تحولات الإعلام... من قمة الحدث إلى قاعدته

الخبر الصحافي غالباً ما يأتي مفصولاً عن سوابقه ولواصقه

تحولات الإعلام... من قمة الحدث إلى قاعدته
TT

تحولات الإعلام... من قمة الحدث إلى قاعدته

تحولات الإعلام... من قمة الحدث إلى قاعدته

يركز كتاب «الحدث ووسائل الإعلام» لمؤلفه خالد طحطح على الدور الكبير والأساسي لوسائل الإعلام في ظل الطفرة الإعلامية والتكنولوجية الكبرى في العالم، مع زيادة وسرعة وقوة وتيرة الحضور الإعلامي في الحدث أينما كان، إلى درجة أن الإعلام في كثير من الأحيان هو الذي يصنع الحدث، نتيجة للتقنية الهائلة والفائقة على تغطية الحدث، وكل وسيلة إعلامية بطريقتها الخاصة، وطرح الحدث بالصورة والشكل اللذين يناسبان الأجندة الخاصة التي تعمل الوسيلة الإعلامية تحت ظلها.
يرى المؤلف أننا الآن أمام ولادة رؤية جديدة، فهناك تحول بارز على مستوى مقاربة الحدث، فلقد انتقلنا اليوم في زمن هيمنة وسائل الإعلام في مقاربة الحدث، من الأسباب إلى التركيز على النتائج التي يخلفها، أي أن المقاربة تحولت من قمة الحدث إلى قاعدته بالانتقال من البحث في أسبابه إلى النظر في آثاره، وتبدو تجليات هذا التغيير بالأساس في كيفية تعامل المفكرين والمؤرخين والإعلاميين مع تحليل الاحداث الكبرى، كحدث مايو (أيار) 1968 وحدث سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي السابق سنة 1991، وشهدناها أكثر من أي وقت مضى، مع حدث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 ومع الثورات التي عرفتها المنطقة العربية، فيما اصطلح عليه بـ«الربيع العربي»، فحسب الفيلسوف ميشال دوسيرتو: «ليس الحدث ما يمكن رؤيته أو معرفته ولكن ما يصير إليه».
يشير المؤلف إلى مصطلح «الزمن الحاضر» الذي تكرس استخدامه في أواخر السبعينات، خصوصاً في فرنسا، فقد قررت الجهات الرسمية بها أن تمنح أخيراً مكاناً مؤسساتياً للبحث في التاريخ الآني، وذلك بتأسيسها سنة 1978 معهد تاريخ الزمن الحاضر I H T P الذي نشأ في أحضان مختبر البحث C N R S بمساهمة من المؤرخ بيار نورا، غير أنه لم يدشن بشكل فعلي إلا في عام 1980، من قبل فرنسوا بيدا ريدا، الذي ترأس مجلس إدارته إلى غاية سنة 1990، وقد تعاقبت من بعده على رئاسة المعهد بالتتابع روبرت فرانك، وهنري روسو وفابريس دالميدا، واليوم يسير المعهد، ومنذ عام 2004 من طرف كريستيان انغاسو، يرفض المؤرخون الأكاديميون أن يتدخل السياسيون في كتابة التاريخ، وهذا ما عبر عنه بيير نورا في حواره مع مجلة «لوفيغاروا»، فقد أبدى - كما غيره من علماء التاريخ - معارضة شديدة لسن البرلمان الفرنسي تشريعات تتضمن أحكاماً على أحداث تاريخية، مثل مجازر الأرمن، باعتبارها قوانين تعيق دورهم العلمي في دراسة التاريخ ومناقشته، وقد أسهمت هذه القضية على المستوى السياسي في توتير العلاقات التركية - الفرنسية، وفي ألمانيا أيضاً تطرح قضية الرقابة كلما تعلق الأمر بالقضية الشائكة المرتبطة بإرث النازية، إذ تمارس الرقابة في شأنها بشكل شديد، فهي تقمع ما ينشر عن اليهود، وبالخصوص ما يتعلق بالتشكيك في المحرقة باعتبارها كتابات معادية للسامية، بل وقعت بألمانيا في أواخر الثمانينات (بين 1986 و1988) مشادات كبرى، عرفت باسم مشاجرة المؤرخين، فقد نشأ خلاف عميق بين مؤرخين متخصصين بالعهد النازي وفلاسفة على قدر كبير من الأهمية، أبرزهم: يورغن هابرماس، وفي نفس سياق المبالغات المتعلقة بمحرقة الهولوكوست، تعرض روجيه غارودي أحد أشهر مفكري القرن العشرين في فرنسا إلى محاكمة شهيرة بسبب نفيه وقوع المحرقة اليهودية بالشكل الذي تروجه المنظمات الصهيونية، وهو إنكار يصطدم مع أغلب القوانين في الدول الأوروبية التي تمنع التشكيك في المجازر التي وقعت لليهود خلال الحرب العالمية الثانية.
وبحسب المؤلف، فإن مؤرخ اللحظة يتعامل مع الحدث حين وقوعه، فهو يؤرخ للحاضر ولكنه لا يؤرخ للتاريخ، فالخبر الصحافي يظل غير مكتمل، وغير مفهوم بالشكل المطلوب فهو في الغالب يأتي مفصولاً عن سوابقه ولواصقه، ويبقى في حاجة ماسة للزيادة والإتمام، وهذا من بين الأسباب التي تجعل غالبية المؤرخين تتجنب تناول التاريخ الحاضر، فهذا النوع من الكتابة التاريخية يبقى أفقاً صعباً لعوامل ثلاثة؛ أولها غياب البعد التاريخي الضامن - في نظرهم - للموضوعية التاريخية المنشودة عند كل مؤرخ، وثانيها قضية المصادر من حيث تنوعها خصوصاً المصادر الشفوية لشهود العيان، وما يحوم حولها من تشكيك في مصداقيتها، وثالثها يكمن في صعوبة تحليل وتأويل الحدث الآني الذي لا نعرف بعد نهايته ومآله وانعكاساته على مجرى الأحداث، هذا بالإضافة إلى تخوفات بعض المؤرخين من التداخل بين التاريخ والصحافة والعدالة أحياناً.
يشير المؤلف إلى أن وسائل الإعلام أعادت للحدث نضارته، فالحدث المعاصر اكتسح هذه الوسائل بجميع أنواعها، إنه الديكتاتور الجديد الذي فرض نفسه بالقوة، فالمواضيع التي تروج بين الناس ليست سوى منتوج إعلامي، فما تتحدث عنه وسائل الإعلام هو الموجود، وما لا تتحدث عنه لا وجود له، إنه شيء يتم تصنيعه في آلة إنتاج الخبر من خلال انتقاء الأخبار والصور والشهادات، ليغدو العالم مفعولاً إعلامياً يشتغل في أذهان الناس، ويسم ردود أفعالهم، ويوجه أحكامهم ويشبع رغبتهم وفضولهم، فما يروجه الإعلام على أنه خبر مهم هو ليس كذلك، إلا لأن الإعلام جعله كذلك، فالإخبار بالواقعة لا يخلق الحدث فحسب، وإنما يحيله إلى كيان ذي معنى، بل هو يخلق أهميته كذلك ويسوقه في أذهان الناس ويفرضه باعتباره كذلك، فما يتم تداوله من خلال الأخبار، يصبح موضوعاً آنياً لأحاديث الناس.
وسائل الإعلام هي التي تسهم في صناعة الأحداث اليوم، فلا أحد يتحدث عن القطارات رغم أنها موجودة بشكل دائم، ولا أحد يتنبه لها إلا عندما تحيد عن مساراتها، كأنها غير موجودة أصلاً، إلا بعد أن تحيد عن سكتها، وهكذا حتى إنه كلما كان عدد القتلى كبيراً، زادت مساحة التغطية إعلامياً.
ويمكن للعلوم الاجتماعية أن تفيدنا أكثر من أي طرف آخر، حول حدث تتناوله وسائل الإعلام، فهي مطالبة بأن تنتج خطاباً معرفياً يتجاوز الخطاب الإعلامي، الذي يظهر الحدث كأنه تفاصيل بسيطة في قصة إخبارية، بينما يمكن أن تكون له انعكاسات وتداعيات كبيرة، كما في حالات سقوط حائط برلين وحرب الخليج والحادي عشر من سبتمبر.



