معرض لندن للزوارق: صخب وازدحام في انتظار عودة الانتعاش

أكبر يخت بـ 8.26 مليون دولار .. وأصغر قارب بـ 480 دولار

بعض جوانب معرض الزوارق في لندن لعام 2015 (تصوير: جيمس حنا)
بعض جوانب معرض الزوارق في لندن لعام 2015 (تصوير: جيمس حنا)
TT

معرض لندن للزوارق: صخب وازدحام في انتظار عودة الانتعاش

بعض جوانب معرض الزوارق في لندن لعام 2015 (تصوير: جيمس حنا)
بعض جوانب معرض الزوارق في لندن لعام 2015 (تصوير: جيمس حنا)

في طقس ممطر، ومعتدل نسبيا مقارنة بالعواصف التي اجتاحت الشرق الأوسط مؤخرا، جرى هذا الشهر افتتاح معرض لندن للزوارق، الذي يقام سنويا في مركز معارض «إكسيل» شرق لندن. وتوسع معرض هذا العام في دورته الحادية والستين لكي يشمل مشاركة نحو 500 شركة قدمت أحدث ما لديها من أصغر الزوارق التي لا يتعدى ثمنها عدة مئات من الدولارات إلى أفخم اليخوت التي يصل ثمن أكبرها إلى أكثر من ثمانية ملايين دولار.
وكان أكبر يخت معروض هذا العام هو «صن سيكر 28 مترا»، الذي يصل ثمنه إلى سبعة ملايين يورو (8.26 مليون دولار) بخلاف الضرائب، بينما كان أصغر زورق هو القارب «ريب آي» وطوله ثمانية أقدام فقط ولا يزيد سعره على 300 جنيه إسترليني (480 دولارا). واكتسب المعرض هذا العام شركة رعاية جديدة هي «سي دبليو إم إف إكس»، وهي شركة متخصصة في تحويل الأموال والاستثمار في العملات.
«الشرق الأوسط» التقت بمدير المبيعات في شركة «صن سيكر» للزوارق الفاخرة، مارك شيناري، الذي أشار إلى وجود الشركة في منطقة الخليج عبر وكيلها في دبي وهو شركة «غالاداري»، وقال إن «صن سيكر» بصدد بيع 110 يخوت هذا العام، بزيادة عما حققته مبيعات العام الماضي. ولكن على الرغم من اعترافه بوجود نشاط في الأسواق العالمية خصوصا في السوق الأميركية هذا العام فإنه اعترف بأن مستوى النشاط لم يصل بعد إلى ما كانت عليه الصناعة في عام 2007 قبل الأزمة الائتمانية العالمية.
واستعان المعرض هذه العام ببعض المشاهير لافتتاح المعرض، من بينهم المغنية نيكول تشيزنغر التي اشتهرت في مسرحية «كاتس» التي تعرض في لندن حاليا. كما حضرت المعرض الأميرة آن بنت الملكة إليزابيث، والبطل الأوليمبي السير بن إينزلي. كما حضرت المعرض فرق إبحار أوليمبية وفرق تستعد لعبور المحيط الأطلسي في زوارق شراعية. ومن الوجوه المشهورة التي ظهرت في معرض هذا العام لاعب نادي آرسنال وإنجلترا ثيو ويلكوت، ومنتج برامج المواهب البريطانية سايمون كاول.
وإلى جانب المعروضات الرئيسية توجه المعرض للأنشطة الترفيهية خصوصا للأطفال من أجل جذب العائلات إلى معرض هذا العام، فقدم تدريبات على التجديف في قوارب صغيرة داخل حمامات سباحة، وكرات بلاستيكية ضخمة تطفو على الماء وبداخلها أطفال يحاولون توجيهها في أرجاء المسبح.
واكتظت قاعات أخرى في المعرض بالعديد من لوازم الإبحار من سترات نجاة إلى أدوات توجيه وإبحار إلكترونية ومحركات ديزل، والعديد من لوازم صيانة الزوارق واليخوت. كما شاركت في المعرض أيضا شركات تأجير يخوت وشركات تأمين ومؤسسات لتدبير التمويل اللازم لشراء اليخوت.
الدراجات البحرية من شركات مثل «ياماها» وغيرها ظهرت بقوة في معرض لندن، واكتسب البعض منها أشكالا جديدة مثل الزوارق ولوحات الإبحار المسطحة. كما ظهرت في المعرض للمرة الأولى أجهزة محاكاة للإبحار في مختلف الظروف البحرية بما في ذلك العواصف. ولم تقتصر المعروضات على الزوارق، بل زاحمتها أيضا بعض شركات السيارات، حيث شاركت سيارات «لاند روفر» في المعرض باعتبارها سيارات مفيدة في سحب الزوارق وفي خوض المناطق الوعرة.

