«الصحة العالمية» تدعو أوروبا إلى الاستعداد لمواجهة «معركة الشتاء الطويلة»

إسبانيا تتحول «بؤرة» للوباء... وارتفاع مقلق في حصيلة «كورونا» الفرنسية

تستعد السلطات الإسبانية لإعادة فرض إجراءات العزل على مدريد الاثنين (أ.ب)
تستعد السلطات الإسبانية لإعادة فرض إجراءات العزل على مدريد الاثنين (أ.ب)
TT

«الصحة العالمية» تدعو أوروبا إلى الاستعداد لمواجهة «معركة الشتاء الطويلة»

تستعد السلطات الإسبانية لإعادة فرض إجراءات العزل على مدريد الاثنين (أ.ب)
تستعد السلطات الإسبانية لإعادة فرض إجراءات العزل على مدريد الاثنين (أ.ب)

تقترب أوروبا من أعتاب الخريف، فيما تلوح أمامها بوادر العودة إلى المشهد المأساوي الذي عاشته في الربيع الماضي، عندما كان الوباء ينسدل عليها، ويتمدد الخوف والقلق في أوصالها، وتدخل اقتصاداتها في حال من الإغماء. ومرة أخرى، يرتفع الصوت العالي من «منظمة الصحة العالمية» محذراً من موجة ثانية قاسية، داعياً إلى الاستعداد لمعركة طويلة في الشتاء ضد فيروس «كوفيد-19» الذي اقترب عدد ضحاياه في العالم من المليون، ولا يُعرَف له علاج شافٍ بعد 9 أشهر على رصده للمرة الأولى.
ومنذ مطلع الصيف والمنظمة العالمية تنبه لضرورة عدم التراخي في التقيد بتدابير الوقاية والاحتواء، وتدعو إلى عدم التردد في تشديدها عند ظهور بؤر السريان الجديدة، وتكثيف حملات الفحص ومتابعة الإصابات، وعدم تبدية الاعتبارات الاقتصادية على الصحية، في انتظار التوصل إلى تطوير اللقاح وإنتاجه وتوزيعه على نطاق واسع. لكن الأرقام المتداولة منذ أواسط الشهر الماضي تبين أن معظم الدول الأوروبية أخفقت في إدارة أزمة «كوفيد-19» خلال فترة الصيف التي كان من المفترض أن تكون مرحلة التقاط الأنفاس، والاستعداد لموجة ثانية، وأيضاً لاستخلاص العِبر من المرحلة الأولى، وعدم الوقوع في الأخطاء نفسها التي ارتُكبت خلالها.
وإذا كانت إيطاليا هي المرآة التي تابع الأوروبيون من خلالها ماذا كان ينتظرهم في المرحلة الأولى، فإن إسبانيا هي اليوم تلك المرآة التي تستشرف الدول الأوروبية منها ما ستكون عليه الموجة الثانية التي عادت تطل وتهدد بفصل جديد من العزل التام والإقفال الذي كان الكل يعده محظوراً «مهما كلف الأمر» منذ أسابيع، وصار اليوم «خط الدفاع الأخير» كما وصفه وزير الصحة البريطاني، أو «السلاح النووي» على حد تعبير رئيسه بوريس جونسون.
- حصيلة عالمية مقلقة
الأرقام الأوروبية والعالمية لم تعد تترك مجالاً للشك، أو حتى للتردد: عدد الإصابات المؤكدة في العالم تجاوز 30 مليوناً، وهو رقم دون الواقع بكثير، حسب منظمة الصحة العالمية، فيما يقترب عدد الضحايا من المليون. وعدد الضحايا في الولايات المتحدة يدنو من 200 ألف، والرئيس الأميركي الذي كان يعد بالمباشرة بتوزيع اللقاح عشية الانتخابات، في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، يتحدث الآن عن توزيعه على الجميع في أبريل (نيسان) المقبل. وفرنسا تواصل تحطيم الأرقام القياسية بعدد الإصابات اليومية الجديدة التي بلغت أمس 13215 إصابة، فيما وصل عدد الوفيات إلى 123، وهو الأعلى منذ 3 أشهر. أما بريطانيا، فتجاوزت إصاباتها اليومية الجديدة عتبة الأربعة آلاف، للمرة الأولى منذ مطلع مايو (أيار)، فيما يخضع الملايين من مواطنيها للعزل الجزئي في الشمال الشرقي من البلاد. والهند تقترب من المائة ألف إصابة يومية جديدة، والمكسيك تتجاوز الخمسة آلاف، فيما ألمانيا التي نجحت في احتواء الفيروس وصلت إصاباتها اليومية إلى 2297. ولم تمنع الأرقام المخيفة في البرازيل، حيث بلغت الإصابات 4.5 مليون، وزاد عدد الضحايا عن 135 ألفاً، الرئيس جاير بولسونارو من القول إن «البقاء في المنزل لتحاشي العدوى بالفيروس هو من شِيم الضعفاء».
- إجراءات عزل جديدة
وبعد أن سجلت إسبانيا أمس 14389 إصابة جديدة، منها 682 في العاصمة، أعلنت السلطات الإقليمية في مدريد عن حزمة من الإجراءات، بدءاً من غد (الاثنين)، في محاولة لاحتواء الوباء الذي أصبحت بؤرته الرئيسية في أوروبا. وتقضي هذه الإجراءات بعزل 37 منطقة في العاصمة ومحيطها، يعيش فيها نحو مليون شخص، لفترة أسبوعين على الأقل، ومنع التجمعات التي تزيد على 6 أشخاص، وإقفال الحدائق العامة، والسماح بفتح المتاجر والمقاهي والمطاعم ودور العبادة، لكن بنصف قدرتها الاستيعابية.
ولإعطاء فكرة عن خطورة الوضع الوبائي في العاصمة الإسبانية، تكفي الإشارة إلى أن معدل الإصابات من عدد السكان بلغ 998 لكل مائة ألف مواطن، فيما يبلغ المعدل الوطني الإسباني 267، وفي بريطانيا 62، وإيطاليا 33، وألمانيا 24. ويوازي معدل سريان الوباء في مدريد معدل إسرائيل التي بدأت مرحلة جديدة من العزل التام.
وقالت رئيسة الحكومة الإقليمية في مدريد، إيزابيل آيوسو: «نريد أن نتحاشى إعلان حالة الطوارئ، وأمامنا أسابيع صعبة جداً ومعقدة». لكن الخبراء والاختصاصيين في العلوم الوبائية يعدون أن هذه التدابير جاءت متأخرة، وليست كافية لاحتواء انتشار الوباء الذي تجاوز الخط الأحمر الذي يستدعي العزل التام لفترة لا تقل عن 3 أسابيع، ويشددون على أنها لا تكفي لمنع استمرار سريان الفيروس عبر المصابين الذين لا تظهر عليهم عوارض. وتجدر الإشارة إلى أن مدريد كانت قد انتقلت إلى المرحلة الثالثة (الأخيرة) من رفع تدابير العزل، أواخر الربيع الماضي، من غير أن تستوفي الشروط التي وضعتها الحكومة المركزية.
ومن المقرر أن يعقد رئيس الوزراء، بيدرو سانتشيز، اجتماعاً يوم غد (الاثنين) مع رئيسة الحكومة الإقليمية لاتخاذ التدابير اللازمة لاحتواء الوباء في العاصمة، ومنع انتشاره إلى المناطق الأخرى. وكان سانتشيز قد أعلن أنه على استعداد لوضع الجيش في تصرف بلدية العاصمة التي عادت تقيم المستشفى الميداني الضخم الذي أقامته إبان المرحلة الأولى، عندما عجزت مستشفيات مدريد عن استيعاب المصابين بالفيروس.
- ازدحام في مستشفيات فرنسا
وفي حين تقترب معظم الدول الأوروبية من أعداد الإصابات التي سجلتها خلال المرحلة الأولى، يراقب الخبراء في المركز الأوروبي لمكافحة الأوبئة من كثب الوضع في فرنسا التي سجلت أمس رقماً قياسياً في عدد الوفيات منذ مايو (أيار) الفائت (بلغ 123)، وينبهون إلى التغيير الذي طرأ مؤخراً على مواصفات المصابين الجدد الذين ارتفع معدلهم العمري من 31 عاماً إلى 43 عاماً، مع ارتفاع ملحوظ في عدد الإصابات التي تستدعي العلاج في المستشفى، وتلك التي تحتاج إلى العناية الفائقة، ما أدى إلى الازدحام في مستشفيات مرسيليا وبوردو ونيس وليون. لكن وزير الصحة قال: «لسنا في الوضع نفسه الذي كنا فيه خلال الربيع؛ لدينا اليوم الكمامات الواقية والفحوصات السريعة والعلاج بالكورتيزون الذي يخفف من نسبة الوفيات في الحالات الخطرة».
وكان وزير الاقتصاد الفرنسي، برونو لومير، قد أعلن عن إصابته بـ«كوفيد-19»، وأنه يخضع للحجر الصحي في منزله، حيث يتابع نشاطه من غير عوارض.
وفي إيطاليا، أفاد التقرير الأخير لهيئة متابعة الأزمة الصحية أن الوضع الوبائي ما زال يتفاقم ببطء، مع ارتفاع متواصل في عدد الإصابات منذ 7 أسابيع. وكانت الحكومة الإيطالية قد سمحت بعودة المشاهدين إلى الملاعب الرياضية بنسبة لا تتجاوز الألف في مباريات كرة القدم، و1500 في الأدوار النهائية لبطولة روما الدولية لكرة المضرب، و10 آلاف على حلبة سباق الدراجات النارية.


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