كيف استفاد اقتصاد كوريا الجنوبية من تجربة العمل من المنزل؟

أشخاص يرتدون أقنعة الوقاية يسيرون في إحدى الحدائق بالعاصمة سيول (أرشيفية - رويترز)
أشخاص يرتدون أقنعة الوقاية يسيرون في إحدى الحدائق بالعاصمة سيول (أرشيفية - رويترز)
TT

كيف استفاد اقتصاد كوريا الجنوبية من تجربة العمل من المنزل؟

أشخاص يرتدون أقنعة الوقاية يسيرون في إحدى الحدائق بالعاصمة سيول (أرشيفية - رويترز)
أشخاص يرتدون أقنعة الوقاية يسيرون في إحدى الحدائق بالعاصمة سيول (أرشيفية - رويترز)

تعد كوريا الجنوبية نقطة مضيئة في زمن جائحة فيروس «كورونا المستجد». فالصين، وهي جارتها وأكبر شريك تجاري لها، تقود التعافي العالمي، والعالم يريد بصورة متزايدة التكنولوجيا التي تبيعها كوريا الجنوبية.
أرقام الناتج المحلي الإجمالي لكوريا الجنوبية مشجعة. فالاقتصاد سجّل نمواً بمعدل 9.‏1% خلال الربع الثالث من العام الحالي مقارنةً بالربع الثاني من العام، حسب بيانات الحكومة الكورية الصادرة مؤخراً. في الوقت نفسه فإن إجمالي الناتج المحلي انكمش خلال الربع الثالث من العام الحالي بنسبة 1.3% مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي، وهي أرقام أفضل كثيراً من توقعات المحللين سواء من حيث معدل النمو ربع السنوي أو معدل الانكماش السنوي، حسب وكالة «بلومبرغ» للأنباء.
ويقول المحلل الاقتصادي دانيال موس، إن أرقام الاقتصاد الكوري الجنوبي هي ثاني أرقام تدعو للتفاؤل تَصدُر من شمال آسيا خلال أقل من أسبوع. فالأرقام الأخيرة تشير إلى أن الصين قد تكون القوة التجارية الكبرى في العالم الوحيدة التي تحقق نمواً اقتصادياً خلال العام الحالي. والآن يبدو أن كوريا الجنوبية ستمضي على خطى الصين وربما تايوان أيضاً.
والمعروف أن الاقتصاد الكوري الجنوبي يعتمد بشكل أساسي على التصدير. فالصادرات تمثل نحو 40% من إجمالي الناتج المحلي. وقد استفادت صناعات رقائق الذاكرة الإلكترونية والأجهزة الإلكترونية من التحول العالمي نحو العمل والدراسة من المنزل بسبب تفشي جائحة «كورونا». في المقابل فإن السلع التصديرية الأخرى لكوريا الجنوبية مثل الكيماويات والمنتجات المعدنية لم تحقق أداءً جيداً.
وحسب البيانات الرسمية سجّلت الصادرات الكورية الجنوبية خلال الربع الثالث من العام الحالي أكبر نمو لها منذ 1986، حيث زادت بنسبة 16% بفضل القفزة الهائلة في صادرات أشباه الموصلات والإلكترونيات وبخاصة إلى الصين والاقتصادات الكبرى في ظل التحول المتزايد نحو العمل والدراسة من المنزل.
ورغم أن هذا التباين يعني أن كوريا الجنوبية عُرضة للمخاطر الناجمة عن التمرد المنتظر على العمل المنزلي والفعاليات الافتراضية، فإن هذا الخطر ليس حتمياً. فحتى المراكز الدولية للخدمات المالية ذات الحكومة التنفيذية القوية مثل سنغافورة تتحرك ببطء نحو العودة إلى العمل من المكاتب.
فالعمل من المنزل سيظل واقعاً افتراضياً في مناطق كثيرة من العالم. في الوقت نفسه فإن الاقتصاد الكوري الجنوبي استفاد من استعداد الحكومة للتخلي عن عقود من ضبط الإنفاق العام. فقد أطلقت حكومة الرئيس مون جاي إن، أربع حزم تحفيز اقتصادي كجزء من الخطة المالية التي تعادل قيمتها 14% من إجمالي الناتج المحلي للتعامل مع تداعيات الجائحة. ورغم أن الحكومة تتوق لإعادة ضبط الميزانية العامة بمجرد ضمان تعافي الاقتصاد، فإن تخفيف إجراءات التحفيز الآن سيكون سابقاً لأوانه. كما أن المساحة المتاحة للحركة أمام حكومة الرئيس مون كافية. فمعدل الدين العام لكوريا الجنوبية من أقل معدلات الدين العام بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
ويرى دانيال موس، المتخصص في الاقتصادات الآسيوية، أن الإنجاز الحقيقي الذي حققته كوريا الجنوبية هو السيطرة على معدل انتشار فيروس «كورونا المستجد» مع العودة إلى النمو الاقتصادي دون اللجوء إلى الإغلاق لاقتصادي الشامل أو إعادة فتح الاقتصاد بسرعة. وإذا كانت الصين قد استفادت من نظامها السياسي السلطوي في التعامل مع أزمة جائحة «كورونا» سواء بفرض إجراءات الإغلاق أو رفعها دون القلق من وجود أصوات معارضة، فإن النظام السياسي في كوريا الجنوبية ديمقراطي.
وقد تعاملت كوريا الجنوبية مع إجراءات التباعد الاجتماعي أو التواصل وغير ذلك من القيود على أساس محلي وفقاً لحالة الجائحة في كل منطقة، وهو ما حقق نتائج إيجابية على مختلف الأصعدة.
ورغم ذلك فإن قصة نجاح كوريا الجنوبية في عصر الجائحة تظل عُرضة للمخاطر الخارجية، خصوصاً إذا تدهور الموقف الاقتصادي في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مع عودة أعداد الإصابة بالفيروس إلى الارتفاع.
وعلى الصعيد المحلي فإن التعزيز الطبيعي الذي يحصل عليه الاقتصاد في كوريا الجنوبية بعد الخروج من حالة الركود سيتلاشى فيما بعد. فقد كانت أرقام النمو الاقتصادي لكوريا الجنوبية قبل الجائحة ضعيفة، ومعدل البطالة يرتفع. وإذا كانت عودة الاقتصاد الكوري الجنوبي إلى النمو خلال الربع الثالث من العام الحالي أمراً مريحاً، فالحقيقة أن هذا الاقتصاد سجل خلال الربع الثاني أكبر انكماش له منذ عقود.
ورغم ذلك يمكن القول إن كوريا الجنوبية تتعامل مع الجائحة وتداعياتها حتى الآن بصورة جيدة نسبياً.


مقالات ذات صلة

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا الطبيب البريطاني توماس كوان (رويترز)

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

حكم على طبيب بريطاني بالسجن لأكثر من 31 عاماً بتهمة التخطيط لقتل صديق والدته بلقاح مزيف لكوفيد - 19.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد السعودية تصدرت قائمة دول «العشرين» في أعداد الزوار الدوليين بـ 73 % (واس)

السعودية الـ12 عالمياً في إنفاق السياح الدوليين

واصلت السعودية ريادتها العالمية بقطاع السياحة؛ إذ صعدت 15 مركزاً ضمن ترتيب الدول في إنفاق السيّاح الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك تم تسجيل إصابات طويلة بـ«كوفيد- 19» لدى أشخاص مناعتهم كانت غير قادرة على محاربة الفيروس بشكل كافٍ (رويترز)

قرار يمنع وزارة الصحة في ولاية إيداهو الأميركية من تقديم لقاح «كوفيد»

قرر قسم الصحة العامة الإقليمي في ولاية إيداهو الأميركية، بأغلبية ضئيلة، التوقف عن تقديم لقاحات فيروس «كوفيد-19» للسكان في ست مقاطعات.

«الشرق الأوسط» (أيداهو)
أوروبا أحد العاملين في المجال الطبي يحمل جرعة من لقاح «كورونا» في نيويورك (أ.ب)

انتشر في 29 دولة... ماذا نعرف عن متحوّر «كورونا» الجديد «XEC»؟

اكتشف خبراء الصحة في المملكة المتحدة سلالة جديدة من فيروس «كورونا» المستجد، تُعرف باسم «إكس إي سي»، وذلك استعداداً لفصل الشتاء، حيث تميل الحالات إلى الزيادة.