* رقم قياسي
كما ظهرت في المعرض سيارة تنافس على لقب السرعة العالمي اسمها «بلود هاوند»، وهي تنطلق بسرعة ألف ميل في الساعة وتشارك في محاولة لاختراق سرعة الصوت على الأرض. ومن الخدمات الجديدة التي ظهرت في معرض هذا العام شركات تقدم أدوات ملاحة إلكترونية مثل تلك التي تستخدمها السيارات لكنها مخصصة لطرق الملاحة البحرية. وتساعد هذه الأجهزة على تنظيم المرور البحري والنهري خصوصا للجدد في مجال الإبحار الشراعي أو بالمحركات.
وشاركت أيضا شركات دراجات نارية وأخرى للزوارق المطاطية الخفيفة المزودة بمحركات والمخصصة للرحلات النهرية. ومن الأفكار الجديدة التي ظهرت أيضا في معرض هذا العام شركة تقدم خزانات وقود إضافية لليخوت في أكياس مرنة لخفض الوزن وسهولة التخزين، وتسهم هذه الأكياس في زيادة مدى اليخوت بإعادة تعبئة خزانات الوقود أثناء الرحلات.
ومن الأدوات المساعدة على الملاحة ظهر جيل جديد من أدوات الاتصال عبر الأقمار الصناعية وأدوات الاتصال البحري بواسطة الراديو وأطباق التقاط البث التلفزيوني الفضائي التي تضبط نفسها تلقائيا على الأقمار الصناعية أثناء الإبحار.
ومن الخدمات الأخرى إلى جانب التأمين والصيانة ظهرت شركات تنظيم الرحلات البحرية والعطلات التي تشمل نشاطات إبحار حول العالم. ومن الشركات المشاركة كانت شركة «نوتيلاس» التي تخصصت في هذا المجال منذ 21 عاما. وهي تمتلك أسطولا به 365 يختا وزورقا شراعيا لخدمة السياح في منطقة البحر المتوسط.
من التقنيات الحديثة أيضا ما قدمته شركة «راي مارين» من أنظمة المراقبة والتسجيل بالكاميرات لإرجاء اليخت، ومنها نظام يسجل مشاهد من أربع كاميرات في الوقت نفسه. كما توفر الشركة نظاما آخر للتصوير الحراري يفيد في القيادة الليلية وفي حالات الضباب التي تنعدم فيها الرؤية.
وأعلنت الشركة المنظمة أن معرض هذا العام أطلق جمعية خيرية جديدة لتعليم الأطفال من مختلف أنحاء العالم فنون الإبحار والملاحة ومهارات مصاحبة قد تنفعهم في العثور على وظيفة في المجال البحري. وتحمل الجمعية اسم البحار أندرو سيمبسون الذي حقق ميدالية ذهبية أوليمبية في الإبحار الشراعي لكنه توفي في شبابه في عمر 36 عاما.
ووفر المعرض للزوار العديد من المطاعم والمقاهي وخدمات الاستعلام. وعلى هامش المعرض أقيم في قاعات مجاورة معرض مصاحب للسيارات الكلاسيكية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».