حملتا ترمب وبايدن تستعدان لخوض معارك قانونية في 3 ولايات

مخاوف من التشكيك في نتائج بنسلفانيا وميشيغان وويسكنسن

ناخبون يدعون إلى «حساب كل صوت» خارج مكتب اقتراع في نيويورك في 24 أكتوبر (رويترز)
ناخبون يدعون إلى «حساب كل صوت» خارج مكتب اقتراع في نيويورك في 24 أكتوبر (رويترز)
TT

حملتا ترمب وبايدن تستعدان لخوض معارك قانونية في 3 ولايات

ناخبون يدعون إلى «حساب كل صوت» خارج مكتب اقتراع في نيويورك في 24 أكتوبر (رويترز)
ناخبون يدعون إلى «حساب كل صوت» خارج مكتب اقتراع في نيويورك في 24 أكتوبر (رويترز)

قبل يومين من الاقتراع الرئاسي، يستعد الديمقراطيون والجمهوريون وجماعات حقوق التصويت لخوض معارك قانونية في ولايات بنسلفانيا وميشيغان وويسكنسن المتنازع عليها بشدة، حيث يمكن أن يؤدي فرز الأصوات الغيابية المتأخرة إلى التشكيك في النتائج ونقل الخلاف إلى المحاكم. وتتسلح حملتا الرئيس الجمهوري دونالد ترمب وخصمه الديمقراطي جو بايدن بخبراء قانونيين ومحامين في هذه الولايات الثلاث، التي حقق فيها الرئيس ترمب فوزاً حاسماً عام 2016، قد يكون صعب المنال أمام بايدن.
وتشكل كل من بنسلفانيا وميشيغان وويسكنسن تحديات خاصة بسبب قواعد فرز الأصوات، حيث لم يبدأ أي منهم بعد في فرز ملايين بطاقات الاقتراع عبر البريد، كما فعلت ولايات أخرى. ويقول مسؤولو الانتخابات في هذه الولايات إنهم قد يبلغون عن النتائج يوم الأربعاء وبعده. ويخشى خبراء القانون من احتمال إطالة فترة عدم اليقين بشأن الفائز في الانتخابات الرئاسية الأميركية، بما قد يؤدي إلى معارك قانونية. إضافة إلى ما تشهده هذه الولايات الثلاث من انقسامات بين حكام ديمقراطيين ومجالس تشريعية يسيطر عليها جمهوريين، مما يعزز احتمال المواجهة حول فرز الأصوات. وتلقت هذه الولايات الثلاث عدداً قياسياً من بطاقات الاقتراع عبر البريد، لكن القوانين في بنسلفانيا وويسكنسن تمنع المسؤولين من عدّها حتى يوم الانتخابات. وفي ميشيغان، يمكن لمسؤولي الانتخابات في الدوائر الأكبر عد وفرز بطاقات الاقتراع خلال نافذة مدتها 10 ساعات في 2 نوفمبر (تشرين الثاني).
وفي ولاية بنسلفانيا، بلغ عدد الناخبين الذين صوتوا عبر البريد أكثر من 3 ملايين، وتقوم مجموعات مناصرة لحق التصويت بمراقبة عمليات الاقتراع، واستعانت بنحو ألفي متطوع في 11 مقاطعة داخل الولاية خشية وقوع اشتباكات خلال عمليات الفرز. وفي ميشيغان، تطوع كبار المحامين الديمقراطيين والجمهوريين لمراقبة مراكز التصويت في جميع أنحاء الولاية، التي تمتلك أكثر أنظمة الانتخابات لامركزية. أما في ويسكنسن، فلدى الديمقراطيين والجمهوريين فرق تقاضٍ على أتم الاستعداد.
وفي الآونة الأخيرة، ظهرت ولاية مينيسوتا بدورها كميدان محتمل لمعركة قانونية بعد الانتخابات، وذلك بعد أن أشارت محكمة استئناف فيدرالية الخميس إلى أن تمديدها للموعد النهائي للتصويت عبر البريد أمر غير دستوري.
وفي إطار سعيه لتحقيق فوز حاسم في الولايات المتأرجحة، وتضييق الفجوة بينه وبين بايدن، عقد ترمب أمس خمسة تجمعات انتخابية مع مؤيديه في خمس ولايات هي ميشيغان وآيوا ونورث كارولينا وجورجيا وفلوريدا. ورغم أنه أقام مئات التجمّعات الانتخابية، لا يُظهر الرئيس الجمهوري البالغ 74 عاماً أي مؤشر تعب، ويستعد لتنظيم خمسة تجمّعات انتخابية أخرى اليوم في أربع ولايات. وهتف أنصار ترمب الذين تجمّعوا في أربع مدن في بنسيلفانيا السبت: «أربع سنوات إضافية، أربع سنوات إضافية». وكان قطب العقارات السابق فاز عام 2016 بفارق ضئيل على المرشحة الديمقراطية آنذاك هيلاري كلينتون، في هذا المعقل الصناعي السابق الذي قد يقرر مصير الانتخابات. وفي تجمع انتخابي صباح أمس في ميشيغان، ركز ترمب على رسالة التخويف مما سماه الإعلام المخرب وحركة «أنتيفا» و«اليسار الراديكالي»، ومن وصول الديمقراطيين والاشتراكيين إلى رئاسة الولايات المتحدة. وأكد الرئيس الجمهوري أن «موجة حمراء» ستجتاح الولايات المتحدة يوم الثلاثاء «لم تحدث من قبل في تاريخ الولايات المتحدة»، مشدداً أن هذه الانتخابات هي خيار بين الإغلاق الكامل للبلاد الذي يريده جو بايدن، وبين التوصل إلى لقاح لوباء «كورونا» وإنعاش الاقتصاد على يد إدارته.
وسخر ترمب من نائبة مجلس النواب عن ولاية منيسوتا إلهان عمر، واحتمال أن تكون مسؤولة عن الهجرة في إدارة بايدن. كما حذّر أنه في حال فوز بايدن، فإن الصين «ستسيطر على الولايات المتحدة»، وتفاخر ترمب بإنجازاته في القضاء على تنظيم «داعش» الإرهابي وقتل زعيمه، وبتحقيق السلام في الشرق الأوسط من خلال اتفاقات التطبيع بين إسرائيل ودول عربية.
وفي المعسكر الديمقراطي، يعقد جو بايدن تجمعاً انتخابياً في بنسلفانيا، ويركز فيه على حشد العمال وذوي الياقات الزرقاء لصالحه، كما تعقد كاملا هاريس تجمعات انتخابية في كل من نورث كارولينا وجورجيا. ويقول مسؤولو حملة بايدن إنهم يشعرون بـ«الاطمئنان» حول قدرتهم على تحقيق النصر والفوز بالانتخابات الرئاسية، لكن هذه الثقة لم تمنع بايدن والمرشحة لمنصب نائب الرئيس كمالا هاريس من عقد عدة تجمعات انتخابية خلال الساعات المتبقية على يوم الاقتراع. وتقول آنيتا دن، مسؤولة في حملة بايدن: «لن نترك أي شيء للصدفة، ونعمل بجد حتى لحظة إغلاق صناديق الاقتراع، وسنعمل على حشد الناخبين والحصول على كل صوت يمكننا الحصول عليه. ونشعر بالثقة بشأن وضعنا الحالي، وقدرتنا على الفوز».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