انطلاق حملة «ساندوا غزة.. ساندوا أطباءها»

بعد 10 سنوات يصبح القطاع قفرا من اختصاصيين لإنقاذ حياة الناس

مشهد من فيلم {عمر} الذي عرض في المناسبة من أجل جمع الأموال
مشهد من فيلم {عمر} الذي عرض في المناسبة من أجل جمع الأموال
TT

انطلاق حملة «ساندوا غزة.. ساندوا أطباءها»

مشهد من فيلم {عمر} الذي عرض في المناسبة من أجل جمع الأموال
مشهد من فيلم {عمر} الذي عرض في المناسبة من أجل جمع الأموال

بعد 10 سنوات على الأكثر، تصبح غزة قفرا من أطباء اختصاصيين، بمقدورهم أن يعالجوا المرضى في الأيام العادية، لكن الكارثة ستكون مدوية، في حال وقعت حرب كالتي شهدناها العام الماضي. ويؤكد الدكتور غسان أبو ستي، رئيس قسم الجراحة التجميلية في الجامعة الأميركية، الذي تمكن وحده من الدخول إلى غزة لإسعاف المرضى مع طبيبين نرويجيين خلال حرب الصيف الماضي، أن الوضع كان مزريا خاصة أن الحصار المحكم تسبب في منع دخول أطباء، كذلك لم يسمح بإخراج جرحى، فيما الإمكانات الطبية كانت هزيلة جدا.
والسبب في تراجع عدد الأطباء ذوي الاختصاص، داخل القطاع هو أن الطلاب يدرسون الطب العام، لكنهم لا يتمكنون من إكمال تخصصاتهم في الخارج. ويشرح الدكتور أبو ستي في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إن الأسباب لهذا التدهور الطبي في الكادرات كثيرة، أهمها أن الوضع الاقتصادي ما عاد يسمح لأهالي غزة بإرسال أبنائهم لإكمال تعليمهم في الخارج، أما السبب الثاني فهو أن دولا أوروبية على رأسها إنجلترا، ما عادت تستقبل طلابا لدراسة الطب من خارج الاتحاد الأوروبي، مما أغلق الأبواب منذ 10 سنوات تقريبا أمام الطلاب الفلسطينيين. وبالتالي بتنا أمام جيل كامل محروم من إكمال تخصصه العلمي خارج أسوار غزة، ولا بد من إيجاد حلول لهؤلاء. فالاعتماد الحالي، هو على الجيل القديم، الذي غالبيته تجاوز الـ50 من العمر، وهؤلاء، بعد سنوات يصبحون بحاجة لمن يأخذ مكانهم».
والدكتور أبو ستي الذي سبق له أن شارك في إسعاف الجرحى في غزة في حربي 2008 وكذلك 2014 هو أحد المساهمين في مبادرة ستسمح لأطباء من قطاع غزة بتلقي تدريبات في اختصاصات مختلفة في محاولات لسد هذه الثغرات التي كادت تصبح مميتة.
وقد عقد مؤتمر صحافي في «صالة ميتروبوليس» في بيروت يوم أمس، أعلن خلاله عن قيام مؤسسة التعاون بالاشتراك مع فانوس للترويج والإنتاج، بتنظيم عرض أول في العاصمة اللبنانية، لفيلم «عمر» للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد، المرشح للأوسكار العام الماضي وحائز على جوائز عالمية عدة، بحيث يعود ريعه لتدريب أطباء من غزة في الجامعة الأميركية في بيروت.
وجدير بالذكر أن عرض الفيلم لن يأتي بمداخيل كبيرة، لكنها تبقى احتفالية رمزية لإشعار من يود المساعدة، بأن ثمة عملا انطلق يستحق التفاتتهم، وبالفعل يؤكد المنظمون أن مؤسسات وأفرادا حتى قبل إطلاق الفيلم تبرعوا للمشروع، فيما أنشطة أخرى يتم التحضير لها مستقبلا لإبقاء الحملة على نار حامية.وتحت شعار «ساندوا غزة، ساندوا أطباءها» تمكّنت «مؤسسة التعاون» - فرع لبنان (ولها فروع في فلسطين والأردن) من تمويل تدريب جراحَين اثنين من غزة يستعدان للسفر إلى لبنان، اختصاصهما جراحة الأوعية الدموية ومعالجة الصدمات والعناية الفائقة. علما بأن تكلّفة تدريب الطبيب الواحد لمدة سنة تصل إلى 24 ألف دولار. وهي فقط تكلفة السفر والإقامة، فيما تتكفل الجامعة الأميركية بالتدريب والتعليم مجانا.
وخلال المؤتمر الصحافي الذي حضره الدكتور غسان أبو ستي، وفؤاد بوارد ممثل «مؤسسة التعاون»، وإياد حوراني أحد ممثلي فيلم «عمر»، شرح المتحدثون أن غزة بحاجة ماسة إلى تدريب عالي المستوى والجودة للأطباء والجرّاحين في اختصاصات البنج والجراحة الترميمية والتجميلية وطب الأطفال ومعالجة الصدمات والعناية الفائقة وسرطان الأطفال وأمراض القلب والشرايين، وأن تبقى الإصابات الخطرة، أو الأطراف المبتورة، أو الوجوه المشوهة دون علاج بسبب نقص في الخبرات الطبية أمر لا بد التغلب عليه.
ويتم التعاون حاليا بين الجامعة الأميركية في بيروت، ودائرة التطوير المهني في وزارة الصحة الفلسطينية، الموجودة في «مستشفى الشفاء» في غزة، كما مع هذه الأخيرة، لتحديد الحاجات، وتنسيق الأسماء، وعدد الأطباء الممكن تدريبهم. ويقول الدكتور أبو ستي «كل شيء يتوقف على مدى قدرتنا على جمع التمويلات الكافية، لكن الأكيد أن الحرب قادمة وأن الوضع الإنساني والطبي ينذر بخطر كبير. فخلال الحرب الأخيرة 20 ألف إنسان فقدوا بيوتهم، ولم يتم إعادة إعمارها، وأهلها لا يزالون مشردين، والحصار لا يزال قائما، مما يعني أن الانفجار محتم، وكذلك نحن على أبواب انتخابات إسرائيلية، وغالبا ما يدفع الفلسطينيون في غزة، ثمن المناكفات الداخلية الإسرائيلية، لذلك نقول يجب ألا نضيع الوقت فخلال الحرب على غزة الصيف الماضي، لم تستطع الطواقم الطبية أن تعالج العدد الهائل من الجرحى بسبب النقص الحاد في الأدوية والمعدات الطبية وفي خُبرة الأطباء».
وبعد عودته من غزة عام 2014 أعطى الدكتور أبو سعدا مقابلة لمجلة «دراسات فلسطينية» ذكر خلالها أرقاما مروعة للوضع الصحي في القطاع وقال إن «80 في المائة من الأطفال الذين أجريت لهم عمليات سيحملون إعاقات مستديمة. لا يوجد في مستشفى الشفاء أكثر من 260 سريرا والمُقيمون فيه 600 مريض. وفي قسم الأطفال كان يوضع طفلان في سرير واحد، وحصيلة كل يوم قصف كانت ما لا يقل عن 70 طفلا جريحا».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».