إنها «دبلوماسية اللقاحات» التي برزت من خلال افتتاح النسخة الثالثة لـ«منتدى باريس حول السلام» الذي تستضيفه العاصمة الفرنسية ليومين، ولكن هذه المرة افتراضياً في قسمه الأكبر بسبب تفشي وباء «كوفيد - 19». فبعكس السنتين الماضيتين، لم يحضر إلى «قصر الإليزيه» سوى القليل من القادة الدوليين في ظل غياب الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وحضور متدنٍّ للصين. ومن الذين حضروا، رئيس المجلس الأوروبي والرئيس السنغالي ومديرة عام «صندوق النقد الدولي» ومليندا غايتس، عن «مؤسسة غايتس الخيرية». وبالمقابل، شارك أمين عام الأمم المتحدة والمستشارة الألمانية ورئيسة المفوضية الأوروبية والمستشارة الألمانية ورئيس الحكومة الكندية ونظيره الإسباني ومدير عام منظمة الصحة العالمية والعديد من المسؤولين في الافتتاح بكلمات نُقِلت عن بعد. وبالتوازي، عمدت الهيئة المنظمة للمنتدى إلى إيجاد منصة إلكترونية للتواصل يشارك فيها المئات من الأشخاص أكانوا من الحكوميين أو من الصناديق الدولية والمنظمات غير الحكومية والجمعيات المدنية والمؤسسات الأكاديمية من مختلف أنحاء العالم. وبعكس ما كان يراد للمنتدى أن يوفر منصة للتشاور في شؤون العالم والإدارة متعددة الأقطاب، فإن وباء «كورونا» يسيطر على المناقشات ومحورها الرئيسي كيفية تخطي الوباء من جهة، وتوفير الأموال من أجل مساعدة البلدان الفقيرة للحصول على اللقاحات، وذلك من خلال صندوق خاص أطلق الربيع الماضي من جهة أخرى.
والهدف في المرحلة الأولى، جمع ما لا يقل عن 500 مليون دولار لشراء 100 مليون لقاح للبلدان الفقيرة، خصوصاً الأفريقية منها، انطلاقا من مبدأين: الأول، أن هذه البلدان غير قادرة مالياً على توفير المبالغ اللازمة لشراء اللقاحات الضرورية إذا كانت كلفة اللقاح، بحسب شركة «فايزر» الأميركية للأدوية، ستكون بنحو 20 دولاراً للقاح الواحد، علماً بأن التنافس على الحصول عليها سيكون على أشده، وستكون الأفضلية للبلدان التي ساهمت مالياً في تطويره أو اشترت مسبقاً الملايين من اللقاحات كالولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي. والمبدأ الثاني أنه سيكون من العبث توقع السيطرة على الوباء عالمياً إذا بقيت مناطق واسعة في العالم مثل القارة الأفريقية محرومة من اللقاحات. يضاف إلى ذلك، مبدأ ثالث قوامه أن إعادة إطلاق الدورة الاقتصادية العالمية يفترض، قبل أي شيء، السيطرة على الوباء التي لن تحصل إلا عبر توفير اللقاحات أو العقاقير، الأمر الذي لم يتحقق حتى اليوم.
انطلاقا من هذا التشخيص، فإن الكلمات الافتتاحية ركزت على ضرورة توفير الوصول العالمي إلى اللقاحات والعقاقير المنتظرة. وقال الرئيس إيمانويل ماكرون (وكان أول المتكلمين): «إننا لن ننجح في السيطرة على الفيروس بالتخلي عن جزء من البشرية». وذهب جوستان ترودو، رئيس الوزراء الكندي في الاتجاه نفسه بالتشديد على أنه «يتعين على الأسرة الدولية أن تتأكد من الوصول إلى اللقاحات بشكل عادل ومتساوٍ للجميع» الأمر الذي يتطلب، بحسب الرئيس السنغالي ماكي سال، «توافر التضامن بين الدول لمواجهة الوباء الذي يضرب الجميع». ورأت الأمينة العامة لمنظمة الفرنكوفونية لويز موشيكيوابا أنه «في ظل السباق على الهيمنة على اللقاحات، أضمّ صوتي إلى من يدعو إلى اعتبار اللقاح منفعة عامة».
