يقال إن قراءة المشهد الإيطالي لا تتضح إلا بمعرفة ما يحصل في جزيرة صقلية، وإن معرفة ما يحصل في صقلية تقتضي الإحاطة بما تقوم به «المافيا». وما تنشط فيه المنظمات الإجرامية المنضوية تحت تسمية «المافيا» هذه الأيام في الجنوب الإيطالي، يعطي فكرة واضحة عن المشهد الوبائي الذي تعيشه الأقاليم الجنوبية في إيطاليا، وترسم صورة مصغرة عن المأساة التي يُخشى أن تتكرر في هذه الموجة الثانية، بعد كارثة المرحلة الأولى التي كادت تقضي على دعائم الاقتصاد الإيطالي المنهك، وتضع المنظومة الصحية في حال من الإغماء العميق التي وصل بعض المستشفيات إلى أبوابها منذ أيام.
إلى المخدرات والأسلحة وتهريب المهاجرين والابتزاز، أضافت «المافيات» الإيطالية اليوم إلى أنشطتها تجارة قوارير الأوكسجين في السوق السوداء، بعد أن نفدت من المستشفيات التي عجزت عن استقبال مزيد من الحالات الخطرة في وحدات العناية الفائقة، وبدأت معظم الأقاليم في تحويل الفنادق إلى مستشفيات مخصصة للمصابين بـ«كوفيد- 19»، بينما تنجز الحكومة برنامجاً واسعاً للمعالجة المنزلية، بعد التكاثر السريع في عدد الإصابات الجديدة التي تجاوزت 33 ألفاً في الساعات الأربع والعشرين الماضية، وبلغ عدد الوفيات 731.
وأمام استفحال الوضع الوبائي في جميع الأقاليم التي عادت لتسجل أرقاماً تتجاوز ذروة المرحلة الأولى عندما كانت إيطاليا البؤرة الرئيسية للوباء في العالم، وجَّه رئيس الجمهورية سرجيو ماتاريلا نداءً معبراً، ناشد فيه الأحزاب والقوى السياسية «الاتحاد في وجه الوباء لإنقاذ البلاد»، بعد تفاقم الصراعات حول إدارة الأزمة بين الحكومة والمعارضة، ودخول السلطات الإقليمية على الخط، والتهديد بإقفال بعض المناطق في وجه سكان المناطق الأكثر تضرراً.
الإصابات في أقاليم الشمال ليست بأقل منها في الأقاليم الجنوبية؛ لكن مستشفياتها تجهزت واستعدت للموجة الثانية، بعكس مستشفيات الجنوب التي اعترفت وزارة الصحة بأنها غير قادرة على مواجهة هذه الإصابات التي يرجح أن تواصل الارتفاع في الأسابيع المقبلة. وتحاول السلطات الصحية في أقاليم الجنوب نقل الحالات الخطرة إلى الأقاليم الأخرى المجاورة، بينما تعجز حتى عن إجراء الفحوصات لمن تظهر عليهم عوارض الوباء، ولا يجدون متسعاً لهم في المستشفيات. وكانت أقاليم الشمال الإيطالي هي الأقل تضرراً في المرحلة الأولى التي انقضت بشراسة على المقاطعات الجنوبية؛ حيث وقع أكثر من 76 في المائة من الضحايا.
لكن بالإضافة إلى تدهور الوضع الصحي والمخاوف من كارثة كبيرة في الأسابيع المقبلة، تخشى الحكومة من التداعيات الأمنية للأزمة، بعد أن بلغت نسبة العاطلين عن العمل مستويات غير مسبوقة في أقاليم الجنوب التي تسجل عادة معدلات تضاعف ثلاث مرات أقاليم الشمال.
وعادت المدن الجنوبية مثل نابولي وباليرمو لتشهد مظاهرات احتجاجية ضد تدابير الإقفال التي سدت أبواب الرزق للملايين من الذين يعيشون على السياحة والأنشطة اليومية، في الوقت الذي عادت فيه «المافيا» لتنشط أيضاً في الربا، أمام انهيار المؤسسات الصغيرة التي تشكل عماد الاقتصاد الإيطالي، والتي يواجه 90 في المائة منها خطر الإفلاس، وفقاً لإحصاء مستقل أجرته جامعة نابولي.
وبينما تتكرر مشاهد سيارات الإسعاف التي تنتظر بالعشرات في الطوابير أمام المستشفيات لشغور أسرَّة تستقبل المصابين بـ«كوفيد- 19»، تستغيث عائلات المصابين بحثاً عن قوارير الأوكسجين التي فرغ منها نصف البلاد، كما أفادت الصحف الصادرة صباح أمس (الأربعاء).
وأمام المستشفى المركزي في نابولي، يرتسم مشهد الكابوس الذي كانت تخشاه إيطاليا منذ أشهر: المصابون الذين يتصلون بخدمات الطوارئ طلباً لسيارة إسعاف تنقلهم إلى المستشفى، وينتظرون ساعات ولا تصل، يتجهون بالسيارات إلى المستشفى الذي يعجز عن استقبالهم، فتعمد الطواقم الصحية إلى معالجتهم داخل السيارات في حال من الفوضى والتدافع، بينما يقول أحد الممرضين: «لا أريد أن أتصور كيف سنكون بعد أسبوع أو اثنين من اليوم».
بوادر كارثة الموجة الثانية تخيّم على إيطاليا
الأقاليم الجنوبية ترسم صورة مصغرة عن المأساة
بوادر كارثة الموجة الثانية تخيّم على إيطاليا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة