ماذا يقول مفكرون وفلاسفة وروائيون معاصرون عن «كوفيد ـ 19»؟

علي حسين يتناول أفكارهم وآراءهم في «مائدة كورونا»

* أستاذة «سوسيولوجيا التنظيم الاجتماعي»- كلية الآداب - جامعة بغداد
* أستاذة «سوسيولوجيا التنظيم الاجتماعي»- كلية الآداب - جامعة بغداد
TT

ماذا يقول مفكرون وفلاسفة وروائيون معاصرون عن «كوفيد ـ 19»؟

* أستاذة «سوسيولوجيا التنظيم الاجتماعي»- كلية الآداب - جامعة بغداد
* أستاذة «سوسيولوجيا التنظيم الاجتماعي»- كلية الآداب - جامعة بغداد

يقدم الكاتب علي حسين، رئيس التحرير التنفيذي لصحيفة «المدى العراقية»، في كتابه الجديد: «مائدة (كورونا): مفكرون وأدباء في مواجهة الجائحة»، الصادر عن «دار الكتب العلمية» و«دار معنى للنشر» في بغداد (2020)، آراء مجموعة من الفلاسفة والمفكرين المعاصرين في عدد من دول العالم حول تفشي وباء «كورونا». ويمكن اعتبار هذا الكتاب امتداداً للكتب الأربعة السابقة التي صدرت للكاتب مؤخراً عن عدة دور نشر عربية وعراقية وهي: «في صحبة الكتب»، و«دعونا نتفلسف»، و«سؤال الحب»، و«غوايات القراءة».
يبدأ المؤلف كتابه بتسليط الضوء على الجوانب الاجتماعية والسياسية الراهنة، عارضاً لمختلف وجهات النظر في هذا المجال، وفي المقالة التالية يتناول فكرة «التقدم العلمي». فقد أثار تفشي وباء «كورونا» تساؤلات حول مدى إيجابية فكرة التقدم العلمي الذي بدا أنه حرر الإنسان من إمكاناته المحدودة وجعله سيداً على الطبيعة. ولكن، ماذا بعد! هل يمكن اعتبار التطور المهول في صناعة الأسلحة دليلاً على التقدم العلمي؟ ماذا عن التلوث البيئي والسلاح البيولوجي؟ يرى الكاتب أن فكرة التقدم العلمي صارت عنواناً للفتك والدمار كما يقر فوكوياما في كتابه «نهاية الإنسان» الذي صدر بعد عشر سنوات من كتابه السابق «نهاية التاريخ». ويعود الكاتب إلى مشهد في رواية «الطاعون»، لألبير كامو يظهر فيه رجل دين يفسر تفشي الوباء وتسببه في موت الملايين بأنه عقوبة إلهية بسبب الفساد المستشري، بينما يقف على الجادة الأخرى الطبيب حزيناً متآسياً وهو يشهد موت آلاف الأطفال ممن لم يرتكبوا إثماً أو خطيئة بعد!
يتضح من خلال القراءة الكلية للكتاب الذي تعقب فيه الكاتب مواقف 21 مفكراً وفيلسوفاً وروائياً، أنهم يجمعون على وجود أزمة أخلاقية عميقة في المجتمع البشري المعاصر ساهم الوباء في إظهارها. فقد فتحت العولمة بوابات التقدم والارتقاء للأقوياء الأغنياء، بينما ألحقت مزيداً من الظلم والقسوة والعنت بحياة الفقراء.
ينضم كبار السن إلى شريحة الفقراء ممن تُرك كثير منهم في ممرات المستشفيات وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة وحيدين مستضعفين، كما يعبر ميشيل أونفري في المقالة العشرين. وأظهر الوباء الوجه العنصري البغيض للعالم الذي تمثل في أنْ تتجاوز وفيات السود من مجموع المصابين به 70 في المائة، كما يكتب الفيلسوف وعالم الاقتصاد الهندي أمارتيا سِن. ويؤكد المغربي طاهر بن جلون أن نسبة هؤلاء تتجاوز 60 في المائة في صفوف سكان ضواحي باريس من الفقراء المهاجرين، ممن يعيشون في مناطق تفتقر إلى الحد الأدنى من الخدمات الصحية والاجتماعية. هذا إلى جانب الاكتظاظ السكاني وقلة عدد الأطباء المشتغلين في المستشفيات المخصصة لهم، وشحة المستلزمات الطبية والعلاجية اللازمة، وأهمها عدم كفاية أسرَّة الإنعاش.
وكما يلاحظ علي حسين، فقد أحرج الوباء أمارتيا سِن الذي كان قد صرح بأن «لا مجاعة في نظام ديمقراطي فعال»، على افتراض أن النظم الديمقراطية أكثر استجابة لمطالب مواطنيها والاستماع إليهم. فقد أزاح تفشي «كورونا» كثيراً من التصورات الواهمة. ويرى الفيلسوف وعالم الاجتماع الألماني هابيرماس أن «كورونا» تمثل تحدياً فكرياً، وأنها مكنت أوروبا الرسمية من السيطرة على حياة مواطنيها. كما كان لتفشي الوباء أن ساهم في ظهور الشعبوية السياسية نتيجة الضغط الشعبي للبحث عن حلول سريعة، رافقتها رغبة الأحزاب اليمينية في تأكيد وجودها، مستغلة الهياج الوجداني لدى العامة. وكانت النتيجة، بنظر هابيرماس، أن انتعشت نزعات التعصب والكراهية للأجانب، بدل البحث عن حلول جوهرية تتطلب أنظمة موحدة ومخلصة لتعزيز النظام الديمقراطي.
