مايا ساندو... حلم «التكامل الأوروبي» في بلد تمزقه السياسة واللغة والجغرافيا

رئيسة مولدافيا العزباء تدير معركة الإصلاح من شقة متواضعة

مايا ساندو... حلم «التكامل الأوروبي» في بلد تمزقه السياسة واللغة والجغرافيا
TT

مايا ساندو... حلم «التكامل الأوروبي» في بلد تمزقه السياسة واللغة والجغرافيا

مايا ساندو... حلم «التكامل الأوروبي» في بلد تمزقه السياسة واللغة والجغرافيا

لا تنتمي مايا ساندو، الرئيسة الشابة المنتخبة حديثاً رئيسة لجمهورية مولدافيا (مولدوفا) إلى أوساط النخب السياسية التقليدية التي برزت في الفضاء السوفياتي السابق على مدار العقدين السابقين. فهي لا تشبه النخب السوفياتية التي خلعت «العباءة الحمراء» والتحفت برداء قومي، وظلت متمسكة بمقاعدها في إدارة شؤون البلاد في بعض جمهوريات الاتحاد المنحل. كذلك، فهي لم تبرز بين الوجوه المعارضة التي حملتها «الثورات الملونة» إلى سدة الحكم بشكل مفاجئ، في غمار الفوضى والتدخلات الخارجية، كما جرى في جمهوريات سوفياتية سابقة أخرى.
أنها «الابنة العاقة» لنظام قام على حكم نخب أوليغارشية استحوذت على ثروات البلاد المحدودة أصلا، وأفقرتها أكثر. ومنذ أن برزت كأصغر وزيرة في تاريخ البلاد وسط «حيتان» الطبقة السياسية قبل ثماني سنوات، ومايا ساندو تتنقل بخطوات سريعة رافعة شعار محاربة الفساد، وخلفه حلم التكامل الأوروبي، الذي يدغدغ آمال كثيرين في بلد مزقته السياسة واللغة والجغرافيا، بين روسيا من جانب، ورومانيا التي جمعته معها تاريخيا روابط عميقة.

ولدت مايا ساندو، الرئيسة المولدافية التي انتخبت أخيراً بغالبية مريحة، عام 1972 في منطقة فاليشتي المحاذية للحدود مع رومانيا، لعائلة متوسطة لم تمارس السياسة يوما. إذ كان والدها طبيباً بيطرياً ووالدتها معلمة في مدرسة ابتدائية. ولقد أنهت مايا دراستها في أكاديمية التربية الاقتصادية بمولدافيا، قبل أن تلتحق بأكاديمية الإدارة العامة التابعة للديوان الرئاسي حيث دراسة العلاقات الدولية. ولعل ما أهلها للانخراط في أول نشاط عملي في الحكومة، عملها موظفة في وزارة الاقتصاد. وهي الخطوة التي قفزت سريعاً بالشابة التي لم تتجاوز 24 سنة من عمرها في العام 1996 لتغدو مستشارة في القسم الرئيسي للتعاون مع المنظمات الاقتصادية الدولية.
لعبت السنوات اللاحقة في هذه الوظيفة دوراً أساسيا في تفتح مايا ساندو على العالم، وعززت طموحاتها العلمية، التي يبدو أنها انسجمت مع طموحات سياسية لم تكن أعلنت عنها في أي وقت. إذ أنها قادتها بعد ذلك لمواصلة التعليم عبر منحة دراسية، في معهد الإدارة العامة بجامعة هارفارد الأميركية العريقة حيث تخرجت منها في العام 2010 لتشغل منصباً مهماً، كمستشارة للمدير التنفيذي للبنك الدولي في واشنطن. وفي هذا المنصب عملت حتى عام 2012.
صراع على اللغة
عادت ساندو إلى كيشيناو (الاسم المحلي/الروماني للعاصمة كيشينيوف) عام 2012. بعدما تلقت دعوة لتولي منصب وزيرة التعليم في الحكومة التي شكلها الحزب الديمقراطي الليبرالي، وكانت هذه فرصتها السانحة لدخول عالم السياسة العليا الذي لن تغادره خلال السنوات اللاحقة. وخلال السنوات الثلاث التي أمضتها ساندو في مقعد الوزارة، بدأت تترجم أفكارها وأقوالها إلى أفعال. وإبان توليها الوزارة جرى اعتماد لائحة جديدة لإجراء الامتحانات الوطنية وتغيير ترتيب تدريس اللغات. وأصبحت دراسة اللغة الروسية اختيارية للراغبين.
وفي وقت لاحق، خلال مقابلة صحافية عشية الانتخابات، قالت ساندو إن 25 في المائة من مواطني مولدافيا يتكلمون الروسية، ويعتبرونها لغتهم الأم. واتهمت الرئيس المنتهية ولايته، إيغور دودون، بأنه «يخيف الناخبين بشكل غير عادل بفكرة أنها تنوي قمع حقوق الناطقين بالروسية». وأوضحت «أريد أن يفهم الجميع: بالنسبة لي، حقوق الإنسان هي الأهم. لن يفعل أحد أي شيء ضد المتحدثين بالروسية». ولكن، لم تخف السياسية الشابة أنها تواصل البحث عن وسائل لضمان تدريس جميع لغات الأقليات، مشيرة إلى توافر الفرصة لدفع تعليم اللغة الرومانية بالتوازي مع السماح بحرية تعليم اللغات الأخرى. وللعلم، ينص دستور مولدافيا على أن اللغة المولدافية هي اللغة الرسمية، لكن الجذور التاريخية التي تربط المولدافيين (البُغدان) مع رومانيا لم تنقطع رغم خضوع البلاد للحكم السوفياتي منذ أن سيطر عليها الجيش الأحمر خلال الحرب العالمية الثانية. وتشير دراسات إلى أن 74 في المائة من المولدافيين يؤيدون اندماج بلادهم مع رومانيا مجدداً. وعموماً، عام 2017. حاول نواب ينتمون إلى كتلة الحزب الديمقراطي الليبرالي تمرير قانون يجعل اللغة الرومانية رسمية في البلاد لكنهم فشلوا بسبب تحكم الحزب الاشتراكي القريب من موسكو بغالبية في المجلس.

