صوفيا لورين تطلّ عبر «نتفليكس» في «الحياة المقبلة»

صوفيا لورين في منزلها... الصورة التقطها ابنها إدواردو بونتي مخرج فيلمها الجديد
صوفيا لورين في منزلها... الصورة التقطها ابنها إدواردو بونتي مخرج فيلمها الجديد
TT

صوفيا لورين تطلّ عبر «نتفليكس» في «الحياة المقبلة»

صوفيا لورين في منزلها... الصورة التقطها ابنها إدواردو بونتي مخرج فيلمها الجديد
صوفيا لورين في منزلها... الصورة التقطها ابنها إدواردو بونتي مخرج فيلمها الجديد

كانت النجمة العالمية الشهيرة، التي تبلغ من العمر 86 سنة، تتطلع إلى صلة شخصية تربطها بالنص الجديد. ومن ثم جاء ابنها المخرج وشبكة «نتفليكس» الترفيهية بفيلم درامي جديد لها، يحمل عنوان «ذي لايف أهيد - الحياة المقبلة».
فماذا حدث لصوفيا لورين؟
يطرح ذلك السؤال فيلم «ذي لايف أهيد - الحياة المقبلة»، الذي تعرضه شبكة «نتفليكس» على الشاشات يوم الجمعة المقبل، من بطولة النجمة الإيطالية العالمية، التي كانت محط أنظار العالم ووسائل الإعلام الدولية في يوم من الأيام. وفي واقع الأمر، يعدّ هذا أوّل أدوارها الفنية منذ آخر فيلم تلفزيوني ظهرت فيه قبل 10 سنوات، يجمع قيم الشغف بالعمل الدرامي وسواه من العواطف الأخرى الراسخة في حياتها، لا سيما أسرتها. وكانت صوفيا لورين قد منحت أسرتها كامل أولويتها على حساب مسيرتها الفنية الطويلة. ولكن مع الفيلم الدرامي الجديد، فإنّها تحاول تحقيق المصالحة بين العاطفتين داخلها. ويعد إدواردو بونتي أصغر أبنائها والمخرج، ويشارك أيضاً في كتابة السيناريو للعمل الدرامي الجديد.
يأتي الفيلم الجديد متوجاً للتّعاون الثالث بين الأم وولدها، وهي تؤدّي فيه دور إحدى السيدات الإيطاليات الناجيات من المحرقة النازية إبان الحرب العالمية الثانية، وتحمل اسم مدام روزا، التي تتبنى وتتولى مسؤولية يتيم من السنغال اسمه مومو (يلعب دوره الطفل إبراهيم غوي).
كانت تيمة الفيلم التي تدور حول التسامح هي التي جذبت صوفيا لورين مرة أخرى إلى التمثيل، ولكن كانت هناك حاجة خاصة إلى نص يربطها بالعمل الفني جعلها تمعن النظر في اختيار مشاريع الأعمال الفنية التي تُعرض عليها، على حد قولها بلغة إنجليزية ركيكة. وعندما واصلت لورين - الحائزة على جائزة الأوسكار من قبل - في التأثير على ثقافة البوب المعاصرة بأغنية لها بعنوان «Zoo Be Zoo Be Zoo»، التي جاء ذكرها في أحد البرامج الحوارية الذي لم تشهده لورين، قالت إنّها لا تشعر بالرغبة الجامحة في متابعة كل ما يُقال عنها هنا أو هناك. وفي مقابلة أجريت بالهاتف من منزلها في جنيف، تحدثت النجمة الإيطالية الكبيرة عن الشيخوخة بكل سلاسة وطمأنينة، وأنها تتلقى التوجيهات من ابنها المخرج، كما تحدثت عن بعض أدوارها المفضلة. وفيما يلي مقتطفات محررة من المقابلة معها:
> بدأنا نشهد تراجعاً في أدوارك السينمائية منذ عام 1980، أي بعد مرور 7 سنوات على ولادة ابنك إدواردو، وبعد مرور 12 سنة على ولادة شقيقه كارلو. فلأي شيء كان البطء في أعمالك الفنية؟