يحذر نعوم تشومسكي من مقدار العيوب في الديمقراطيات الحديثة التي تسهم في انحطاط الجنس البشري، نتيجة إجراءات الحجر والعزل التي تباعد بين البشر، في الوقت الذي يحتاجون فيه إلى التجمع واللقاء والتنظيم. يختتم تشومسكي بالقول: «علينا أن نؤمن بالعودة... يكفي ألا نفقد الأمل».
وهذا ألان تورين، عالم الاجتماع الفرنسي الذي دخل العقد التاسع من العمر، يرى أن «كورونا» تُذكِّر بالحاجة إلى إنعاش عالم «الأحاسيس والتواصل»، وأن على العالم لهذا السبب أن يبتكر خدمات جديدة تقوم بها النساء بعد رد الاعتبار لهن.
ويرى اللبناني نسيم طالب أن «كورونا» كشفت أننا نعيش في عالم هش قد يؤدي سقوط إحدى حلقاته إلى تتابع سقوط الحلقات الأخرى.
وتقف الروائية الهندية أرونداتي روي إلى جانب مسلمي الهند وبقية الأقليات الدينية والعرقية ممن يتعرض أفرادها لمضايقات ومواجهات عنيفة، حتى صارت مفردة «كورونا»، بحد ذاتها، إشارة ازدراء تطلق على أي مسلم يروم دخول السوق تاجراً كان أو زبوناً مستهلكاً. ينقل علي حسين عنها قولها إن قرار الإغلاق طبق في الهند بعد أربع ساعات من صدوره، ليصبح مليار و353 مليون إنسان رهينة بيد الشرطة والقوات الحكومية ممن أوقفوا الناس وحالوا دون عودتهم إلى بيوتهم ومؤسسات عملهم، فكان أن انقطعت بهم السبل. يقفون هكذا بلا عون من ماء أو طعام وخدمات صحية. وتختتم بالقول إن «كورونا» أماطت اللثام عن وهم الديمقراطية في الهند التي انتصرت للأغنياء وخذلت الفقراء.
أما الباكستاني طارق علي، فإنه يرى أن العالم لا يتعظ. لقد مرت الأزمة المالية العالمية عام 2008 بنظره دون استيعاب دروس تذكر. وكانت الخلاصة أن فضحت «كورونا» تجبر الأنظمة وغطرستها، وأظهرت سيطرة الأحزاب وتدخلاتها الفئوية الظالمة.
بالمقابل، يبدو أورهان باموق باهتاً فيما بين هذه النخبة من المفكرين والفلاسفة، وهو يصف الحجر المنزلي الذي خضع له بـ«القفص الجميل»، و«هو أمر مدهش». ولكنه يعيد النظر على الفور ليقر بأن الأوبئة تسببت في تحويل المدن إلى رهينة بيد مجهول. ويعود ليواصل كتابة روايته الجديدة: «ليالي الطاعون».
أما جوديث بتلر فتعتقد أن «كورونا» تسببت في إظهار الطبيعة العنصرية للعالم. فقد صرحت بعض القوى السياسية الأوروبية بأن «حياة الأوروبيين فوق حياة الجميع». تسخر بتلر من تصريحات من هذا النوع، وتدعو إلى الترابط والتعاون العالمي، من حيث إن الفيروس يهجم على الجميع ويسعى إلى الظفر بضحاياه بمساواة كاملة. ترى بتلر - والحالة هذه - أن هناك حاجة لتبني سياسات تحمي الضعفاء، وحركات اجتماعية تقف في وجه «الغول» الرأسمالي. تقول: «ليس من المعقول أن يعيش 99 في المائة من السكان في حالة رعب وقلق، بينما يستحوذ 1 في المائة منهم فقط على امتيازات الحياة الرغيدة».
ويذكِّر الروائي الأميركي بول أوستر بالحقيقة المفزعة التي تتمثل في أن 40 في المائة من الأميركيين لا يملكون مبلغ 400 دولار في حساباتهم الشخصية لمواجهة طوارئ الحياة اليومية.
ويختتم مؤلف «مائدة كورونا»، في المقالة الحادية والعشرين مع آلان باديو الذي يرى أن «كورونا» لم تتسبب في المرض والموت فحسب؛ بل وفي تبديد نشاط العقل والتشجيع على العودة إلى ممارسات التخريف. يفعل الناس هذا تماماً كما كانوا يفعلون في القرون الوسطى. ويضيف باديو أن الجديد في «كورونا» القرن العشرين أنها أظهرت الأثر السلبي الذي تمارسه وسائل التواصل الاجتماعي من خلال نشر حالة من «الشلل الذهني وحتى الظلامية الفاشية».



رحيل الإعلامية ليلى رستم يذكّر ببدايات التلفزيون المصري

الإعلامية المصرية ليلى رستم من جيل الرواد بالتلفزيون المصري (منصة إكس)
الإعلامية المصرية ليلى رستم من جيل الرواد بالتلفزيون المصري (منصة إكس)
TT

رحيل الإعلامية ليلى رستم يذكّر ببدايات التلفزيون المصري

الإعلامية المصرية ليلى رستم من جيل الرواد بالتلفزيون المصري (منصة إكس)
الإعلامية المصرية ليلى رستم من جيل الرواد بالتلفزيون المصري (منصة إكس)

رحلت الإعلامية المصرية ليلى رستم، الخميس، عن عمر يناهز 88 عاماً، بعد تاريخ حافل في المجال الإعلامي، يذكّر ببدايات التلفزيون المصري في ستينات القرن العشرين، وكانت من أوائل المذيعات به، وقدمت برامج استضافت خلالها رموز المجتمع ومشاهيره، خصوصاً في برنامجها «نجمك المفضل».

ونعت الهيئة الوطنية للإعلام، برئاسة الكاتب أحمد المسلماني، الإعلامية القديرة ليلى رستم، وذكرت في بيان أن الراحلة «من الرعيل الأول للإعلاميين الذين قدموا إعلاماً مهنياً صادقاً متميزاً وأسهموا في تشكيل ثقافة ووعي المشاهد المصري والعربي، حيث قدمت عدداً من البرامج التي حظيت بمشاهدة عالية وشهرة واسعة».

والتحقت ليلى بالتلفزيون المصري في بداياته عام 1960، وهي ابنة المهندس عبد الحميد بك رستم، شقيق الفنان زكي رستم، وعملت مذيعةَ ربط، كما قدمت النشرة الفرنسية وعدداً من البرامج المهمة على مدى مشوارها الإعلامي، وفق بيان الهيئة.

ليلى رستم اشتهرت بمحاورة نجوم الفن والثقافة عبر برامجها (ماسبيرو زمان)

وتصدر خبر رحيل الإعلامية المصرية «التريند» على منصتي «غوغل» و«إكس» بمصر، الخميس، ونعاها عدد من الشخصيات العامة، والعاملين بمجال الإعلام والسينما والفن، من بينهم الإعلامي اللبناني نيشان الذي وصفها على صفحته بمنصة «إكس» بأنها «كسرت طوق الكلاسيكية في الحوار ورفعت سقف الاحترام والمهنية».

كما نعاها المخرج المصري مجدي أحمد علي، وكتب على صفحته بموقع «فيسبوك» أن المذيعة الراحلة «أهم مذيعة رأتها مصر في زمن الرواد... ثقافة ورقة وحضوراً يفوق أحياناً حضور ضيوفها».

واشتهرت ليلى رستم بلقب «صائدة المشاهير»؛ نظراً لإجرائها مقابلات مع كبار الشخصيات المؤثرة في مصر والعالم؛ مما جعلها واحدة من أعلام الإعلام العربي في تلك الحقبة، وقدّمت 3 من أبرز برامج التلفزيون المصري، وهي «الغرفة المضيئة»، «عشرين سؤال»، و«نجمك المفضل»، بالإضافة إلى نشرات إخبارية ضمن برنامج «نافذة على العالم»، وفق نعي لها نشره الناقد الفني المصري محمد رفعت على «فيسبوك».

الإعلامية المصرية الراحلة ليلى رستم (إكس)

ونعاها الناقد الفني المصري طارق الشناوي وكتب عبر صفحته بـ«فيسبوك»: «ودّعتنا الإعلامية القديرة ليلى رستم، كانت أستاذة لا مثيل لها في حضورها وثقافتها وشياكتها، جمعت بين جمال العقل وجمال الملامح»، معرباً عن تمنيه أن تقدم المهرجانات التلفزيونية جائزة تحمل اسمها.

ويُعدّ برنامج «نجمك المفضل» من أشهر أعمال الإعلامية الراحلة، حيث استضافت خلاله أكثر من 150 شخصية من كبار الأدباء والكتاب والصحفيين والفنانين، من بينهم طه حسين، وعبد الحليم حافظ، وأحمد رمزي، وفاتن حمامة وتوفيق الحكيم، كما أجرت مقابلة شهيرة مع الملاكم الأميركي محمد علي كلاي.

وأبرزت بعض التعليقات على «السوشيال ميديا» حوار الإعلامية الراحلة مع كلاي.

وعدّ رئيس تحرير موقع «إعلام دوت كوم» محمد عبد الرحمن، رحيل ليلى رستم «خسارة كبيرة» وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الإعلامية الراحلة كانت تنتمي إلى جيل المؤسسين للتلفزيون المصري، وهو الجيل الذي لم يكن يحتاج إلى إعداد أو دعم، لكن دائماً ما كان قادراً على محاورة العلماء والمفكرين والفنانين بجدارة واقتدار»، موضحاً أن «القيمة الكبيرة التي يمثلها هذا الجيل هي ما جعلت برامجهم تعيش حتى الآن ويعاد بثها على قنوات مثل (ماسبيرو زمان) ومنصة (يوتيوب) وغيرهما، فقد كانت الإعلامية الراحلة تدير حواراً راقياً يحصل خلاله الضيف على فرصته كاملة، ويبرز الحوار حجم الثقافة والرقي للمذيعين في هذه الفترة».

بدأ أول بث للتلفزيون المصري في 21 يوليو (تموز) عام 1960، وهو الأول في أفريقيا والشرق الأوسط، واحتفل بعدها بيومين بعيد «ثورة 23 يوليو»، وبدأ بقناة واحدة، ثم قناتين، ثم قنوات متعددة تلبي احتياجات شرائح مختلفة من المجتمع، ومع الوقت تطور التلفزيون المصري ليصبح قوة للترفيه والمعلومات، وفق الهيئة العامة للاستعلامات.

وشهدت بدايات التلفزيون ظهور إعلاميين مثَّلوا علامة بارزة فيما بعد في العمل التلفزيوني مثل أماني ناشد، وسلوى حجازي، وصلاح زكي وأحمد سمير، وكانت ليلى رستم آخر من تبقى من جيل الروَّاد المؤسسين.