شعار التكامل الأوروبي

لم تخف ساندو في أي مرحلة من نشاطها السياسي لاحقاً، اقتناعها بأن «النموذج الأوروبي هو الأقرب إلى مولدافيا». إذ قالت للصحافيين غير مرة «نريد أن تُحترم حقوقنا كي نكون أحراراً، وكي لا يُملى لمن نصوت ومن لا ينبغي أن نصوت له». وعكست هذه العبارة الاختلاف الخفي (أو غير المباشر) مع النموذج الآخر المطروح في البلاد، الذي ينادي به «الحزب الاشتراكي»، أي النموذج الروسي. وفي الوقت ذاته، دافعت السياسية الصاعدة، عن أهمية تقديم ملف مكافحة الفساد عن أي فكرة أخرى، وأقرت بشيء من الأسف في أحد خطاباتها بأن «المسار الأوروبي يمكن أن يفقد مصداقيته في البلاد لأن العديد من الحكومات لدينا أعلنت تمسكها بالقيم الأوروبية، لكنها في الوقت نفسه كانت فاسدة».

زعيمة الحزب ورئيسة الحكومة

عام 2015، أعلنت مايا ساندو عن تأسيسها حزبها الخاص، وقدمته بداية باسم فريد بالنسبة للأحزاب السياسية في هذه المنطقة من العالم، وهو «قُم بخطوة مع ساندو» لكنها سرعان مع استدركت الوضع ليغدو اسم الحزب كما هو معروف حالياً «حزب العمل والتضامن» المعروف اختصاراً باسم «ساد». وركز برنامج الحزب على تقارب مولدافيا مع الدول الغربية، والتكامل الأوروبي، وترسيخ اقتصاد السوق، وبناء نظام تعليمي فعال، ومحاربة صارمة للفساد.
وفي إطار نشاطها الحزبي، رشحت ساندو نفسها لمنصب رئيس الدولة في العام 2016. إلا أنها خسرت الجولة الثانية في الانتخابات أمام الرئيس المنتهية ولايته حالياً، إيغور دودون. لكن خسارتها المؤقتة لمقعد الرئيس لم تبعدها عن مسرح السياسة العليا، بل عكس ذلك، حولتها إلى أحد أبرز الأسماء البارزة المطروقة بقوة في المنعطفات الأساسية.
وهكذا، عام 2019 اختيرت ساندو رئيسة للوزراء وهو منصب لم تبق فيه أكثر من ستة أشهر، لكنها كانت حافلة. إذ أصبحت الموافقة عليها في البرلمان «المعادي لأفكارها» بمثابة حل وسط للسياسة الداخلية والخارجية. ووافق حزب دودون الاشتراكي على تعيينها، وأصبح التعيين نفسه ممكناً نتيجة للاتفاقيات بين روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وضع هذا نهاية للتحكم طويل الأمد لرجل الأعمال والأوليغارشية فلاديمير بلهوتنيوك، الذي سيطر على الحياة السياسية في مولدافيا من خلال الحزب الديمقراطي وعبر التأثير على الأحزاب الأخرى. لكن ساندو فور خروجها من المنصب، بدأت تعد للاستحقاق الأكبر، أي انتخابات الرئاسة في العام التالي، بمواجهة الخصم القوي دودون «حليف موسكو»... والسياسي الذي تحيط به شبهات فساد كثيرة، أثارتها ساندو بقوة إبان الحملة الانتخابية.
ومقابل حملة دودون الشرسة ضد ساندو، التي وصفها خلالها بأنها «سياسية مخادعة» وصلت إلى السلطة بمساعدة الأوليغارشيين الذين تشن ضدهم حروبا إعلامية، فتحت الأخيرة عدداً من الملفات التي تتهم دودون بأنه استفاد من مختلف الأنشطة الاقتصادية غير المشروعة. وبين التهم تهمة احتكار تهريب السجائر إلى البلاد من إقليم بريدنوستروفيه الانفصالي المدعوم من موسكو. وهنا أيضا برز تلميح ساندو لوجود دور روسي في دعم الفاسدين.
أما على المستوى الشخصي فسعت ساندو لإبراز شخصية مختلفة عن الطبقة السياسية السابقة في البلاد، وقالت السيدة العزباء التي تعيش في كيشيناو، في شقة متواضعة تتكون من غرفتين بمساحة 74 متراً مربعاً. إنها لا تنوي الانتقال منها كي لا «تبدد أموال الدولة على السكن». وشددت السياسية التي رفعت شعار مكافحة الفساد على مدى سنوات أنها ستدير من هذه الشقة شؤون البلاد الشائكة والمعقدة.

خلاف على أوكرانيا

بنفس المقدار الذي دافعت به ساندو عن أهمية تعزيز الروابط مع رومانيا، فإنها أصرت دائماً على أهمية انتهاج سياسة إيجابية حيال البلد الجار الثاني لمولدافيا، وهي أوكرانيا التي تشكل إحدى العقد الأساسية في العلاقة بين روسيا والاتحاد الأوروبي. ومقابل اعتراف الرئيس السابق بضم القرم إلى روسيا، شددت ساندو في دعايتها الانتخابية على احترام وحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها، ورأت أن «هذه هي الطريقة الوحيدة لبناء علاقات جيرة إيجابية وفعالة مع هذا البلد». ولم تخف أن «مولدافيا وأوكرانيا تقفان على الرابط الجيوسياسي نفسه». مشيرة لاتفاقيات شراكة مع الاتحاد الأوروبي يجب تعزيزها.
من ناحية ثانية، تقف ساندو على يسار كل الأحزاب اليمينية المولدافية التي تدعو إلى قطيعة نهائية مع موسكو. وهي ترفع شعار «العلاقات مع روسيا بحاجة إلى التطوير، بما في ذلك لصالح مواطني الدولة الذين يعيشون في روسيا». وتؤيد وضع حلول ملائمة لمشاكل أبناء الجالية المولدافية في روسيا، وخصوصا تلك المتعلقة بالمعاشات التقاعدية والضمان الاجتماعي، علما بأن تقديرات تشير إلى وجود نحو نصف مليون مولدافي يعملون في روسيا، وبالمناسبة فإن مثل هذا الرقم تقريبا يمثل حجم الجاليات المولدافية في أوروبا.
مشكلة بريدنوستروفيه
لكن العلاقة مع موسكو تمر عبر تعقيدات أكثر تشابكاً وصعوبة من ملف العمال، والتسهيلات التجارية والضريبية والجمركية المطلوبة. إذ تصر ساندو على ضرورة إجراء حوار جاد ومتسق بمشاركة الشركاء الدوليين حول تسوية نزاع بريدنوستروفيه (ترانسنيستريا) وهو الإقليم الذي تقطنه غالبية ناطقة بالروسية، ويسعى للانفصال عن مولدافيا. وترى الرئيسة المنتخبة أن أحد عناصر الحوار المطلوب، يتركز على انسحاب الجيش الروسي من الإقليم. وكانت موسكو زجت قوات حفظ السلام الروسية إلى أراضي ترانسنيستريا عام 1992. ويقول أنصار ساندو إن قوات حفظ السلام يجب أن تضم ممثلين من عدة دول، وليس روسيا وحدها.
هذا الملف يشكل عقدة أساسية في العلاقة مع موسكو، التي لا ترغب بإشراك أي أطراف أوروبية في تسويته، وتصر على أنها تدافع في الإقليم عن حقوق الناطقين بالروسية الذين بينهم كثيرون حصلوا على الجنسية الروسية خلال السنوات الماضية، بعدما منحت موسكو تسهيلات واسعة لذلك. ومع ذلك، أعربت ساندو عن استعدادها لفتح حوار مباشر وعملي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول هذا الموضوع. وعندما سألها صحافيون عما إذا كانت تتوقع الكثير من هذا الحوار أجابت أنها تمثل المواطنين والدولة وعليها أن تجري هذا الحوار.
في الوقت ذاته جاء تعليق فاديم كراسنوسيلسكي، زعيم الانفصاليين في بريدنوستروفيه، المقرب من موسكو، على الانتخابات المولدافية. وفيه أبدى استعداده لـ«التعامل مع أي رئيس منتخب من قبل مواطني جمهورية مولدافيا»، قبل إضافة عنصر آخر للجدل حول التحديات المقبلة لساندو، وهو أن «الشرط الرئيسي هو ضمان حق تقرير المصير وحريات المواطنين في الإقليم، وتكثيف عملية التفاوض، وإقامة حوار مثمر، وتجنب الشعارات الفارغة». هذه العبارات ترجمها معلقون روس، بأنها حملت تحذيرا مبطناً إلى الرئيسة الجديدة. وقال بعضهم إن «هذا بيان مهم لمولدافيا. لأنه يوضح استعداد تيراسبول (عاصمة الإقليم) للحوار مع كيشيناو، وفق شروط محددة».