- سألت نفسي في ذلك الوقت: «ما الذي تريدينه من الحياة يا صوفيا؟»، وقلت: أريد أسرة جميلة، وكان ما أردت، وكنت أريد طفلين، وقد حصلت عليهما. ولذلك، قلت لنفسي مرة أخرى، من الآن فصاعداً، ربما أقلّل بعض الشيء من أعمالي الفنية. ولكنّني لم أقلل منها فحسب، وإنّما توقفت عن العمل تماماً بكل بساطة. ليس لأنّني لا أحب العمل، بل لأنّني كنت أريد معرفة المزيد عن الحياة الأسرية، ولأنني كنت تقريباً أعيش في الاستوديو قبلها. لقد فاجأت نفسي فعلاً بقولي: «من الأفضل لك يا صوفيا أن تتوقفي تماماً عن العمل الآن وتواصلين العمل في وقت لاحق». من ثمّ توقفت فعلاً عن أداء الأدوار السينمائية لفترة طويلة من الزمن، ولكنّني كنت في غاية السعادة لأنّني كنت أراقب طفليّ يكبران، ويتزوجان، وينجبان الأطفال. (لقد فارق زوجها كارلو بونتي الحياة عن عمر ناهز 50 سنة في عام 2007).
> ما نوع النصوص الفنية التي تصل إليك في الآونة الراهنة؟
- يصل إلي العديد من النصوص في الوقت الحالي، ولكن لم أشعر بأيّ منها مثلما شعرت بسيناريو فيلم «الحياة المقبلة». وهذا هو سبب الابتعاد عن العمل في السينما طوال السنوات العشر الماضية. فلقد كنت أريد العثور على دور يمنحني الإلهام والتّحدي الحقيقيين. ولقد وجدتهما في شخصية مدام روزا، وليس بسبب مشاعرها المختلفة فحسب، والمتضاربة أحياناً، وإنّما لأنّها تمثل رسالة التسامح، والمحبة، والاندماج التي يعرب عنها الفيلم.
> أحياناً ما تصفين نفسك بالباحثة عن الكمال، وبما أنّ فيلم «الحياة المقبلة» هو العمل الثالث مع ولدك المخرج إدواردو؛ فهل من السهل أن تأخذي التوجيهات أثناء العمل من ولدك الصغير؟
- إنني باحثة حقاً عن الكمال، وإدواردو كذلك. إنّه يمنحني الأمان أثناء العمل. وهو لا يستسلم أبداً حتى أقدم له أفضل ما عندي تماماً. ولا يقبل بأي شيء أقل من ذلك على الإطلاق، ويعرف تماماً الأزرار التي ينبغي الضغط عليها للخروج بشيء حقيقي من داخلي. وعندما أجده يقول «هذا هو»، بعد تصوير مشهد معين، أعلم أنّ أدائي كان بالضبط ما كان ينتظره مني. إنّه شعور رائع بالنسبة للممثلة، لأنّني أكون حينها متأكدة تماماً ممّا أفعله أمام الكاميرا.
> ما الذي تعلمته من المخرجين الكبار أمثال فيتوريو دي سيكا؟
- علمني المخرج دي سيكا أن ألتزم الصدق التام مع نفسي، وأن أتتبع خطى غرائزي، وليس الاتجاهات العامة من حولي. وهذا ممّا يسهل قوله عن فعله تماماً، ولكنّه من الأهمية بمكان. لقد كنت أبلغ 17 سنة، عندما التقيت مع المخرج دي سيكا للمرة الأولى. عندما قابلته، كان أكبر مخرج في العالم وقتذاك. ولقد طلب رؤيتي بنفسه، وقال: «أوه، أنت من نابولي، لي شيء خاص بك»، وكانت بداية مسيرتي السينمائية معه.
> ما مدى أهمية العمل مع المخرجين الذين تربطك بهم علاقات شخصية، سواء في الحياة الواقعية أو من خلال مشاهدة أفلامهم؟
- حسناً، لم يكن ذلك ممكناً عندما بدأت بالعمل السينمائي في الولايات المتحدة. فالعمل مع الممثلين الأميركيين الكبار كان بمثابة مدرسة رائعة لأتعلّم منها بنفسي، ولكنّها كانت تجربة أجنبية بالنسبة لي تماماً. لقد عملت مع كاري غرانت، وفرانك سيناترا، وكان عمري 22 سنة فقط. وفي ذلك الوقت، رأيت الفرص التي سنحت من خلال العمل باللغة الإنجليزية، حتى وإن كانت إنجليزية ركيكة، لأنها لم تكن لغتي الأم كما تعلمون. ولكن صوت الحديث، والموسيقى المصاحبة كانت غالية على قلبي كثيراً، ولقد تعلمت الإنجليزية على الفور لأجل ذلك. وقضيت وقتاً رائعاً للغاية عندما مثلت في الأفلام الأميركية للمرة الأولى، ومن بينها أفلام: «ديزاير أندر ذا إيلمس»، و«هاوس بوت» - معذرة لأنّني لا أستطيع تذكر جميع الأفلام.
> والآن؟
- لا بد للدور السينمائي أن يكون شخصياً قدر الإمكان، لأنّ الممثل يبذل قصارى جهده عندما يشعر بأن الدور يجري في دمائك.
