بغداد تصر على استكمال «الفاو الكبير» وتلوح بالخيار الصيني

الشركة الكورية المنفذة للميناء تطالب بمبالغ إضافية وتمديد فترة العقد

TT

بغداد تصر على استكمال «الفاو الكبير» وتلوح بالخيار الصيني

رغم المصاعب الاقتصادية التي تعاني منها السلطات العراقية منذ أشهر وعدم قدرتها على الإيفاء بالتزاماتها المالية في أوقاتها المحددة، خصوصاً فيما يتعلق بتوزيع رواتب الموظفين في القطاع العام، فإن ذلك لم يمنعها من إبداء قدر واضح من الاهتمام والإصرار على مواصلة جهودها لبناء مشروع «ميناء الفاو الكبير» في محافظة البصرة الجنوبية، الذي يعدّ المنفذ الوحيد والأهم للبلاد على مياه الخليج العربي ويتطلع العراقيون إلى إنجازه منذ سنوات طويلة لما يمثله من أمل في الازدهار، نظراً لإمكاناته الاقتصادية الواعدة للعراق، كما يقول خبراء المال والموانئ والتجارة.
وفي إطار سعيه للمضي قدماً في مواصلة العمل ببناء الميناء، قال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، خلال زيارته إلى البصرة الخميس الماضي: «يعد (ميناء الفاو) من أولويات الحكومة، رغم التحديات الكبيرة التي يمر بها البلد، إلا إننا سنعمل جاهدين للتوقيع مع الشركات الأجنبية لبدء العمل فيه». بيد أن رغبة الحكومة العراقية في الاستمرار بالبناء يبدو أنها لن تسير دون مشكلات معقدة قد تأخر عملية البناء والافتتاح المتوقع عام 2024. وخلال اليومين الأخيرين برزت واحدة من تلك المشكلات المتمثلة في رغبة شركة «دايو» الكورية المنفذة للمشروع في تغيير شروط التعاقد المتعلقة بالمبالغ المالية ومدة إنجاز العقد.
وحول ملابسات الخلاف مع الشركة الكورية، قالت وزارة النقل في بيان، أمس، إن «(دايو) نفذت بنجاح كاسر الأمواج الغربي للميناء، بناءً على ما تقدم؛ جرى التفاوض لمدة 3 أشهر من قبل وزارة النقل، وتم التوصل لاتفاق مبدئي لتنفيذ 5 مشاريع وبعمق حوض الرسو والقناة الملاحية بعمق 19.8 متر بمبلغ إجمالي قيمته ملياران و370 مليون دولار وبمدة تنفيذ تمتد إلى 3 سنوات». وأضافت: «بعد تعيين المدير الجديد لمشروع ميناء الفاو حضر الجانب الكوري المتمثل في شركة (دايو)؛ وعلى رأسهم معاون المدير القادم من سيول؛ إذ طالبت الشركة برفع سقف مبالغ التنفيذ من مليارين و370 مليون دولار، إلى مليارين و800 مليون فيما لو أرادت الوزارة الوصول لأعماق 19.8 متر».
وكان المدير التنفيذي لشركة «دايو» الكورية السابق، بارك شل هو، وجد منتحراً بمقر الشركة بالبصرة في 9 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وذكرت الوزارة في بيانها أن وزيرها ناصر الشبلي «رفض طلب الشركة وأعطاهم مهلة 3 أيام للعدول عن قرارهم والالتزام بالاتفاق المبدئي الأول». ونقلت وكالة الأنباء العراقية، أمس، عن الوزير الشبلي قوله: «الوزارة مستمرة بالتفاوض مع شركة (دايو) الكورية بخصوص ميناء الفاو الكبير، والشركة لديها عقدان في ميناء الفاو ينتهيان في عام 2021». وأشار إلى أن شركة «(دايو) لديها استثناء من الأمانة العامة لمجلس الوزراء بإحالة مشروع ميناء الفاو عليها بشكل مباشر، والعمل الذي قدمته كان ممتازاً». ولمح الشبلي إلى إمكانية الاستعانة بشركات صينية في حال عدم التوصل لاتفاق مع الشركة الكورية، وذكر أن «هناك شركات متعددة؛ من بينها صينية متعددة، قدمت خدماتها».
وعقدت لجنة الإعمار والخدمات في البرلمان، أمس، اجتماعاً بحضور وزير النقل ناصر الشبلي لمناقشة المشكلات التي طرأت مؤخراً مع الشركة الكورية المنفذة لمشروع الميناء. وقال عضو اللجنة برهان المعموري في تصريحات: «جلسة الاستضافة جرى خلالها التباحث حول أهم النقاط التي أثارت لغطاً كبيراً، وأثارت شبهات كثيرة؛ ومن أهمها التلاعب بالمواصفات الفنية التي وضعها المستشار الإيطالي». وأضاف أن «الإدارة الجديدة للشركة الكورية المنفذة للمشروع التي جاءت بعد وفاة المدير السابق طلبت تقليل الأعماق تدريجياً وتمديد مدة إنجاز العمل فضلاً عن زيادة المبلغ المتفق عليه، لكن الجانب العراقي يشدد على أهمية الالتزام بالمواصفات الفنية، خصوصاً فيما يتعلق بالأعماق».
وكانت المرحلة الأولى لبناء «مشروع الفاو الكبير» انطلقت أوائل عام 2012، لكن أسباباً تتعلق بالتمويل وطبيعة التربة الرملية التي شيد عليها الميناء وصعوبة العمل، أخرت إنجاز كثير من مراحل المشروع، ثم جاءت بعدها الحرب ضد «داعش» عام 2014، ليتأخر العمل أكثر. ويؤكد المسؤولون أن الانطلاقة الحقيقية للبناء بدأت عام 2019، ويتوقع أن تستمر 4 سنوات.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.