النازحون في العراق شتتهم شبح الموت وجمعتهم المعاناة في المخيمات

«الشرق الأوسط» تحاور بعضهم في مخيمين بأربيل وخانقين

نازحة وطفلها في مخيم للنازحين بخانقين («الشرق الأوسط»)
نازحة وطفلها في مخيم للنازحين بخانقين («الشرق الأوسط»)
TT

النازحون في العراق شتتهم شبح الموت وجمعتهم المعاناة في المخيمات

نازحة وطفلها في مخيم للنازحين بخانقين («الشرق الأوسط»)
نازحة وطفلها في مخيم للنازحين بخانقين («الشرق الأوسط»)

غادروا مدنهم وقراهم متجهين إلى المجهول بعد أن حاصرهم الموت من كل جانب. هذا هو حال النازحين العراقيين في 5 مدن شهدت صراعا عسكريا بين القوات الحكومية ومسلحي تنظيم داعش الذي بات نفوذه يزداد.
«الشرق الأوسط» زارت النازحين في مخيماتهم واطلعت على معانات الكثير منهم واستمعت إلى قصصهم المؤلمة من لحظة خروجهم من بيوتهم في رحلة رافقتها مشاهد الموت والمخاطر وصولا إلى المعاناة الكبرى التي تمثلت في العيش بمخيمات لا تتوفر فيها أبسط مقومات العيش. النازحون اليوم يعيشون ظروفا غاية في التعقيد إضافة إلى انتشار القوارض والعقارب والأفاعي السامة في مخيماتهم، ناهيك عن فقدان الرعاية الصحية والخدمات الأساسية ومخاطر احتراق الخيام التي كان آخرها في مخيم (بهار تازة) شمالي بعقوبة في حادث راح ضحيته 6 أطفال.
مليونا نازح استقبلتهم مدن إقليم كردستان وأماكن أخرى قادمين من مدن الأنبار والموصل وديالى وصلاح الدين، إضافة إلى أكثر من 700 ألف نازح آخرين قرروا السكن في الفنادق وإيجار البيوت والسكن في هياكل المباني التي هي قيد الإنجاز أو عند أقاربهم أو في مخيمات أخرى في بقية مدن العراق.
وتقول: «أم حارث»، 44 سنة، النازحة من مدينة الرمادي غرب العراق والمقيمة مع أسرتها في مخيم قرب أربيل: «خرجت من المدينة في أحلك الظروف وأصعبها برفقة زوجي وأولادي الـ4 بعد أن خيم الرعب على أجواء المدينة وخرج كل أهلها ووجدت نفسي أمام أمر واقع: إما البقاء ومواجهة الموت في أي لحظة بعد وصول المعارك بين القوات الحكومية ومسلحي تنظيم داعش إلى أزقتنا أو الرحيل». وتضيف «خرجنا من البيت فورا وبلا شعور اتجهنا حيث يتجه بعض الهاربين من المعارك وبعد مسير قارب الساعتين استقللنا زورقا لعبور نهر الفرات للضفة الأخرى من النهر بعد ذلك أمضينا قرابة الـ5 أيام في التنقل والمبيت في مناطق مختلفة وأحيانا نفترش الأرض في العراء إلى حين وصولنا إلى مخيمات النازحين في مدينة أربيل بإقليم كردستان وها نحن هنا منذ عدة أشهر عانينا فيها الكثير بدءا من معاناتنا من العيش في أجواء حر الصيف اللاهب وعدم توفر الخدمات الأساسية إلى العيش في ظروف أكثر قسوة ومواجهة برد الشتاء والأمطار وتفشي الأمراض ونقص الأغذية والرعاية الصحية.. مما تسبب في حالات وفاة للكثير من الأطفال وكبار السن نتيجة الصعوبات التي مرت بها العوائل الساكنة في المخيم».
منير، 23 سنة، نازح من مدينة الموصل يقول: «منذ 6 أشهر وأنا أعيش في هذا المخيم مع بقية أفراد عائلتي المكونة من 5 أفراد إضافة إلى أمي وأبي الكبيرين في السن. أبرز معاناتنا ومعاناة بقية النازحين تكمن بافتقار المخيم إلى أبسط الخدمات الضرورية وغياب الرعاية الصحية اللازمة وعدم وجود أماكن للاستحمام إضافة إلى انعدام المرافق الصحية وحاليا ومنذ حلول فصل الشتاء أصبحت المعاناة أكبر بسبب غرق الخيام في مياه الأمطار واقتلاع العواصف الكثير من الخيام».
ومن مخيم النازحين في أربيل توجهت إلى مخيم النازحين في قضاء خانقين، 100كم شمال بعقوبة مركز محافظة ديالى التي شهدت معظم مناطقها اضطرابا أمنيا نتيجة سيطرة مسلحي تنظيم داعش ومن ثم سيطرة الميليشيات المسلحة على مناطقها المحررة من قبل القوات الحكومية بعد طرد مسلحي التنظيم. في هذا المخيم قالت السيدة أوهام هادي، 54 سنة: «تمكنت بشق الأنفس من الخروج من بيتي في ناحية جلولاء التي سيطر عليها مسلحو تنظيم داعش. غادرت البيت وأنا أحمل ملابس أولادي فقط. 5 من أبنائي كانوا طلابا مجتهدين في مدارسهم تركوا الدراسة بسبب تلك الأحداث. كنت قبل نزوحنا أعمل ليل نهار في خياطة الملابس كي أوفر لهم احتياجاتهم من أجل استمرار تفوقهم الدراسي هذا ما عاهدت نفسي عليه بعد وفاة والدهم، لكن شاءت الأقدار أن يتحول حلمي إلى كابوس وها أنا أعيش مرارة الحرمان في هذا المخيم ويعيش أطفالي في جو غير الذي تمنيته لهم وأفنيت أيامي لأجله».



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.