بيد أن مشاركين في المنتدى أعربوا عن تخوفهم من أن الهدف الذي يرنو إليه الجميع «سيكون صعب التحقيق»، وأنها «لن تكون المرة الأولى التي نشهد فيها غياب المساواة بين القارات البلدان لا بل داخل القارة الواحدة والبلد الواحد». وفي هذا السياق، أعلن الفرنسي باسكال لامي، مدير المنتدى، أنه «بحلول الصيف المقبل، سيكون العالم منقسماً إلى شطرين؛ بين شمال (البلدان المتقدمة والغنية) ستتوافر له اللقاحات بسهولة وبقية العالم، وهذا أمر لا يمكن تقبله». وبحسب المسؤول المشار إليه، فإن هناك «حاجة لعشرين مليار يورو (للتغلب على هذا الوضع وتحقيق المساواة)، وهذا المبلغ يبدو هزيلاً إزاء مشتريات السلاح التي تصل سنوياً إلى 2000 مليار يورو».
هدف متواضع
في زمن «كورونا»، وتباطؤ الاقتصاد، تتراجع المساهمات المالية بسبب الحاجات الداخلية لكل دولة. ورغم هذا الواقع، فمن المنتظر أن يحقق منتدى باريس هدفه «المتواضع» بجمع 500 مليون دولار في الصندوق المشترك الذي سيكون غرضه شراء الاختبارات واللقاحات وتوزيعها. ونشر منظمو المؤتمر صباح أمس بياناً جاء فيه أن فرنسا ستوفر 100 مليون يورو والمفوضية الأوروبية مبلغاً موازياً بينما ستتبرع إسبانيا بخمسين. أما بريطانيا، فقد وعدت بدفع جنيه إسترليني مقابل كل أربعة دولارات يتم جمعها. كذلك كان ينتظر أن تتبرع «مؤسسة بيل ومليندا غايتس» بمبلغ قيمته 70 مليون دولار للصندوق المشترك الذي تديره «منظمة الصحة العالمية» و«صندوق النقد الدولي». بيد أن هذا المبلغ يبقى بعيداً جداً عما تريده المنظمة المذكورة التي أعلن الرئيس الأميركي خروجه منها بعد أن اتهمها بمحاباة الصين والتقليل من مسؤوليتها في نشر الوباء. ولن تعلن بكين عن مساهمات في الصندوق المشترك، لأنها قررت مساعدة البلدان الأفريقية وغير الأفريقية «مباشرة» بتقديم اللقاحات التي تعمل مختبراتها على إنتاجها. ووعدت الصين ستين بلداً بمدها باللقاحات ومن غير المرور بـ«منظمة الصحة الدولية». وفي تقدير المنظمة الدولية، فإن الحاجات الإجمالية للسيطرة على الوباء في العالم أجمع تتطلب برنامجاً طموحاً تصل كلفته الإجمالية إلى 38 مليار دولار، وأن الوعود التي حصلت عليها من الجدول والمؤسسات والصناديق لا تزيد على 7 في المائة من المبالغ المطلوبة أي أقل من 3 مليارات دولار. ويأمل المشاركون في منتدى باريس أن يكون نجاح جو بادين في الانتخابات الرئاسية الأميركية عاملاً مساعداً على تزخيم الجهود الدولية لأن الرئيس المنتخب وعد بإعادة النظر بانسحاب بلاده من المنظمة الدولية.
«كوفيد ـ 19» يفرض نفسه على «باريس حول السلام»
وعود بتوفير 500 مليون دولار لمساعدة القارة الأفريقية للحصول على اللقاحات
«كوفيد ـ 19» يفرض نفسه على «باريس حول السلام»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة