ردود تركية عنيفة على استراتيجية ماكرون حول «الانفصالية الإسلاموية»

إيمانويل ماكرون ورجب طيب إردوغان
إيمانويل ماكرون ورجب طيب إردوغان
TT

ردود تركية عنيفة على استراتيجية ماكرون حول «الانفصالية الإسلاموية»

إيمانويل ماكرون ورجب طيب إردوغان
إيمانويل ماكرون ورجب طيب إردوغان

بين إيمانويل ماكرون ورجب طيب إردوغان، كل المناسبات والفرص صالحة للاستخدام من أجل إعادة إشعال الحرب الكلامية بينهما التي تتغذى من خلافات سياسية وجيوسياسية وطموحات متعارضة أصبحت لها عناوين عدة: حرب الرئيس التركي على «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية، ومشاركته في الحرب الليبية مباشرة أو عبر مرتزقة سوريين، وأطماعه في ثروات مياه المتوسط الشرقي وبحر إيجه على حساب المصالح القبرصية واليونانية، ودوره المشاكس داخل الحلف الأطلسي، وأخيراً نفخه في أوار الحرب بين أذربيجان وجمهورية أرمينيا الانفصالية في ناغورنو قره باغ.
آخر ما استجد من الحرب الكلامية الردود التركية على خطاب الرئيس الفرنسي يوم الجمعة الماضي بخصوص ما سماها مناهضة «الانفصالية الإسلاموية»؛ وعلى رأسها ما جاء أمس على لسان إردوغان. فالأخير اتهم ماكرون بـ«تخطي الحدود» وعدّ تصريحاته «استفزازاً واضحاً يضرب بالاحترام الواجب (إزاء الأديان) عرض الحائط».
وتوجه الرئيس التركي إلى ماكرون قائلاً: «من أنت حتى تزعم السعي لإعادة هيكلة الإسلام؟ إن ذلك لعجرفة وتخط للحدود». ولذا، فقد دعاه إلى ضرورة «الانتباه عند الحديث عن أمور يجهلها»، مضيفاً أن ما ينتظره هو «أن يتصرف كرجل دولة وليس كحاكم مستعمرة». وبرأيه؛ فإن المسؤولين في عدد من الدول الأوروبية، في استهداف غير مباشر لماكرون، «بدل أن يحاربوا العنصرية ومعاداة الإسلام، فإنهم يحرفون أنظارهم عن ذلك، وهم بذلك يسيئون بشدة لمجتمعهم».
وقبل إردوغان، أصدرت وزارة الخارجية التركية الأحد بياناً حذرت فيه من «العواقب الوخيمة» التي ستنتج عن مشروع قانون فرنسي يستهدف الجالية الإسلامية، عادّةً أنه سيكون مخالفاً للقيم الإنسانية والأعراف القانونية، فضلاً عن أنه سيغذي الشعور المناهض للإسلام والمهاجرين في المجتمع الفرنسي.
بداية؛ تعدّ باريس، التي لم ترد مباشرة حتى الآن على تهجمات إردوغان، أن «استراتيجية مناهضة الإسلاموية» التي كرس لها ماكرون خطابه في الثاني من الشهر الحالي، تستهدف الإسلام السياسي وليس المسلمين. وتضيف مصادرها أن أصحاب الدعوات الانفصالية الذين يروجون لقيم وممارسات مناقضة لقيم الجمهورية «يحرفون الديانة الإسلامية ويستغلونها لأغراض سياسية خاصة بهم؛ وعلى رأسها بناء مجتمع مواز للمجتمع الفرنسي وعلى الأراضي الفرنسية». وقد حذر ماكرون من الخلط بين الأمرين، مؤكداً أن المستهدف الأول هم مسلمو فرنسا. إلا إن الرأي السائد في باريس هو أن إردوغان يستغل كل ما هو متاح للتغطية على سياساته التي تنظر إليها فرنسا على أنها تضرب الاستقرار وتثير المشكلات وتهدد المصالح الفرنسية والأوروبية، وأن أسباب الاستهداف الدائم للرئيس الفرنسي مرده لمواقفه السياسية الأكثر تشدداً على المستوى الأوروبي إزاء السياسات التركية.