تحديات داخلية
داخلياً، بعد فوزها في الانتخابات، وعدت ساندو بإيجاد طريقة لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة. لكن الصعوبة التي تواجهها الرئيسة الجديدة تكمن في أن مولدافيا جمهورية برلمانية، وبالتالي فدعم النواب ضروري للدعوة إلى انتخابات. لكن الغالبية في البرلمان لحزب الاشتراكيين المقرب من موسكو.
بناءً عليه، يبدو حل الانتخابات المبكرة أحد السيناريوات الضرورية لتتمكن ساندو من تنفيذ خططها ووعودها الانتخابية. وهي بذا تراهن على الدعم الشعبي الذي حصلت عليه في انتخابات الرئاسة لإيصال مرشحي حزبها والأحزاب الحليفة إلى البرلمان. لكن، مع السعي لانتخاب برلمان جديد تبدو المهمة الملحة حالياً أمام ساندو هي التوصل إلى اتفاق مع مجلس الوزراء.
في الوقت نفسه، سعت مايا ساندو لتوحيد الشعب المولدافي بعد مرحلة انقسام حاد شهدها خلال الانتخابات، بين مسارين سياسيين أحدهما يدعو للمحافظة على نهج التقارب مع موسكو، والآخر يدعو إلى النظر نحو الغرب. وقالت ساندو في خطاب بدا إنه يهدف إلى كسب فئات من أنصار خصومها السياسيين «لقد ناضلنا لتحسين حياة كل واحد منكم، من أجل هيئات الدولة المتخصصة، من أجل رفع مستوى المعيشة، من أجل نمو الاقتصاد، والمعاشات التقاعدية والأجور. يجب أن يشعر الجميع بهذه التحسينات، بما في ذلك أولئك الذين صوتوا لخصمي. أقول لهم: أنتم لم تخسروا، سأعمل على كسب ثقتكم بأعمال ملموسة».
وزادت الرئيسة المنتخبة «نحن، جميع مواطني جمهورية مولدافيا - حصلنا اليوم على فرصة لظروف معيشية كريمة. سنبني بلدنا معاً حيث يشعر المواطنون من جميع المجموعات العرقية بالأمان، حيث تُحمى حقوقهم بما في ذلك الحق في استخدام لغتهم. سنبني دولة سيشغل فيها الأكفاء مناصب رئيسية بغض النظر عن عرقهم. سنبني توازناً حقيقياً في السياسة الخارجية على أساس مصالح بلادنا وسنقيم حواراً عملياً مع جميع البلدان، بما في ذلك رومانيا وأوكرانيا والدول الأوروبية وروسيا والولايات المتحدة. سأعمل من أجل جميع مواطني البلد».
هذه العبارات قوبلت بتعليقات حذرة في روسيا، حيث قال خبراء «لو سمع المواطنون الناطقون بالروسية في جمهورية مولدافيا هذه الكلمات في عام 1992، لما حدث الصراع في بريدنوستروفيه. لكن تقديم الوعود أمر وتنفيذها أمر مختلف تماماً. وإدراكاً لذلك، يأمل مواطنو مولدافيا الناطقون بالروسية ألا تنحرف أفعال ساندو عن كلماتها».


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.