«قمة افتراضية» بين بوتين والأسد لدعم مؤتمر اللاجئين

الكرملين حسم موقفه رغم الشكوك في نجاحه

بوتين خلال اتصال بالفيديو مع الأسد أمس (أ.ف.ب)
بوتين خلال اتصال بالفيديو مع الأسد أمس (أ.ف.ب)
TT

«قمة افتراضية» بين بوتين والأسد لدعم مؤتمر اللاجئين

بوتين خلال اتصال بالفيديو مع الأسد أمس (أ.ف.ب)
بوتين خلال اتصال بالفيديو مع الأسد أمس (أ.ف.ب)

حسم الكرملين، أمس، الموقف حيال ترتيبات عقد مؤتمر اللاجئين السوريين في دمشق يومي الأربعاء والخميس، رغم الصعوبات التي واجهت فكرة تنظيم المؤتمر، والشكوك التي برزت لدى أوساط دبلوماسية روسية حيال فرص نجاحه.
وأجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين محادثات، عبر تقنية الفيديو كونفرانس، مع نظيره السوري بشار الأسد، أعلن خلالها أن بلاده سوف «تشارك بشكل واسع نشط» في أعمال المؤتمر، ورأى أنه يشكل مقدمة لترتيبات مرحلة «ما بعد الحرب» في سوريا.
وظهر بوتين والأسد في مقطع فيديو مدته 10 دقائق، بدا أنه الشق المفتوح من المحادثات، واستهل بوتين النقاش بالإشارة إلى أنه «تم القضاء على بؤرة الإرهاب الدولي في سوريا»، ما يمهد للقيام بخطوات مهمة على صعيد ضمان وحدة وسيادة سوريا، ودفع عملية التسوية السياسية فيها، وذلك في إطار تسهيل العودة الجماعية للاجئين السوريين من الخارج، والنازحين في داخل البلاد.
وقال بوتين إن العمل المشترك الذي قامت به روسيا مع إيران وتركيا، في إطار مجموعة آستانة، من أجل التسوية في سوريا «أثبت فاعليته»، وزاد أنه «تم القضاء عملياً على بؤرة الإرهاب الدولي في البلاد، ونواصل بذل جهود نشطة لدعم تسوية طويلة الأمد في سوريا، واستعادة سيادتها واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها»، وتابع أن انخفاض مستوى العنف في سوريا بشكل ملحوظ، وعودة الحياة تدريجياً إلى المجرى السلمي، يضعان أساساً لـ«تهيئة الظروف المناسبة للعودة الجماعية للاجئين». وشدد بوتين على ضرورة أن تسير عملية العودة «بطريقة طبيعية ودون إكراه»، وأنه «يجب على كل سوري أن يتخذ قراره بنفسه، بعد تلقى معلومات موثوقة حول الوضع في وطنه»، لافتاً إلى أن ذلك «مرهون بالخطوات التي تتخذونها أنتم (الأسد) والقيادة السورية لتنظيم الحياة السلمية».
وذكر بوتين أنه لا يزال هناك أكثر من 6.5 مليون لاجئ خارج سوريا، مشيراً إلى أن «الغالبية العظمى منهم قادرون على العمل، ويمكنهم -بل يجب عليهم- أن يشاركوا في عملية إعادة إعمار وطنهم». وقال إن إعادة اللاجئين «تنسجم مع مصالح سوريا وجيرانها الذين يتحملون أعباء كبيرة». وكان لافتاً أن بوتين حذر من أن كثيراً من فئات الشباب من اللاجئين «قد يقعون تحت تأثير الدعاية المتطرفة، ما يمكن أن يشكل خطراً على الدول المضيفة».
وأكد بوتين أن روسيا تؤيد عقد المؤتمر، لافتاً إلى أن «الوفد الروسي سيكون من أكبر الوفود مشاركة، وسوف ينضم إليه ممثلون عن 35 مؤسسة، سيقومون خلال وجودهم في دمشق بإجراء حوارات مع المؤسسات المعنية بالملفات المختلفة المتعلقة بهذا الموضوع».
ولوحظ أن بوتين تجاهل خلال حديثه المواقف المعارضة لعقد المؤتمر، من جانب «المجموعة المصغرة» التي تضم بلداناً وأطرافاً غربية وإقليمية وازنة. كما تجاهل عدم صدور أي تأكيد من جانب الأمم المتحدة على المشاركة في المؤتمر، لكنه اكتفى بإشارة إلى أن ممثلي منظمة الصليب الأحمر الدولي سيشاركون في أعماله.
وبدوره، أكد الأسد أن «معظم اللاجئين يرغبون بالعودة إلى سوريا بعدما قامت الدولة بتقديم عدد كبير من التسهيلات، بعض منها تشريعي، وبعض آخر يتعلق بالإجراءات من أجل عودتهم»، مشيراً إلى أن «العقبة الأكبر أمام عودتهم هي الحصار الغربي المفروض على سوريا».
وتزامن ذلك مع تأكيد السفير الروسي لدى سوريا، ألكسندر يفيموف، قناعته بفرص نجاح مؤتمر اللاجئين، حيث أشار إلى أنه يجري العمل في موسكو على وضع إجراءات جديدة للدعم المادي لسوريا.
وقال السفير، وهو مبعوث الرئيس الروسي الخاص لتعزيز العلاقات مع سوريا، إن ثمة «عدداً كافياً من الأطراف التي تتفق مع موسكو في مواقفها»، وأوضح أنه «في الوقت نفسه، يوجد هناك أيضاً من يحاول -منذ لحظة الإعلان عن خطط عقد المؤتمر- تعطيله أو تشويه سمعته بكل الطرق الممكنة».
وفي سياق آخر، أشار السفير الروسي لدى دمشق إلى أنه يجري التحضير «بشكل معمق دقيق لعقد الاجتماع الدوري الجديد للجنة المشتركة الروسية - السورية للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والفني في دمشق. كما يجري حالياً العمل في موسكو على وضع إجراءات مختلفة جديدة للدعم المادي لسوريا»، وأعرب عن أمله في أنه «سيتم اتخاذ قرار نهائي بهذا الشأن قريباً».
واللافت أن موقف الكرملين جاء رغم تحذير أوساط روسية بدت متشائمة حيال فرص نجاح المؤتمر، وأعربت عن قناعة بعدم توافر الظروف الملائمة حالياً لانعقاده.



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».