عون والحريري يعتمدان «الكتمان» في مشاورات تشكيل الحكومة

TT

عون والحريري يعتمدان «الكتمان» في مشاورات تشكيل الحكومة

يعتمد رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري سياسة إنجاز مهمته بكتمان، وذلك بالتنسيق والتوافق مع رئيس الجمهورية ميشال عون، كما أن لقاءاته بالأخير تتسم بالسرية ولا يعلن عنها إلا بعد انتهائها.
وفيما اعتاد اللبنانيون على التسريبات الإعلامية التي تسبق عملية تأليف الحكومات، يعتمد المعنيون هذه المرة نهجا مختلفا تماما حتى أن مكتب الرئيس المكلف ورئاسة الجمهورية يقفان بالمرصاد لأي تسريبات وإن كانت صحيحة، عبر إصدار بيانات نفي وصلت إلى حد وصف مكتب رئاسة الجمهورية للمعلومات بالكاذبة. وهو ما لم يختلف كثيرا عن البيان الذي أصدره يوم أول من أمس مكتب الحريري، وتحديدا بعد تسريبات عن توزيع الوزارات على الطوائف والأحزاب.
وشدد بيان الحريري أن كل المعلومات بشأن تشكيل الحكومة لا تمت للحقيقة بصلة، وأكد مجددا أن الحريري وعون هما الوحيدان المطلعان على ملف التشكيل وهما ملتزمان عدم تسريب أي أخبار تتعلق بهذا الملف قبل وصول الأمور إلى خواتيمها، مجددا الحديث عن «أجواء تقدم في عملية التشكيل في ظل مناخات من التفاهم والإيجابية».
وبعدما حرصت رئاسة الجمهورية على اتباع اللغة الإيجابية في وصفها مشاورات الـتأليف، اختلفت اللهجة في بيانها الأخير لجهة اعتمادها مصطلح «التأني»، رغم ما كشفه رئيس البرلمان نبيه بري بأنه سيتم تشكيل الحكومة خلال أربعة أو خمسة أيام إذا بقيت الأجواء الإيجابية على حالها.
ولا تزال مصادر في الثنائي الشيعي (أمل وحزب الله) عند موقفها المتفائل لجهة قرب إعلان الحكومة، مشيرة لـ«الشرق الأوسط» إلى أن كلام بري جاء بناء على معطيات لديه، وهو الذي لا تنطبق عليه سياسة التكتم على غرار الأفرقاء المعنيين بالحكومة والذين يتواصل معهم الحريري بشكل دائم، كاشفة أن العقدة اليوم هي عند الحصة الدرزية بسبب تمسك رئيس «الحزب الديمقراطي» النائب طلال أرسلان بالحصول على وزارة رغم أنه لم يسم الحريري وشن حملة ضده.
في المقابل، تقول مصادر مقربة من رئاسة الجمهورية لـ«الشرق الأوسط» أن الهدف من الكتمان هو إنجاز تشكيل الحكومة بعيدا عن العرقلة والتشويش. وتوضح لـ«الشرق الأوسط» «في كل عملية تأليف للحكومة اعتدنا أن يصدر كلام من هنا وهناك يؤثر سلبا على مسار التشكيل ويستدعي سجالات سياسية، لذا اتفق عون والحريري هذه المرة أن لا يتكلما طالما هما يقومان بالمهمة سويا».
وفي الإطار نفسه، يقول القيادي في «تيار المستقبل» مصطفى علوش لـ«الشرق الأوسط» إنه لا مشكلة في سياسة التكتم المتبعة إنما تبقى العبرة في النتائج. ويعتبر أن السرية يفترض أن تكون إيجابية بانتظار أن يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود عند الانتهاء من تشكيل الحكومة.
ويحرص حزب «القوات اللبنانية»، على لسان مسؤول الإعلام شارل جبور عدم الحكم على الأمور قبل انتهائها ويقول لـ«الشرق الأوسط» الكتمان جيد وهذا أسلوب عمل لكننا لن نحكم على الأسلوب والتفاصيل بل على النتائج». ويضيف «لا نتعاطى مع التسريب إنما مع الوقائع بانتظار أن تبصر الحكومة النور ليحدد حينها التكتل موقفه من منح الثقة للحكومة أو حجبها عنها لأننا نعتبر أن أي حكومة مؤلفة من القوى السياسية لن تتمكن من القيام بشيء».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».