إيطاليا تستعدّ لـ«الأسوأ»... وإسبانيا «تغلق» عاصمتها

«مشكلة فنية» أدّت إلى تضاعف إصابات «كورونا» اليومية في بريطانيا

شرطيان يطالبان سائحاً بارتداء كمامته في روما (إ.ب.أ)
شرطيان يطالبان سائحاً بارتداء كمامته في روما (إ.ب.أ)
TT

إيطاليا تستعدّ لـ«الأسوأ»... وإسبانيا «تغلق» عاصمتها

شرطيان يطالبان سائحاً بارتداء كمامته في روما (إ.ب.أ)
شرطيان يطالبان سائحاً بارتداء كمامته في روما (إ.ب.أ)

ليس أدلّ على مستوى القلق الذي يسري في الأوصال الأوروبية أمام موجة الوباء الثانية التي أطلّت باكراً مع بدايات الخريف، من المشهد الذي استفاقت عليه أمس مدينة روما عاصمة البلد الذي يعتبره كثيرون قدوة تُحتذى في إدارة جائحة «كوفيد - 19» بعد التجربة القاسية التي مرّ بها خلال المرحلة الأولى في الربيع الماضي.

كمامات إلزامية
لأول مرة منذ ظهور الفيروس أصبح استخدام الكمامات الواقية إلزامياً حتى في شوارع المدينة الخالدة وحدائقها العامة، فيما أعلن وزير الصحة الإيطالي روبرتو سبيرانزا أن استخدامها سيصبح إلزامياً أيضاً في جميع أنحاء البلاد اعتباراً من الأربعاء المقبل. جاء ذلك بعد تحذير المعهد الأعلى للصحة العامة من أن «الوضع الوبائي يتدهور بسرعة»، وأن حزمة جديدة من التدابير الصارمة ستُعلن قريباً، من بينها إجراءات لفرض العزل التام في المناطق التي ينتشر فيها الفيروس بكثافة.
وفيما أعلنت وزارة الصحة الإيطالية أن عدد الإصابات اليومية الجديدة اقترب من عتبة ثلاثة آلاف التي لم يبلغها منذ 23 أبريل (نيسان) الماضي، بعد أن كان يتراوح حول 300 في الأسابيع الماضية، وارتفع عدد الحالات التي تقتضي علاجاً في المستشفى وفي وحدات العناية الفائقة، قال خبراء المعهد الأعلى للصحة العامة إن عدد البؤر الفيروسية تجاوز ثلاثة آلاف في جميع أنحاء البلاد، منها حوالي الألف في المدارس التي استأنفت نشاطها منتصف الشهر الماضي.
ويفيد التقرير الأخير للمعهد المذكور بأن معدّل انتشار الفيروس تجاوز الخط الأحمر في اثني عشر من الأقاليم الإيطالية، وأن التدهور السريع للوضع الوبائي يعود للتراخي في تطبيق تدابير الوقاية والاحتواء والأنشطة الاجتماعية والرياضية التي استؤنفت في الفترة الأخيرة والسلوك الفردي في التجمعات العائلية. وكانت الإصابات المتتالية التي ظهرت مؤخراً في صفوف لاعبي كرة القدم وأدّت إلى إلغاء بعض مباريات الدوري، قد دفعت بالاتحاد الإيطالي للدعوة إلى اجتماع استثنائي هذا الأسبوع لتقويم الوضع، فيما دعت جهات علمية إلى تعليق المباريات حتى نهاية الجائحة.
وبينما حذّرت وزارة الصحة السلطات الإقليمية من خفض فترة الحجر الصحي من أسبوعين إلى سبعة أيام والالتزام بتوجيهات المعهد الأعلى للصحة العامة، أعلنت وزارة الداخلية عن قائمة العقوبات التي يبدأ تطبيقها الاثنين على الذين يخالفون تدابير الوقاية، والتي تشمل غرامات أدناها 400 يورو وأقصاها ثلاثة آلاف يورو، وعقوبات بالسجن لمن لا يلتزم إجراءات الحجر الصحي أو يتعمّد إخفاء إصابته بالوباء، وأن قوات الجيش ستتولّى الإشراف على تطبيق تدابير الوقاية والاحتواء، إلى جانب الأجهزة الأمنية.
وكان رئيس الوزراء الإيطالي جيوزيبي كونتي قد صرّح، السبت، أن الحكومة مصممة على احتواء الموجة الثانية للوباء مهما كان الثمن، «لأن المهدَّد اليوم هو الأمن القومي في أهمّ اثنتين من ركائزه: صحة المواطنين وبقاء المنظومة الإنتاجية». وقال كونتي إن الحكومة لن تتردد في فرض تدابير العزل التام في المناطق، حيث تقترب المستشفيات من بلوغ قدرتها الاستيعابية.
من جهته، حذّر مستشار وزير الصحة البروفسور والتر ريتشاردي من أنه في حال عدم التمكّن من احتواء انتشار الوباء قبل نهاية الشهر الجاري على أبعد تقدير، ستخرج الأمور عن السيطرة بفعل القدرة الاستثنائية التي يتمتع بها الفيروس للسريان.

