موسكو تعمل لإنجاح مؤتمر اللاجئين رغم مقاطعة دولية واسعة

ألماني يقيم دعوى في برلين ضد الاستخبارات العسكرية السورية

طفلان نازحان يلعبان على بقايا آثار رومانية شمال غربي سوريا (أ.ف.ب)
طفلان نازحان يلعبان على بقايا آثار رومانية شمال غربي سوريا (أ.ف.ب)
TT

موسكو تعمل لإنجاح مؤتمر اللاجئين رغم مقاطعة دولية واسعة

طفلان نازحان يلعبان على بقايا آثار رومانية شمال غربي سوريا (أ.ف.ب)
طفلان نازحان يلعبان على بقايا آثار رومانية شمال غربي سوريا (أ.ف.ب)

ينطلق اليوم المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين السوريين في قصر المؤتمرات في دمشق، وسط حضور روسي واسع، تقابله مقاطعة الجزء الأكبر من الأطراف الدولية والإقليمية. ومهدت موسكو لحضورها بوصول وفد بارز إلى لبنان أمس؛ حيث يُجري حوارات مع المسؤولين اللبنانيين قبل الانتقال إلى دمشق.
وبات معلوماً أن روسيا ستكون ممثلة بعدد واسع من المؤسسات المختصة في مجالات عدة، وفضلاً عن الحضور الأبرز لوزارتي الخارجية والدفاع، ينتظر كما أعلن الكرملين سابقاً أن يشمل الوفد الروسي ممثلين عن 35 مؤسسة روسية، معنية بالانخراط في الملفات المختلفة المتعلقة بموضوع عودة اللاجئين. ومع مشاركة المبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافنرتييف، ينتظر أن يلقي وزير الخارجية سيرغي لافروف كلمة أمام المؤتمر عبر تقنية الفيديو كونفرانس.
وتتضمن أعمال المؤتمر الذي يستمر يومين عدة جلسات، تتناول الوضع الحالي في سوريا وظروف عودة المهجرين وعوائق عودتهم، إضافة إلى خلق الظروف المناسبة لعودتهم. كما يناقش المؤتمر المساعدات الإنسانية واستعادة البنى التحتية والتعاون بين المنظمات العلمية والتعليمية وإعادة إعمار البنية التحتية للطاقة في سوريا في مرحلة ما بعد الحرب، ويختتم بجلسة ختامية وبيان ختامي.
وكان معاون وزير الخارجية والمغتربين، أيمن سوسان، أكد أمس أنه تم توجيه الدعوة إلى كل البلدان للمشاركة في المؤتمر، باستثناء تركيا، على اعتبار أنه «لا يمكن تأمل أي أمر إيجابي من قبل نظام إردوغان الداعم الأول للتنظيمات الإرهابية في سوريا»، مبيناً أن بعض الدول تعرضت لضغوطات لثنيها عن المشاركة في المؤتمر.
وأشار سوسان إلى أن الصين وروسيا وإيران ولبنان ودولة الإمارات وباكستان وسلطنة عمان من بين الدول المشاركة في المؤتمر، فيما تشارك الأمم المتحدة بصفة مراقب.
علماً بأن الرئيس فلاديمير بوتين كان تحدث أول من أمس، عن مشاركة منظمة الصليب الأحمر الدولي، لكنه لم يشر إلى احتمال حضور ممثل عن الأمين العام للأمم المتحدة. وقال سوسان إن دمشق «راضية عن حجم المشاركة، والدول الحاضرة مهمة جداً على الساحة الدولية».
وكشف معاون وزير الخارجية السوري أن «عدداً من الدول صارحتنا بحجم الضغوط التي تعرضت إليها لعدم المشاركة في هذا المؤتمر، والدولة السورية ستبذل كل الجهود لعودة المهجرين، ويجب رفع العقوبات أحادية الجانب لتهيئة الأجواء لعودة المهجرين وإعادة الإعمار».
وكانت الحكومة اللبنانية أعلنت أن وزير الشؤون الاجتماعية رمزي مشرقية سيمثلها في المؤتمر. وفي حين لم تتضح مواقف أطراف إقليمية، فإن تركيا أعربت في محادثات سابقة مع الجانب الروسي عن استياء بسبب تجاهل موسكو التشاور مع أنقرة قبل الإعلان عن مبادرة تنظيم المؤتمر.
وأطلع علي أصغر خاجي كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني الرئيس بشار الأسد أمس على «رؤية إيران لهذا المؤتمر واستعدادها لتقديم أي دعم من الممكن أن يساهم في إنجاح المؤتمر وحل هذا الملف الإنساني»، مؤكداً على أن «تحسن الأوضاع الأمنية على الأراضي السورية بشكل كبير والجهود الحثيثة التي تبذلها الحكومة السورية من أجل إعادة إعمار كل ما خربه الإرهاب يشكل أساساً قوياً للانطلاق نحو إعادة كل اللاجئين السوريين وإنهاء المعاناة التي يعيشها معظمهم في دول اللجوء».
كما جرى خلال اللقاء تبادل للآراء حول عدد من المواضيع ذات الشأن السياسي، ومنها محادثات أستانة حول سوريا ولجنة مناقشة الدستور.