هذا التشدد برز مجدداً في ملف الحرب في ناغورنو قره باغ؛ إذ كان ماكرون أول من ندد بالدور التركي، واتهم أنقره بنقل مئات المرتزقة السوريين إلى جبهات القتال في ناغورنو قره باغ عبر باكو؛ العاصمة الأذربيجانية. وأكد ماكرون أنه سيتصل بإردوغان ليطلب منه «تفسيراً» لسياسته التي ترى باريس أنها تصب الزيت على النار. وأكثر من مرة دعا ماكرون ووزراؤه؛ ومنهم كليمون بون، وزير الشؤون الأوروبية، إلى «الحاجة لإيقاف تركيا عند حدها».
وفي سياق نزاع تركيا مع اليونان، قامت باريس بإرسال قطع بحرية وجوية لمساندة أثينا، كما أنها ستزودها بسرب من طائرات «رافال» المتقدمة، وربما بقطع بحرية كذلك. ولباريس وضع خاص في الملف الأذري - الأرميني؛ إذ إنها أحد رؤساء «مجموعة مينسك»، إلى جانب الولايات المتحدة وروسيا الموكل إليها من قبل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إيجاد حلول لملف ناغورنو قره باغ المعقد. وواضح أن مساعي باريس مع واشنطن وموسكو الساعية لوقف سريع للأعمال العدائية والعودة إلى طاولة المفاوضات تتناقض تماماً مع رغبات إردوغان الذي اشترط خروج القوات الأرمينية من هذه المنطقة واكتمال «تحريرها» قبل أي أمر آخر.
في 19 أغسطس (آب) الماضي، نقلت صحيفة «لو كنار أونشينيه» كلاماً للرئيس ماكرون وصف فيه إردوغان بأنه يتصرف مثل «سلطان»، وأنه يسعى للتغطية على مشكلاته الداخلية بأن «يعد بإعادة إحياء أحلام الإمبراطورية العثمانية، وهو بذلك يضرب الاستقرار في المنطقة». وبحسب ماكرون، فإن إردوغان تحول إلى «أفضل حليف للإسلام السياسي المتطرف والخطير»، مضيفاً أنه «يتعين وقفه عن حده، وعلى أوروبا ألا تكون بالغة السذاجة» في التعامل مع هذه السياسة.
وحقيقة الأمر أن ما نقلته الصحيفة الساخرة لمح إليه ماكرون علناً أكثر من مرة، وسبق له أن حذر القادة الأوروبيين من الأطماع التركية، ومن السكوت عن السيادة الأوروبية التي تنتهكها أنقرة ضد اليونان وقبرص. لكن في ملف مناهضة الإسلاموية، تعينت الإشارة إلى أن خطط ماكرون من شأنها ضرب النفوذ التركي في فرنسا عبر جاليتها ومن خلال تأثيرها على مسلمي فرنسا؛ إذ إن الرئيس الفرنسي يطمح إلى وضع حد للتأثيرات الخارجية «ومنها التركية» على الإسلام في بلاده، من خلال الرقابة على تمويل بناء المساجد وأماكن العبادة والجمعيات، ووضع حد لاستجلاب الأئمة من الخارج، وإخضاع تعليم اللغات الأجنبية لرقابة وزارة التربية الفرنسية.