«اخترعت الشعر»... مختارات لأفضال أحمد سيد

«اخترعت الشعر»... مختارات لأفضال أحمد سيد
TT

«اخترعت الشعر»... مختارات لأفضال أحمد سيد

«اخترعت الشعر»... مختارات لأفضال أحمد سيد

«اخترعت الشعر» عنوان لافت لمختارات نقلها عن الأردية المترجم هاني السعيد للشاعر الباكستاني أفضال أحمد سيد الذي يُعد أحد رواد قصيدة النثر في باكستان. وصدر الكتاب حديثاً عن الهيئة العامة لقصور الثقافة ضمن سلسلة «آفاق عالمية» بالقاهرة.

يقول الشاعر، في كلمته التي كتبها خصوصاً بمناسبة صدور هذه الترجمة العربية الأولى لقصائده، إن «هذا الحدث المبهج» أعاد إلى ذاكرته تلك الأيام التي تعرف فيها للمرة الأولى إلى الشعراء العرب فصار أسيراً لسحرهم ومغامراتهم الشعرية مثل امرئ القيس وأبي نواس وأبي تمام والمتنبي... وغيرهم.

ويذكر أفضال أن لمسلمي شبه القارة الهندية الباكستانية علاقة خاصة باللغة والثقافة العربيتين، وهذا هو السبب في أن الترجمات الأردية للشعراء والكتّاب العرب تحظى بشعبية كبيرة لدى القراء الباكستانيين وخاصة الأسماء المشهورة مثل أدونيس ومحمود درويش ونزار قباني وفدوى طوقان، فضلاً عن الروائيين نجيب محفوظ والطيب صالح ويوسف زيدان.