وتوالت أمس ردود الفعل الرافضة المشاركة في المؤتمر، وأعلنت كندا أنها لن تحضر الحدث الذي ترعاه روسيا حول عودة اللاجئين في دمشق، وأعلنت في بيان أنها «تدعم عودة اللاجئين الآمنة والطوعية والكريمة، لكن شروط مثل هذه العودة في سوريا غير موجودة».
وهو موقف جاء مماثلاً لموقف الاتحاد الأوروبي الذي تضمنه بيان للممثل الأعلى للاتحاد. وجاء فيه أن عدداً من وزراء خارجية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والممثل الأعلى تلقوا دعوات لحضور المؤتمر في دمشق، لكن «لن يحضر الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء هذا المؤتمر». وأكد البيان أن الاتحاد الأوروبي «يرى أن الأولوية في الوقت الحاضر هي اتخاذ إجراءات حقيقية لتهيئة الظروف الملائمة لعودة آمنة وطوعية وكريمة ومستدامة للاجئين والمشردين داخلياً إلى مناطقهم الأصلية، بما يتماشى مع القانون الدولي ومعايير الحماية من أجل عودة اللاجئين إلى البلاد، وذلك على النحو الصادر عن الأمم المتحدة في فبراير (شباط) 2018، مع تمتع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالوصول الكامل ودون عوائق إلى جميع أنحاء سوريا، ولذا فإن المؤتمر يعد أمراً سابقاً لأوانه». كما لفت إلى أنه «في حين أن قرار العودة يجب أن يكون دائماً قراراً فردياً، فإن الظروف داخل سوريا في الوقت الحالي لا تصلح لتشجيع العودة الطوعية على نطاق واسع في ظروف آمنة وكرامة بما يتماشى مع القانون الدولي».
وأفاد البيان الأوروبي بأن «عمليات العودة المحدودة التي جرت خلال الفترة الماضية كشفت عن كثير من العقبات والتهديدات التي لا يزال يواجهها المشردون داخلياً واللاجئون العائدون، ولا سيما التجنيد الإجباري والاحتجاز العشوائي والاختفاء القسري والتعذيب والعنف الجسدي والجنسي والتمييز في الحصول على السكن والأرض والممتلكات، فضلاً عن سوء الخدمات الأساسية أو عدم وجودها».
ومع تجديد الاتحاد الأوروبي التأكيد على أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 يحدد إطار العمل للوصول لحل سياسي شامل ومستدام للنزاع السوري، ومعالجة الأسباب الكامنة للنزاع وأزمة اللاجئين والنزوح الداخلي، دعا النظام ورعاته لـ«المشاركة الكاملة وبنية حسنة في عمل اللجنة الدستورية، وكذلك في جميع القضايا الأخرى المذكورة في قرار مجلس الأمن رقم 2254. ولا سيما إطلاق سراح المعتقلين».
ويكاد البيان الأوروبي يكون تكراراً حرفياً لبيان «المجموعة المصغرة» التي أعربت عن موقف مماثل قبل نحو أسبوعين في ختام لقاء وزاري جمع أطرافها.
وأعلنت الرابطة السورية لحقوق اللاجئين، الثلاثاء، رفضها القاطع لإقامة مؤتمر لعودة اللاجئين والنازحين السوريين، من المقرر أن تنطلق أعماله، اليوم (الأربعاء) في دمشق.
وقالت الرابطة، في بيان صحافي اليوم، تلقت وكالة الأنباء الألمانية نسخة منه: «نؤكد للعالم أن كل الدعوات التي تطرح هنا وهناك من أجل إقامة مؤتمر لعودة اللاجئين والنازحين السوريين هي دعوات مشبوهة الهدف منها إعطاء الشرعية لنظام الأسد الإرهابي».
وأشارت إلى أن «العودة الآمنة والكريمة والطوعية للاجئين السوريين يجب أن تكون مضمونة من قبل مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة، لأن الاعتقال هو أحد تحديات العودة، ويجب تحقيق الانتقال الديمقراطي بموجب قرار مجلس الأمن 2254». في هذا المجال، قرر ألماني كان مسجوناً في سوريا الإدلاء بشهادته حول تجربته في أحد «سجون التعذيب» في دمشق. وأعلن المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان الثلاثاء أن مارتن لاوتفاين انضم إلى الدعوى الجنائية ضد مسؤولين رفيعي المستوى في المخابرات العسكرية السورية، والتي أقامها 13 ناجياً من التعذيب في سوريا أمام المدعي العام الألماني. وقال لاوتفاين: «آمل أن تساعد شهادتي القضاء الألماني في تقديم جرائم حقوق الإنسان إلى العدالة». واعتقلت المخابرات العسكرية السورية لاوتفاين في عام 2018 بمدينة القامشلي؛ حيث كان يقدم مساعدات فنية وإنسانية، وجرى إطلاق سراحه لاحقاً بفضل جهود دبلوماسية.



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».