية تعود لوقت طويل. هما جارتان نراهما في مطلع الفيلم بمشهد يعكس تلك العلاقة، يختار المخرج تصويرها برقّة وخجل. ذلك يرفع من قيمة الفيلم مباشرة ويبعده عن درب تلك الأفلام التي تعمد إلى المباشرة في تصوير المشاهد الجنسية ذاتها ولذاتها.
المرأة الأكبر سناً اسمها مادلين (الممثلة المسرحية مارتين شوفالييه) هي في الحقيقة أم لولدين، الشاب فردريك (جيروم فارانفرين)، والمرأة المطلّقة آن (ليا دروكر) (لديها ولد)؛ وهما لا يعلمان شيئاً عن ميول والدتهما. العشيقة اسمها نينا (الألمانية باربرا سيكوفا) تعيش وحيدة في الشقة المقابلة. كل شيء يسير على ما يرام إلى أن تثور نينا في وجه مارتين لأنّ الثانية أخلفت بوعدها بيع الشقة والانتقال معها للعيش في إيطاليا. نتيجة ذلك سقوط مادلين بنوبة قلبية تجعلها شبه مشلولة وغير قادرة على الكلام.
بطبيعة الحال تهب ابنتها لمساعدتها حال خروج والدتها من المستشفى وتعيّن ممرضة للعناية بها. هذا لا يرضي نينا التي تحاول الآن التكفير عن ذنبها وتنجح، بعد محاولات، لإزاحة الممرضة من الطريق، خصوصاً أنّ مادلين تتعافى كلما شاهدت نينا بالقرب منها. كل ذلك والابنة لا تعرف كنه العلاقة بين المرأتين، وعندما تعرف ليس هناك ما تستطيع القيام به.
الرقة التي يعالج بها المخرج مينيغيتّي الموضوع عُضوية غير مفتعلة. الأحداث قابلة للتصديق والمخرج يوفرها من دون رومانسية مفتعلة. هي ممتزجة بتشويق يفرضها أسلوبه في العرض وبمشاهد في مطلع الفيلم لفتاتين صغيرتين تلعبان في حديقة نائية، وإحداهما (كما يفسر المشهد نفسه لاحقاً) ربما سقطت في الماء وغرقت. بذلك يحافظ المخرج على التوتر قائماً ليس فقط بسبب مقدّمة تنتظر التفسير، بل أيضاً نسبة لأسلوب عمله المتقن تنفيذاً.
- الأم الأكثر جدارة
في القضايا الخاصّة أيضاً تقدّم اليابان فيلم ناوومي كاواسي «أمهات حقيقيات». ليس أفضل أفلامها، لكنّه ينتمي إلى عالمها القائم أساساً على طرح مثل تلك المواضيع ذات الغلاف الإنساني.
هنا حكاية امرأتين كل منهما بخلفية مختلفة. ساتوكو (هيرومي ناغاساكو) متزوجة من رجل أعمال ناجح (أراتا يورا) يعيشان سعيدين باستثناء حاجتهما إلى ولد. يلجآن إلى مؤسسة تعرض عليهما تبني طفل أنجبته فتاة مراهقة (أجو ماكيتا) راضية بأن تهب طفلها لقاء مبلغ من المال. ما أن يبدو أن كل شيء بات على ما يرام تبعاً لهذا الاتفاق ولحسن تربية الطفل في رعاية الزوجين، حتى تعود الفتاة إليها طالبة استعادة الطفل أو دفع المزيد من المال («تستطيعين أن تدفعي» تقول لساتوكو وزوجها ملاحظة رخاء عيشهما).
هنا ينتقل الفيلم من حكاية الزوجين إلى حكاية الفتاة وهي حامل من زميل لها في المدرسة، وكيف أثّر ذلك عليها سلباً فلجأت إلى منطقة نائية تتأمل البحر وحياتها معاً. مع ختام هذه الاستعادة للأمس يتحوّل الفيلم إلى أقصوصة حول من له الحق في التبني، وما وضع كل من المرأتين حيال الأخرى، خصوصاً أنّ المخرجة تصوّرهما بعناية تعكس الطيبة التي تتمتع بها كل منهما.
بطيء الخطى يخفق في أن يُثير فنياً ما يُثيره ضمنياً. تصوير جيد وشغوف بالجماليات، لكن المضمون يحبو بلا توازن مع انتقالات غير مبررة دوماً.
النموذج العربي لوضع الاكتفاء بما هو خاص، نجده في الفيلم السوداني «ستموت في العشرين» للمخرج أمجد أبو العلا. صحيح أن الفيلم يعكس اهتمام المخرج بالبيئة الريفية السودانية التي تجمع شخصيات متعددة، لكنّه يدور حول تجربة شاب واحد يخلص لها. كما سبق القول فيه عندما كتبت عنه هنا سابقاً، هو عن ذلك الشاب الذي حملته أمه حين ولادته إلى شيخ القرية ليباركه لها فإذا به يتنبأ لها بأنّه سيموت عند بلوغه العشرين. تحت وطأة هذه النبوءة هاجر الأب وانتحت الأم لخدمة ابنها الذي بات ينتظر، مثلها، نهايته في ذلك السن. يجد في رجل جرّب الحياة والأسفار وأنواع المعرفة ما يختلف به عن سواه من أهل القرية. اعتبره مثل أب روحي بغياب أبيه. لكن الرجل يودع الحياة ويقرّر الشاب أن يتماثل به على الرّغم من عودة أبيه المفاجئة لحضور موت ابنه وقد بلغ العشرين.
فيلم أبو العلا (وهو الروائي الطويل الأول له) من أجمل الأفلام المطروحة أمام لجنة اختيار الأفلام المعنية بالأفلام الأجنبية داخل أكاديمية العلوم والفنون السينمائية، ولن يكون غريباً أن نجده بين الترشيحات الرسمية الأولى (شورت ليست) أو حتى بين تلك الخمسة في المرحلة الأخيرة.
- تداول فردي
بالعودة إلى الأفلام الآتية من جنوب شرقي آسيا نجد، في هذا المضمار «أيام أفضل» لديريك تسانغ.
يتناول الفيلم مشكلة الأذى الناتج من تسلّط بعض التلاميذ على الضعفاء من رفاقهم. يبدأ بأستاذة لغة إنجليزية (زاو دونغيو) تلفت انتباهها طالبة صغيرة تجلس في الصف مطرقة الرأس. هذا ينقلنا إلى الأحداث التي تعرّضت لها المعلّمة، واسمها تشن، وهي دون السادسة عشرة. في فلاش باك يأخذ القسط الأوفر من الفيلم؛ نجد‫ فتاة طيّبة جداً تحب الخير والسلامة للجميع. عاطفتها تلك وضعتها في موقف صعب عندما حاولت مساعدة الشاب شياو (جاكسون يي) حين رأته يتعرّض للضرب. يصرف الفيلم وقتاً في محله لتأسيس علاقة لا جنسية بين تشن وشياو يتعهد فيها الثاني حماية الأولى من زميلاتها. هذا كله يؤدي إلى حادثة قتل (عن غير عمد) يغلّفها الفيلم بالغموض منتقلاً بالشبهة بين تشن وشياو، فكل منهما لديه ما يكفي من الدوافع لارتكابها.‬
يوضح الفيلم مراميه سريعاً ولا يترك الكثير للخيال. المشكلة الفردية هنا متوافرة في الكثير من المدارس في كل أنحاء العالم، لكنّ الفيلم لا يطرحها على هذا النحو، وهذا من إيجابياته، وفي الوقت ذاته يعمد إلى تكرار المفادات ذاتها وهذا من سلبياته.
فيلم آخر من التداول الفردي، لحالات يمكن لها أن تكون عامّة يكمن في الفيلم اليوناني «تفاح» لكريستوس نيكاو. بطل هذا الفيلم يستيقظ يوماً وقد فقد ذاكرته. نفهم أنّ وباءً صامتاً ينتشر هذه الأيام يتسبب في انتشار هذه الحالة، لكن الفيلم - في معظمه - يكتفي بحالة بطله الذي، بعد كشف المستشفى عن علّته، تقترح هيئة طبية أن يكتفي من تاريخه الشخصي المجهول وبدء العمل على تكوين شخصية جديدة عليه بكل ما تتطلبه من تأليف جذري وتغيير عادات واستقبال متغيرات جديدة في حياته، بما في ذلك التعرّف إلى أشخاص لم يسبق له أن التقى بهم.
