عدم «الانسحاب المتزامن» من سرت يهدد تفاهمات جنيف وغدامس

داخلية «الحكومة المؤقتة» تدعو القاهرة لمشاركتها في «أي اتفاقات» تبرمها مع «الوفاق»

مباحثات طرفي النزاع الليبي في مدينة غدامس التي نصت على الانسحاب من سرت (أ.ف.ب)
مباحثات طرفي النزاع الليبي في مدينة غدامس التي نصت على الانسحاب من سرت (أ.ف.ب)
TT

عدم «الانسحاب المتزامن» من سرت يهدد تفاهمات جنيف وغدامس

مباحثات طرفي النزاع الليبي في مدينة غدامس التي نصت على الانسحاب من سرت (أ.ف.ب)
مباحثات طرفي النزاع الليبي في مدينة غدامس التي نصت على الانسحاب من سرت (أ.ف.ب)

بدا أن انعدام الثقة المتبادل بين قوات «الجيش الوطني» الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، وقوات حكومة «الوفاق» برئاسة فائز السراج، حول إمكانية تنفيذ انسحاب متزامن للطرفين من منطقتي سرت والجفرة، سيهدد تفاهماتهما العسكرية الأخيرة في جنيف وغدامس على التوالي، وفي غضون ذلك، استبقت وزارة الداخلية في الحكومة الموازية بشرق ليبيا أي اتفاقيات أمنية، قد تبرمها القاهرة مع نظيرتها بحكومة «الوفاق» بالتأكيد على أنها «لن تلتزم بها ما لم تكن طرفاً فيها».
وعلى الرغم من أن العميد إبراهيم بيت المال، آمر غرفة عمليات سرت والجفرة التابعة لقوات حكومة «الوفاق»، جدد التأكيد في بيان له مساء أول من أمس، على «التمسك بالحلول السياسية والحوارات التي يخوضها زملاؤنا العسكريون الشرفاء»، فإنه ربط الترحيب بنتائج لجنة «العشرة» العسكرية ببعض الشروط، التي قال إنه «لا يمكن التنازل عنها، وأولها خروج (الفاغنر) و(الجنجاويد) من الأراضي الليبية، ورجوع باقي القوات من حيث أتت».
في المقابل، رد «الجيش الوطني» عبر مسؤول توجيهه المعنوي، اللواء خالد المحجوب، بنفي تقارير غير رسمية ومعلومات متداولة بشأن انسحاب قواته من محاور سرت، وعودتها إلى أماكنها السابقة، وأكد في تصريحات صحافية «أنه يجب على العكس من ذلك انسحاب المرتزقة، والقوات الأجنبية من ليبيا».
فيما قال مسؤول آخر بـ«الجيش الوطني» إن المشير حفتر «لن يصدر تعليماته لقواته بالانسحاب إلا بعد الاطمئنان إلى تنفيذ قوات (الوفاق) التزاماتها في اتفاقي اللجنة العسكرية المشتركة، والبدء في سحب عناصرها من محيط منطقتي سرت والجفرة»، لافتاً إلى أن الجيش أيضاً «ينتظر تأكيدات البعثة الأممية ووفد قوات (الوفاق) بانسحاب مشابه للعناصر العسكرية التركية، والمرتزقة الموالين لأنقرة من محاور القتال».
وفي رد فعل على زيارة فتحي باشاغا، وزير الداخلية بحكومة «الوفاق» إلى القاهرة، استبقت وزارة الداخلية في حكومة شرق ليبيا أي تحركات مصرية على خلفية هذه الزيارة، وقالت إنها «لن تلتزم بأي اتفاقات أمنية مع الجانب المصري، ما لم تكن طرفاً فيها».
وقالت وكالة «الأنباء الليبية» إن وزير الخارجية بالحكومة عبد الهادي الحويج نقل إلى نظيره المصري سامح شكري، فحوى رسالة من المستشار إبراهيم بوشناف، وزير الداخلية بالحكومة الموازية، تعقيباً على زيارة باشاغا، أعرب فيها عن أمله في تفهم الحكومة المصرية بأن المنافذ البرية بين البلدين خاضعة لسيطرة حكومته المنبثقة عن البرلمان.
وذهب بوشناف وفقاً للوكالة إلى أن وزارته «لن تتحمل أي مسؤولية أمنية ما لم تكن طرفاً فيها، باعتبارها الجهة المسؤولة عن المنافذ بين البلدين الشقيقين».
بدورها، أكدت رئيسة بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا بالإنابة، ستيفاني ويليامز، وصول كل المشاركين في منتدى الحوار السياسي بتونس، وقالت في تصريحات تلفزيونية لها مساء أول من أمس، إنه سيكون على المشاركين فيه «اتخاذ قرارات ذات أهمية حيوية للأمة، ومستقبلها في الأيام المقبلة».
في غضون ذلك، لمحت السفارة الأميركية لدى ليبيا إلى أنها تخطط للعودة لاستئناف عملها من العاصمة طرابلس، معلنة في بيان لها مساء أول من أمس، أنها تستكشف إمكانية الحصول على عقار جديد لها طرابلس، تزامناً مع الاستعداد لانطلاق منتدى الحوار السياسي الليبي في تونس، الذي شدّدت بخصوصه على «الاحترام الأميركي الكبير لليبيين الوطنيين المشاركين فيه، لوضع اللمسات الأخيرة على خريطة طريق، تُفضي إلى انتخابات وطنية، سيسهم نجاحها بشكل كبير في إحلال السلام، واستتباب الأمن في ليبيا».
وبحسب البيان، فقد أبلغ ريتشارد نورلاند، السفير الأميركي لدى ليبيا، محمد سيالة وزير الخارجية بحكومة «الوفاق»، عزم السفارة الأميركية بدء مشاورات رسمية مع السلطات الليبية حول العملية المطولة لتأمين عقارات في طرابلس لتسهيل الارتباطات الدبلوماسية الأميركية في ليبيا على المدى الطويل.
ومع أنه استبعد فتح السفارة في وقت قريب بقوله: «إننا بعيدون جداً عن أن نكون قادرين فعلياً على فتح السفارة»، إلا أنّه اعتبر في المقابل أن «احتمالية التقدم نحو الاستقرار السياسي تتيح الفرصة للبدء في استكشاف الخطوات الإجرائية، والمفاوضات الثنائية المطلوبة لبدء هذه العملية».
ورحب السفير الأميركي بما وصفه بالالتزام المتواصل للمؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا بالشفافية، بعد أن أعلنت أمس أنها تمكنت من رفع معدلات الإنتاج إلى أكثر من مليون برميل نفط في اليوم.
وبعدما لفتت إلى أنها «تواجه صعوبات مالية جمّة، وشح كبير في ميزانياتها، أدى لتراكم الديون على شركات القطاع وتأخر كبير لمرتبات شركاتها الخدمية»، أكدت المؤسسة أنها «ربما لن تكون قادرة على المحافظة على مستويات الإنتاج الحالية، بل من الممكن انخفاضه أو إيقافه بالكامل في ظل تلكؤ بعض الجهات، وعرقلتها لجهود المؤسسة لزيادة الإنتاج والنهوض باقتصاد الوطن من جديد».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».