مقالات ذات صلة

إدانة باكستانييْن بشأن دعوات لقتل السياسي الهولندي المعادي للمسلمين فيلدرز

فيلدرز (رويترز)

إدانة باكستانييْن بشأن دعوات لقتل السياسي الهولندي المعادي للمسلمين فيلدرز

قالت محكمة هولندية إنها أدانت اثنين من الزعماء السياسيين الباكستانيين بتهمة دعوتهما لقتل النائب المعادي للمسلمين خيرت فيلدرز، برغم وجودهما خارج هولندا.

«الشرق الأوسط» (أمستردام)
أوروبا المستشار الألماني أولاف شولتس (أ.ف.ب)

شولتس: لا مكان في ألمانيا لمعاداة السامية وللتطرف

أكّد المستشار الألماني أولاف شولتس اليوم الخميس أنّه «لا مكان في ألمانيا لمعاداة السامية وللتطرف الإسلامي».

«الشرق الأوسط» (برلين)
أوروبا  شخص يحرس مسجداً في بريطانيا (أ.ف.ب)

تصاعد العنف اليميني المتطرف يثير مخاوف المسلمين في المملكة المتحدة

تشهد المملكة المتحدة تصاعداً ملحوظاً في أعمال العنف اليميني المتطرف ضد المسلمين، ما أثار مخاوف كبيرة داخل المجتمع الإسلامي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ اعتقال رجل يهودي بعد سلسلة اعتداءات على جاره المسلم  في نيويورك

اعتقال رجل يهودي بعد سلسلة اعتداءات على جاره المسلم في نيويورك

اعتقل رجل يهودي في حي بروكلين ووجهت له تهمة محاولة القتل وارتكاب جرائم كراهية ضد جاره المسلم.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا سيدة تحمل لافتة تدعو إلى حماية الأطفال من «العنصريين» في بلفاست (رويترز)

مسيرات عبر المملكة المتحدة تنديداً بالعنف العنصري

شارك آلاف البريطانيين، السبت، في مسيرات مناهضة للعنصرية رداً على أعمال عنف اليمين المتطرف، التي هزّت المملكة المتحدة على مدى أسبوع.

«الشرق الأوسط» (لندن)

تبديل على رأس «الناتو»... لكن لا تغيير متوقعاً في عمل الحلف

جنود مشاركون بمناورات لـ«الناتو» في لاتفيا (أرشيفية - إ.ب.أ)
جنود مشاركون بمناورات لـ«الناتو» في لاتفيا (أرشيفية - إ.ب.أ)
TT

تبديل على رأس «الناتو»... لكن لا تغيير متوقعاً في عمل الحلف

جنود مشاركون بمناورات لـ«الناتو» في لاتفيا (أرشيفية - إ.ب.أ)
جنود مشاركون بمناورات لـ«الناتو» في لاتفيا (أرشيفية - إ.ب.أ)

يتولى رئيس الوزراء الهولندي السابق، مارك روته، الثلاثاء، قيادة «حلف شمال الأطلسي (ناتو)»، لكن التناوب على رأس أكبر حلف عسكري في العالم لا يعني أنه سيكون بالإمكان إحداث تغيير جذري في عمله.

وقال إيان ليسر، من معهد «جيرمان مارشال فاند» للدراسات في بروكسل: «في (حلف الأطلسي) يتقرر كل شيء؛ كل شيء على الإطلاق، من أتفه الأمور إلى أكثرها استراتيجية، بالإجماع... وبالطبع؛ فإن مدى الاحتمالات المتاحة للأمناء العامين لإحداث تغيير في العمق في عمل (حلف الأطلسي)، يبقى محدوداً جداً».

ويعمل الأمين العام «في الكواليس» من أجل بلورة القرارات التي يتعين لاحقاً أن توافق عليها الدول الأعضاء الـ32.

وأوضح جامي شيا، المتحدث السابق باسم «الحلف» والباحث لدى معهد «تشاتام هاوس» البريطاني للدراسات، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أن الأمين العام «لديه سلطة تحديد الأجندة، وهو الذي يترأس (مجلس شمال الأطلسي)؛ الهيئة السياسية للقرار في (الحلف)». لكنه لا يمسك وحده بقرار الدخول في حرب، وليس بالتأكيد من يضغط على الزر النووي، فهاتان من صلاحيات الدول الأعضاء؛ على رأسها الولايات المتحدة.

وهذا لا يعني أن قائد «الحلف» لا يملك نفوذاً.