يستمر الفيلم في سرد هذا الوضع المثير فكرياً والضعيف عملياً؛ كونه يصل إلى مرحلة وسطى لا تشهد الكثير من النشاط والحيوية. يعيش الفيلم على حساب حبكته وحسن تأدية شخصيته وتصوير حالتها الخاصة، لكنّه لا يستطيع الاكتفاء بذلك، بل يحاول.
- وسط العائلة الكبيرة
حال بطل «تفاح» (والعنوان يعود إلى أن التفاح هو الفاكهة المفضلة عنده) تقترب من حافة الفيلم الخيالي – العلمي، لكنّها تبقى واقعية في محيطها وبيئتها. هذا ما يتحاشاه الفيلم الألباني «باب مفتوح» للمخرج الجديد فلورنس باباس.
فيلم من نوع «رود موڤي» (تقع أحداثه ومفارقاته خلال رحلة سيارة طويلة) يروي حكاية شقيقتين هما رودينا (ليلي بتري) وإيلما (جونيدا فوكشي)، عليهما أن يجدا حلاً لمعضلة طارئة. لقد كشفت الأخت الشابة إيلما عن حملها (من دون زواج) ما يستدعي البحث عن رجل يمثّل دور الزوج لأنّ الشقيقتين لا تستطيعان زيارة والدهما في قريته من دون الادعاء أن إيلما حبلى من زواج شرعي.
الفيلم ليس كوميدياً، وهو لا يبدأ بالرحلة ذاتها، بل بالتعريف بأن الشقيقة الكبرى رودينا لها مشاكل كبيرة في حياتها. هناك زوجها الذي يعمل في الخارج ولا تستطيع الالتقاء به أكثر من مرّة واحدة في السنة، وهناك رعايتها لابنهما الوحيد ولوالديه، من ثمّ هناك عملها في المصنع ومتطلباته ومسؤولياته. وكما لو أنّ كل هذا لا يكفي، بات عليها الآن أن تبحث عن حل لمشكلة أختها قبل زيارة الأب.
يستفيد الفيلم من مناظر ألبانية خلابة. كونه فيلم رحلة يُتيح له (ولنا) مواكبة الطبيعة حوله، التي تتعاكس والوضع البشري داخل السيارة والبحث عن حل ثمّ مشاكل ما بعد إيجاده.
وهناك وضع عائلي آخر في «السائرون نياماً» (The Sleepwalkers) فيلم أرجنتيني من بولا هرنانديز عن أم وابنتها تمضيان عطلة رأس السنة في موقع تجتمع فيه أجيال مختلفة من العائلة الكبيرة.
على الرغم من كثرة الأفراد من حولهما، فإن المخرجة توالي وضع بطلتيها في بؤرة الأحداث التي تتناول، من بين ما تتناوله، انفصالاً ضمنياً بين توجهات الأم وابنتها المراهقة، من ثمّ انفصالاً ضمنياً آخر بينهما وبين باقي أفراد العائلة المنتمية إلى عائلة الأب. إنّها عائلة ميسورة والزوج بات يميل إلى العيش تحت كنفها لكي يستمتع بالثراء وسهولة العيش. لكن الزوجة لديها رأي آخر، وهناك رأي ثالث تمثّله الفتاة التي تعيش سنوات مراهقتها الساخنة بالمشاعر العاطفية.
على الرغم من أنّ الحكاية في الأساس تتمحور حول الأم وابنتها من ثمّ المحيط الشامل حولهما، فإن المخرجة هرنانديز تدخل وتخرج إلى ومن مناسبات تطرح فيها الحياة الأوسع حولهما من دون أن تغفل عن الثقل الذي تواجهه الأم كزوجة وكموظفة في دار النشر التي تملكها العائلة؛ ما يضعها دوماً في حالة الرغبة في التأكيد على بذلها وحسن رعايتها أفراد عائلة زوجها.
«السائرون نياماً» من نوع الأفلام التي تدور في جو لقاء كبير حافل بالشّخصيات في مناسبة ما. المختلف هو أنّه لا ينسى التركيز على الحالة النسائية المتمثلة ببطلتيه.


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».