> هل تتابعين الأفلام أو البرامج التلفزيونية المعاصرة؟
- أشاهد الأخبار، ولكنني أحب كثيراً مشاهدة مسلسل «ذي كراون».
> تصفين في مذكراتك «الأمس واليوم وغداً» مسيرتك الفنية بأنّها عبارة عن «موسم رائع من السينما الإيطالية التي تشرفت أيما شرف بالعمل فيها وتجربتها بصورة مباشرة»... هل تهتمين بالأفلام والممثلين الإيطاليين المعاصرين بنفس القدر من الشغف القديم؟
- لا أشاهد كثيراً من الأفلام أو المسلسلات حالياً، ولكن يجب أن أقول إنّه تستهويني مشاهدة أعمال ماتيو غاروني وباولو سورينتينو، وكلاهما ترجع أصوله إلى موطني في نابولي!
> هل تعتبرين نفسك من الشخصيات المتدينة أم الروحانية؟
- أنا كذلك بكل تأكيد، ولكنّني قلما أزور الكنيسة، ولكن أؤمن بالله فعلاً، وأواصل الصلاة داخل المنزل.
> هل تعد الشيخوخة من بواعث القلق بالنسبة إليك؟
- إن تقبلت عملية الشيخوخة كما هي، وواصلت حياتك في الزمن الحاضر، فسوف تتقدم في العمر بكل سلاسة وأمان.
> قلتِ من قبل إنك من المعجبات بالفنان دانيال داي لويس، الذي رافقك البطولة في فيلم «ناين»... أما وقد تقاعد عن العمل الفني الآن، من الممثل أو الممثلة المفضل لديكِ في الزمن الحاضر؟
- لا أزال أحب دانيال كثيراً، بصرف النظر تماماً إذا كان يواصل العمل أم لا. إنّه فنان عظيم ومثير للإعجاب على الدوام. كما أحب أيضاً الممثلة ميريل ستريب كثيراً، إنها عظيمة.
> ما النصيحة التي تودين تقديمها لممثلة شابة في مقتبل حياتها الفنية؟
- ليس هناك ما يمكن قوله. إذا قرّرت أن تكوني ممثلة، لأنّه أمر تحبينه كثيراً، فلا بدّ عندئذ أن تفعلي ما يمليه عليك عقلك، وأن تضعي نفسك في الموقف الذي لا تفكرين في أي شيء آخر في حياتك، سوى أن تكوني ممثلة. وعندها، ستقررين ما إذا كنت تريدين الزواج من عدمه. الحياة لا يمكن أن تدور حول محور واحد أبداً، بل إنّها عبارة عن كثير من الأشياء في الوقت نفسه، وفي بعض الأحيان تكون الحياة هي كل الأشياء في آن واحد.
> هل تحبين مشاهدة أفلامك؟
- أميل دوماً إلى انتقاد ذاتي والحكم عليها بمنتهى القسوة، ولذلك فمن الأفضل ألّا أعاود مشاهدتها على الفور. وفي بعض الأحيان أفعل ذلك من باب الفضول ليس أكثر، إذا كان أحد أفلامي معروضاً على التلفاز، أو ربما أحب المشاهدة رفقة أطفالي وأحفادي، ربما لأنّهم لم يتمكنوا من مشاهدة أفلامي منذ فترة طويلة من الزمن. وفي أحيان أخرى، تمرّ سنوات كثيرة لدرجة أنّ معاودة مشاهدة أفلامي تكون بمثابة إعادة اكتشاف شخصية مختلفة تماماً عن صوفيا التي أعرفها. إنّها تجربة رائعة للغاية، وأحبها كثيراً.
> هل هناك من أعمال فنية تشعرين حيالها بفخر خاص؟
-دوري في فيلم «امرأتان»، يعني لي الكثير. وكذلك الدور الذي قمت به في فيلم «سبيشيال داي». وكل ذلك يتوقف على قصة الفيلم، وعلى أعمال المخرجين الكبار من أمثال دي سيكا. لقد أحببت العمل معه كثيراً، وأيضاً تلك الأفلام التي مثلت فيها مع المخرج الإيطالي الكبير مارسيللو ماستروياني.
> هل ترغبين حقاً في الاستمرار بالتمثيل؟
- إن كنت أحب التمثيل فما الداعي للتوقف عن العمل!
- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

يوميات الشرق المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا.

انتصار دردير (جدة)
يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».