وأشار إيان ليسر في هذا الصدد إلى أن الأمين العام الأسبق، جورج روبرتسون، كان له دور مهم في تفعيل «المادة5» بعد اعتداءات «11 سبتمبر (أيلول) 2001» على الولايات المتحدة.

ستولتنبرغ مع روته بالمقر الرئيسي لـ«الناتو» في بروكسل يوم 17 أبريل 2024 (رويترز)

وتنص «المادة5» من ميثاق «الناتو» على أن أي هجوم على دولة عضو «سيعدّ هجوماً على كل الأعضاء»، تحت عنوان: «الدفاع الجماعي». وجرى تفعيلها مرة واحدة في كل تاريخ «الحلف» لمصلحة الولايات المتحدة ولو رمزياً.

كما أن شخصية الأمين العام الجديد سيكون لها دور، وهذا ما يثير ترقباً حيال مارك روته بعد 10 سنوات من قيادة رئيس الوزراء النرويجي السابق ينس ستولتنبرغ.

فهل يعمل على ترك بصماته منذ وصوله، أم ينتظر ولاية ثانية محتملة؟

وقال شيا إن الأمناء العامين «يميلون عند وصولهم إلى أن يكونوا مرشحي الاستمرارية، لكن إذا بقوا بعض الوقت، فهم بالطبع يزدادون ثقة».

قيادة المساعدات

ودفع ستولتنبرغ «الحلف» باتجاه تقديم دعم متصاعد لأوكرانيا، لا سيما بعد غزو روسيا أراضيها في فبراير (شباط) 2022. وطرح تقديم مساعدة سنوية لا تقل عن 40 مليار دولار لأوكرانيا، وحصل على التزام من الدول الحليفة في هذا الصدد. كما حصل على صلاحية أن يتولى «الحلف» القيادة الكاملة لعمليات تسليم المساعدات العسكرية الغربية.

زعماء «الناتو» خلال انعقاد قمتهم في واشنطن يوم 9 يوليو 2024 (د.ب.أ)

يبقى أنه في زمن الحرب، تكون لوحدة الصف والاستمرارية الأفضلية على كل الحسابات الأخرى؛ مما لا يشجع على أي تغيير.

وقال دبلوماسي في «حلف الأطلسي»، طالباً عدم الكشف عن اسمه: «في ظل وضع جيوسياسي بمثل هذه الصعوبة، من المهم للغاية الحفاظ على الاستمرارية وعلى التوجه ذاته في السياسة الخارجية والأمنية».

يبقى أن الجميع في أروقة مقر «الحلف» في بروكسل ينتظرون من روته أسلوباً جديداً في الإدارة يكون «جامعاً أكثر بقليل»، بعد عقد من قيادة «نرويجية» مارسها سلفه «عمودياً»، وفق ما لفت دبلوماسي آخر في «الحلف».

ومارك روته من معتادي أروقة «حلف الأطلسي» و«الاتحاد الأوروبي» بعدما قضى 14 عاماً على رأس الحكومة الهولندية.

وهذا ما يجعل الجميع يراهن عليه بصورة خاصة لتعزيز التنسيق بين «حلف الأطلسي» والتكتل الأوروبي، في وقت يؤدي فيه «الاتحاد» دوراً متصاعداً في المسائل الأمنية.

وهذا الملف معلق بسبب الخلافات بين تركيا؛ العضو في «الحلف» من غير أن تكون عضواً في «الاتحاد الأوروبي»، واليونان حول مسألة قبرص.

وفي حال عاد دونالد ترمب إلى البيت الأبيض بعد الانتخابات الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فإن الدول الحليفة تعول على مهارات روته مفاوضاً من أجل الحفاظ على وحدة «الحلف».

ورفض ستولتنبرغ إسداء أي نصيحة إلى روته في العلن، مكتفياً بالقول إنه سيكون «ممتازاً». لكنه لخص بجملة ما يتوقعه الجميع من الأمين العام لـ«الحلف» بالقول: «ستكون مهمته الكبرى بالطبع إبقاء جميع الحلفاء الـ32 معاً».