خصوم عون يتهمونه بتعويم باسيل

الرئيس اللبناني أبلغ نظيره الفرنسي أنه يريد تأييداً مسيحياً أوسع للحريري

الرئيسان عون وماكرون خلال لقائهما أثناء زيارة الرئيس الفرنسي الأخيرة لبيروت (رويترز)
الرئيسان عون وماكرون خلال لقائهما أثناء زيارة الرئيس الفرنسي الأخيرة لبيروت (رويترز)
TT

خصوم عون يتهمونه بتعويم باسيل

الرئيسان عون وماكرون خلال لقائهما أثناء زيارة الرئيس الفرنسي الأخيرة لبيروت (رويترز)
الرئيسان عون وماكرون خلال لقائهما أثناء زيارة الرئيس الفرنسي الأخيرة لبيروت (رويترز)

فاجأ رئيس الجمهورية ميشال عون الوسط السياسي بقرار تأجيل الاستشارات النيابية المُلزمة التي كانت مقررة أمس لتسمية الرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة الجديدة بعد أن رجحت كفّة زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بتولّي رئاسة الحكومة، رغم أن عون تذرّع بأن بعض الكتل النيابية طلبت منه التأجيل بسبب بروز صعوبات يجب العمل على حلها.
والمفاجأة جاءت من رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي أبلغ عون أنه لا يوافق على تأجيل الاستشارات ولو ليوم واحد ولحق به الرئيس الحريري بذريعة أن لا مبرر لهذا التأجيل، خصوصاً أن ترحيل الاستشارات جاء - كما قال رئيس حكومة سابق فضل عدم الكشف عن اسمه - استجابة لطلب رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل ولا علاقة لحزب «القوات اللبنانية» بهذا الطلب.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن الرئيس عون اتصل بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مبررا التأجيل بأنه سعي للحصول على تأييد مسيحي أوسع للرئيس الحريري، لكن اتصال عون لم يؤد إلى تبديد الانزعاج الفرنسي من تأجيل الاستشارات، خصوصا أن المضي في عملية التأليف بدءا بالتكليف سيكون النقطة الأساسية لاختبار مدى استعداد الأطراف لتأييد المبادرة الفرنسية، خصوصا أنها التزمت بذلك أمام ماكرون خلال اللقاء الموسع الذي عقد معه في بيروت.
وفي هذا السياق علمت «الشرق الأوسط» أن الحريري الذي يتقاطع موقفه مع الرئيس نبيه بري لن يخضع للضغوط والابتزاز، وسيستمر في ترشحه دون الدخول في سجال مع أحد، وبالتالي فإن صمته سيبقى سيد الموقف بعد أن قرر أن يكون في موقع الرافض لما يدور.
واعتبرت مصادر نيابية بارزة أن تذرع عون في معرض تبريره تأجيل الاستشارات بالحصول على تأييد مسيحي أوسع للحريري يقصد به جبران باسيل لأن حزب «القوات» حسم موقفه بضرورة تأليف حكومة اختصاصيين من رئيسها إلى أعضائها.
وقالت مصادر نيابية بارزة لـ«الشرق الأوسط» إنه لا مبرر لقرار تأجيل الاستشارات، خصوصا أنه يأتي استجابة للفريق السياسي التابع لعون بدلاً من أن يأتي من كتل نيابية متعددة أو من رئيس الحكومة الذي يحظى بأكثرية نيابية لتسميته في الاستشارات، خصوصاً أن باسيل، كما قال، باقٍ على موقفه، وأكدت مصادر سياسية أنه من غير الجائز إخضاع البرلمان لمشيئة شخص واحد، وأن التذرُّع بعدم تأمين الميثاقية في تسمية الحريري ليس في محله بعد أن قرر عون القفز فوقها بتكليف رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب بتشكيل الحكومة.
وقالت المصادر السياسية إن فرنسا منزعجة إلى أقصى الحدود من الخطوة غير المدروسة التي سيترتب عليها إقحام البلد في دورة جديدة من الاشتباكات السياسية بدلاً من الإسراع بتوفير الشروط لولادة الحكومة الجديدة، ليس لتعويم المبادرة التي أطلقها الرئيس إيمانويل ماكرون فحسب وإنما لمنع لبنان من الزوال بعد أن بلغ الانهيار على كافة المستويات ذروته.
ونقلت عن جهات دولية قولها إن الانزعاج الفرنسي لم يعد خافياً على أحد، وقالت إن باريس تدخّلت لدى الحريري ورئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط ونجحت في تبريد الأجواء بينهما، وهذا ما دفع الأخير إلى تسمية الحريري لتشكيل الحكومة، وسألت ما إذا كان لمعاودة التواصل بينهما بإشراف فرنسي قد أسقط رهان باسيل ومن خلال عون على أن عدم تسمية رئيس «التقدمي» لزعيم «المستقبل» سيعزّز الاعتقاد بأن الأخير سيعتذر عن تكليفه بذريعة أن من يؤيّدونه ينتمون إلى «قوى 8 آذار»؟
ومع أن المصادر السياسية ترفض أن تستبق الموقف الأميركي من تأجيل الاستشارات، فهي في المقابل تتوقف أمام الحملة التي شنّها باسيل على العقوبات الأميركية. وتسأل ما إذا كانت لدوافعه علاقة باستبعاده من جدول اللقاءات التي عقدها مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر مع القيادات اللبنانية على غرار ما فعله ديفيد هيل في زيارته الأخيرة لبيروت، خصوصا أن واشنطن مع بدء مفاوضات ترسيم الحدود تحرص على التهدئة وعدم خلق المتاعب في الساحة اللبنانية.
وفي هذا السياق، قال رئيس الحكومة السابق لـ«الشرق الأوسط» إن عون بتأجيله الاستشارات يواجه حالياً حالة من الاصطفاف السياسي لم تكن قائمة من قبل وبات لديه مشكلة مع بري تُضاف إلى أزمته مع «الثنائي الشيعي» على خلفية الخلاف على تشكيل الوفد اللبناني إلى مفاوضات الناقورة، وأكد أن عون عزّز الاعتقاد السائد بأنه يترك لباسيل مهمة الحل والربط، ويحيل إليه كل من يبحث معه في الشأن الداخلي وهذا ما طلبه أخيراً من الحريري عندما التقاه. ولفت إلى أن عون بموقفه أساء للمبادرة الفرنسية وانكشف أمام الرئيس ماكرون، وقال إن تأجيله للاستشارات يدحض كل ما كان أُشيع عن توصّل الحريري مع باسيل إلى اتفاق من تحت الطاولة، وأكد أن رئيس الجمهورية شكل بموقفه رافعة للاعتقاد السائد لدى معظم رؤساء الحكومات والقوى السياسية بأن هناك صعوبة في التعاون معه ما دام أن باسيل يتصرف وكأن الأمر له من دون أن يبادر عون إلى وضع حد لهيمنته على القرار السياسي.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.