يسرا سلامة (القاهرة)

السعودية تسطر التاريخ باعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم

جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)
جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)
TT

السعودية تسطر التاريخ باعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم

جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)
جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)

سطرت السعودية التاريخ، بعد أن جمعت البلدان الأعضاء في المنظمة العالمية للملكية الفكرية، المكونة من 193 دولة، للاتفاق على معاهدة الرياض لقانون التصاميم، وهي تركز على تعظيم الأثر والقيمة على المنظومة بشكل عام، وذلك بعد مرور 20 عاماً على هذه المعاهدة التي لم تر النور إلا من عاصمة المملكة.

جاء ذلك مع ختام أعمال مؤتمر الرياض الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم، في حدث لأول مرة منذ أكثر من عقد من الزمن تعقد فيها المنظمة العالمية للملكية الفكرية «الويبو» مؤتمراً دبلوماسياً خارج جنيف، وهو الأول الذي يُقام في السعودية والشرق الأوسط، ليمثل المرحلة الأخيرة للمفاوضات الخاصة باعتماد معاهدة هذا القانون، التي تستهدف تبسيط إجراءات حماية التصاميم، من خلال توحيد المتطلبات.

وشهد الحدث، خلال الأسبوعين الماضيين، نقاشات وحوارات مكثفة بين البلدان الأعضاء من أجل الوصول إلى معاهدة تلتزم فيها الدول الأعضاء بالمتطلبات الأساسية لتسجيل التصاميم، وأثرها الإيجابي على المصممين، لتصبح هناك إجراءات موحدة تُطبَّق على جميع الدول.

العائد الاقتصادي

وفي رده على سؤال لـ«الشرق الأوسط»، خلال المؤتمر الصحافي مع ختام هذا الحدث، اليوم الجمعة، قال الرئيس التنفيذي للهيئة السعودية للملكية الفكرية، عبد العزيز السويلم، إنه من خلال الدراسات يوجد هناك نسب عالية جداً للشباب والفتيات في إبداع التصميم بالمملكة، وستكون ذات أثر اقتصادي بمجرد أن يكون المنتج قابلاً للحماية، ومن ثم للبيع والشراء.

وأكد الرئيس التنفيذي أن اختيار اسم «معاهدة الرياض» يعكس المكانة التي تحتلها المملكة بوصفها جسراً للتواصل بين الثقافات، ومركزاً لدعم المبادرات العالمية، كما أن اعتماد المعاهدة يُعد إنجازاً تاريخياً يعكس تعاون ومساهمة البلاد في الإطار الدولي للملكية الفكرية، وفتح آفاق جديدة للتعاون بين الدول الأعضاء.

ووفق السويلم، هذه المعاهدة ستسهم في وضع أسس قانونية مهمة تحقق الفائدة للمصممين، وتدعم الابتكار والإبداع على مستوى العالم.

وتعكس «معاهدة الرياض» رؤية المملكة في تعزيز التعاون الدولي بمجال الإبداع ودورها القيادي في صياغة مستقبل مستدام للمصممين والمبتكرين؛ وقد استكملت المفاوضات في الوصول إلى اتفاق دولي للمعاهدة.

توحيد الإجراءات

وتُعد نقلة نوعية في مجال توحيد إجراءات إيداع التصاميم، لتسجيلها على مستوى دول العالم، وتوفير بيئة قانونية تدعم الابتكار والإبداع في مختلف القطاعات.

هذا الإنجاز يرسخ مكانة المملكة بصفتها وجهة عالمية لدعم المبادرات المبتكرة، ويعكس التزامها بتوفير بيئة مشجِّعة للإبداع تحمي حقوق المصممين وتسهم في ازدهار الصناعات الإبداعية على مستوى العالم.

وكانت الهيئة السعودية للملكية الفكرية قد استضافت، في الرياض، أعمال المؤتمر الدبلوماسي المعنيّ بإبرام واعتماد معاهدة بشأن قانون التصاميم، خلال الفترة من 11 إلى 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، بمشاركة الدول الأعضاء في المنظمة العالمية للملكية الفكرية، بحضور رفيع المستوى من أصحاب القرار.