عودة العزل التام
في مدريد التي أصبح 5 ملايين من سكانها في حالة من العزلة شبه الكاملة، قال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانتشيز إن الوضع الوبائي الحرج في العاصمة ومحيطها هو الذي فرض التدابير الصارمة التي اعتمدتها الحكومة اعتباراً من فجر السبت، والتي أثارت موجة من الاحتجاجات الشعبية بسبب قلّة وضوحها والشكوك في فاعليتها، وقرار السلطات الإقليمية الطعن في مشروعيتها أمام المحكمة الوطنية والامتناع عن معاقبة المخالفين لها في انتظار الحكم القضائي.
وتعتمد وزارة الصحة الإسبانية منذ مطلع يوليو (تموز) الماضي نظاما شبيهاً بإشارات المرور يتضمّن مجموعة من المعايير والمؤشرات لتحديد مستوى خطورة الوضع الوبائي في المناطق واتخاذ التدابير المناسبة. ويفيد التقرير الأخير الذي صدر عن الوزارة بأن جميع المناطق الإسبانية أصبحت عند الإشارة الحمراء، وأن تدابير أكثر صرامة لا بد من اتّخاذها قبل فوات الأوان وخروج الوضع عن السيطرة. وكانت جمعيات علمية وطبية عدة قد شكّكت في نجاعة التدابير التي فرضتها الحكومة على إقليم مدريد، ودعت إلى إعلان العزل التام على العاصمة ومحيطها لفترة أسبوعين أو ثلاثة، قبل أن تعود المستشفيات إلى الوضع المأساوي الذي شهدته خلال فترة الذروة في الموجة الأولى، سيّما وأن بعض هذه المستشفيات اقترب من بلوغ أقصى قدراته الاستيعابية في وحدات العناية الفائقة والأجنحة المخصصة لمرضى «كوفيد - 19». وكانت منظمة الصحة العالمية قد أوصت إسبانيا بخفض معدلات السريان المعتمدة كحد فاصل لتشديد تدابير الوقاية والاحتواء والخطوط الحمر التي ترسم دائرة الانتقال إلى إجراءات العزل.
وقالت رئيسة الحكومة الإقليمية في مدريد إيزابيل آيوسو إن تدابير العزل والقيود التي فرضتها الحكومة المركزية على العاصمة ستكلّف اقتصاد الإقليم 8 مليارات يورو. وتجدر الإشارة إلى أن إسبانيا كانت، إلى جانب إيطاليا، أكثر الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تضرراً على الصعيدين الصحي والاقتصادي خلال الموجة الأولى من الوباء. وفيما تسجّل كل العدّادات الأوروبية ارتفاعاً متواصلاً في أعداد الإصابات الجديدة والوفيّات، تركّزت الأنظار على المشهد الوبائي في فرنسا التي سجّلت حوالي 17 ألف إصابة في الساعات الأربع والعشرين الأخيرة، وحيث بلغ عدد الإصابات في الأيام الثلاثة الماضية 43 الفاً. وقال مسؤول في منظمة الصحة العالمية إن الوضع في فرنسا يدعو إلى القلق بعد ارتفاع عدد بؤر السريان الكثيف للوباء، خاصة في العاصمة باريس التي تترقّب الإعلان عن تدابير صارمة للوقاية اعتباراً من مطلع هذا الأسبوع بعد أن بلغ معدّل انتشار الفيروس فيها 7.7 في المائة. ومع ارتفاع عدد الإصابات التي تعالج في وحدات العناية الفائقة، تدرس السلطات الصحية الفرنسية حجز أفراد الطواقم الطبية والتمريضية ومنع الإجازات عنهم حتى إشعار آخر.
أشهر صعبة
وفي بريطانيا، توقع رئيس الوزراء بوريس جونسون أن تشهد بلاده أشهرا صعبة بحلول عيد الميلاد، «وربما بعد ذلك». وسجلت بريطانيا 12872 حالة إصابة جديدة بـ«كوفيد - 19» السبت في زيادة يومية قياسية، مع توضيح الحكومة أن هذه القفزة جاءت عقب تأخير في الإبلاغ عن حالات تراكمت منذ 24 سبتمبر (أيلول) وحتى أول أكتوبر (تشرين الأول). كما ذكرت الحكومة أن إعلان الحصيلة اليومية سيتضمن حالات إضافية خلال الأيام المقبلة. وقال الموقع الإلكتروني للحكومة إن مشكلة فنية أخرت نشر عدد حالات الإصابة الجديدة بـ(كوفيد - 19).
ويبقى تسجيل 12872 حالة إصابة في يوم واحد مؤشرا مقلقا، إذ إنه حوالي ضعف ما تم تسجيله من إصابات في اليوم السابق الذي جرى فيه رصد 6968 حالة.
وفي بلجيكا، تعدّى عدد الوفيّات الناجمة عن الوباء عشرة آلاف لتصبح الدولة الأولى في أوروبا والثانية في العالم بعد البيرو من حيث نسبة الضحايا من عدد السكان. ومع الارتفاع المستمر للإصابات في النمسا وسويسرا، قرّرت ألمانيا تقييد حركة التنقّل على حدودها مع هذه البلدين وفرضت الحجر الصحي على الوافدين منهما، وأوصت مواطنيها بتحاشي السفر إليهما إلا لأسباب الضرورة.
ومع الانتشار السريع والواسع الذي يشهده الوباء في جميع البلدان الأوروبية دعت رئيسة المفوضية إلى عقد اجتماع لوزراء الصحة في بلدان الاتحاد الأوروبي الأسبوع المقبل لتنسيق جهود مواجهة الموجة الثانية التي باتت تهدد حركة التنقّل داخل الاتحاد بفعل التدابير الفردية التي اتخذتها الحكومات خلال الأسابيع الأخيرة.
وعادت منظمة الصحة لتحذّر من منحى انتشار الوباء في الهند التي تجاوز عدد الوفيات فيها عتبة المائة ألف لتحتلّ المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة والبرازيل، وأشارت إلى أن خمس الوفّيات العالمية خلال الأسبوع المنصرم سُجّل في الهند. كما حذّرت المنظمة أيضا من تطور المشهد الوبائي في المكسيك والأرجنتين حيث سُجّل 15 ألف إصابة جديدة في الساعات الأربع والعشرين الأخيرة.



كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.