وأشار إلى أنه حين كان طالباً في الجامعة الأميركية ببيروت في الفترة من سنة 1974 إلى 1976، أتيحت له فرصة ثمينة للتعرف المباشر إلى الثقافة العربية التي وصفها بـ«العظيمة»، وهو ما تعزز حين سافر إلى مصر مرتين فأقام بالقاهرة والإسكندرية والسويس ودمياط، حيث لا يمكن له أن ينسى مشهداً ساحراً وهو التقاء النيل بالبحر المتوسط في منطقة اللسان بمدينة رأس البر التابعة لدمياط. وضمن سياق القصيدة التي تحمل عنوان الكتاب يقول الشاعر في مستهل مختاراته:

«اخترع المغاربة الورق

الفينيقيون الحروف

واخترعت أنا الشعر

اخترع الحب القلب

صنع القلب الخيمة والمراكب

وطوى أقاصي البقاع

بعت أنا الشعر كله

واشتريت النار

وأحرقت يد القهر».

وفي قصيدة بعنوان «الهبوط من تل الزعتر»، يرسم الشاعر صورة مثيرة للحزن والشجن لذاتٍ مُمزّقة تعاني الفقد وانعدام الجذور قائلاً:

«أنا قطعة الغيم

المربوطة بحجر

والملقاة للغرق

ليس لي قبر عائلي

من أسرة مرتزقة

عادتها الموت

بعيداً عن الوطن».

ويصف تجليات الحرب مع الذات والآخرين في نص آخر بعنوان «لم يتم منحي حياة بكل هذه الوفرة»، قائلاً:

«وصلتني أنهاري عبر صفوف الأعداء

فشربت دائماً بقايا حثالات الآخرين

اضطررت إلى التخلي عن موسم فارغ للأمطار

من ترك وصية لي

لأعرف ما إذا كان

هو نفسه الذي كانت تحمله امرأة بين ذراعيها وهي تتوسل إلى الخيالة

والتي بقيت طوال حياتها

تحاول حماية وجهها

من البخار المتصاعد من خياشيم الخيل

لا أعرف ما إذا كان

هو نفسه

الذي ربطته أمه في المهد».

وتتجلى أجواء السجن، نفسياً ومادياً، والتوق إلى الحرية بمعناها الإنساني الشامل في قصيدة «إن استطاع أحد أن يتذكرني»؛ حيث يقول الشاعر:

«حل الشتاء

صدر مجدداً الإعلان

عن صرف بطاطين صوف للمساجين

تغير طول الليالي

وعرضها ووزنها

لكنّ ثمة حُلماً يراودني كل ليلة

أنه يتم ضبطي وأنا أهرب من بين القضبان

أثناء تغير الفصول

في الوقت الذي لا يمكن أسره بمقياس

أقرأ أنا قصيدة».

وأفضال أحمد سيد شاعر ومترجم باكستاني معاصر، ولد في 26 سبتمبر (أيلول) 1946 في غازي بور التابعة لمقاطعة أتربرديش بالهند، قبل تقسيم الهند وباكستان وبنغلاديش؛ حيث بدأ فيها أيضاً حياته المهنية بالعمل في وزارة الزراعة الائتلافية هناك وعند تقسيم باكستان وبنغلاديش 1971، انتقل مع أسرته إلى مدينة كراتشي الباكستانية.

بدأ أفضال كتابة الشعر 1976 وأصدر 5 مجموعات شعرية هي «تاريخ منتحل» 1984، «خيمة سوداء» 1986، «الإعدام في لغتين» 1990، «الروكوكو وعوالم أخرى» 2000، ثم أصدرها مجمعة باعتبارها أعماله الشعرية الكاملة 2009 بعنوان «منجم الطين»، كما أصدر في مطلع 2020 كتاباً يضم قصائده الأولى في الغزل.

وتمثل أغلب قصائده طفرة نوعية في قصيدة النثر الأردية التي ما زالت تعاني من الرفض والتهميش إلى حد كبير لحساب فن الغزل بمفهومه الفارسي والأردي التقليدي الذي ما زال مهيمناً بقوة في شبه القارة الهندية.

ترجم أفضال أعمالاً عن الإنجليزية والفارسية وهو من أوائل من ترجموا لغابرييل غارثيا ماركيز وجان جينيه، كما أصدر في مطلع 2020 ترجمته لمختارات من الشعر الفارسي.

درس أفضال أحمد سيد ماجستير في علم الحشرات بالجامعة الأميركية ببيروت بين عامي 1974 و1976، وذلك في بعثة علمية من الحكومة الائتلافية الباكستانية، فشهد الحرب الأهلية اللبنانية في أثناء إقامته هناك.

يعمل حالياً أستاذاً مساعداً في جامعة حبيب بكراتشي، وهو متزوج من الشاعرة الباكستانية البارزة تنوير أنجم.