ترمب مستعد لمواجهة بايدن بالمناظرات ويشكك في قدراته

تسعى حملة ترمب الانتخابية إلى احتواء الضرر الذي أحدثه كتاب وودورد حيال موضوع الفيروس واتهام الرئيس بالكذب على الأميركيين (أ.ف.ب)
تسعى حملة ترمب الانتخابية إلى احتواء الضرر الذي أحدثه كتاب وودورد حيال موضوع الفيروس واتهام الرئيس بالكذب على الأميركيين (أ.ف.ب)
TT

ترمب مستعد لمواجهة بايدن بالمناظرات ويشكك في قدراته

تسعى حملة ترمب الانتخابية إلى احتواء الضرر الذي أحدثه كتاب وودورد حيال موضوع الفيروس واتهام الرئيس بالكذب على الأميركيين (أ.ف.ب)
تسعى حملة ترمب الانتخابية إلى احتواء الضرر الذي أحدثه كتاب وودورد حيال موضوع الفيروس واتهام الرئيس بالكذب على الأميركيين (أ.ف.ب)

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنه على أهبة الاستعداد لمواجهة منافسه جو بايدن في المناظرات الرئاسية. وأشار ترمب إلى أنه ليس بحاجة لكثير من التدريب لخوض المناظرات؛ لأن «عمله اليومي يوفر له التدريب الكافي». ترمب الذي واجه أسئلة الناخبين لأول مرة منذ تسجيلات الكاتب بوب وودورد التي قال فيها إنه خفف من خطورة فيروس «كورونا» عن عمد، دافع عن موقفه هذا في لقاء نظمته شبكة «إيه بي سي»، مؤكداً على أنه تعامل مع الملف بحزم: «لم أخفف من خطورة الفيروس. في الواقع لقد شددت على خطورته في أفعالي... أفعالي كانت قوية للغاية».
ودافع الرئيس الأميركي عن مواقفه السابقة التي لم تشجع على ارتداء الأقنعة، فقال: «هناك أشخاص لا يعتقدون أن الأقنعة تنفع». وذلك في انشقاق عن مواقف الطاقم الطبي في «مراكز مكافحة الأوبئة» الأميركية. وتحدث ترمب عن اعتقاده بأن الفيروس سيختفي حتى من دون لقاح وذلك وفقاً لنظرية مناعة القطيع: «سوف نطور مناعة القطيع، هذا سيحصل. لكن بوجود لقاح فسيختفي الفيروس بسرعة». وكان الرئيس الأميركي أكد أن اللقاح سيصدر في غضون أسابيع، فقال في مقابلة مطولة على شبكة «فوكس نيوز»: «سوف يكون هناك لقاح بعد أسابيع، قد يكون موجوداً بعد 4 أسابيع أو بعد 8 أسابيع... هل سيصدر قبل الانتخابات؟ هذا ممكن، فنحن قريبون جداً من إصداره».
ويهدف هذا الكلام المطمئن للأميركيين إلى استقطاب أصوات الناخبين والرد على منتقدي الرئيس حيال تعاطيه مع الفيروس. وحاول ترمب خلال مقابلته التي استمرت نحو 50 دقيقة التركيز على الملف الاقتصادي، فوعد بأن يكون تقرير فرص العمل الدوري الجديد، الذي سيصدر قبل يومين من الانتخابات، «جيداً للغاية، وسيكسر الأرقام القياسية» على حد تعبيره.
وكالعادة؛ هاجم ترمب منافسه الديمقراطي جو بايدن مشككاً بكفاءته في خوض المناظرات، فوصف أداءه في مناظرات الانتخابات التمهيدية بـ«الكارثي»، مؤكداً على أن عمله اليومي يعطيه الخبرة الكافية للتفوق على بايدن في المناظرات التي ستبدأ في 29 سبتمبر (أيلول) الحالي.
لكن مقاربة نائب الرئيس الأميركي السابق حيال المناظرات مختلفة للغاية عن مقاربة ترمب، فقد أعلن بايدن أنه بدأ بالتحضير لمواجهة ترمب من خلال استعراض تصريحاته المثيرة للجدل، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أنه لم يختر بعد الشخص الذي سيؤدي دور ترمب في المناظرات التدريبية التي تجريها حملته.
هذا؛ وقد أطلقت حملة بايدن الانتخابية مجموعة من الإعلانات الانتخابية التي تعرض تسجيلات الرئيس الأميركي مع الكاتب بوب وودورد، الذي قال في أحدها: «خسر الملايين أعمالهم، وأكثر من 190 ألف أميركي خسروا حياتهم. سيدي الرئيس لقد أقسمت اليمين لحماية المواطنين، دماء هؤلاء على يديك».
وتسعى حملة ترمب الانتخابية إلى احتواء الضرر الذي أحدثه كتاب وودورد حيال موضوع الفيروس واتهام الرئيس بالكذب على الأميركيين، لكن وفي خضم محاولاتها، أتت تصريحات أحد المسؤولين التابعين له في وزارة الصحة لتعرقل من جهودها؛ إذ ظهر مساعد وزير الصحة مايكل كابوتو في شريط فيديو يتهم فيه الخبراء الطبيين في إدارة ترمب بالتآمر ضده.
ويقول كابوتو في الشريط: «هناك علماء في هذه الإدارة لا يريدون لأميركا أن تتحسن قبل انتخاب جو بايدن رئيساً». ولعلّ الجزء الأكثر أهمية في تصريحات كابوتو هو الذي دعا فيه مناصري ترمب إلى شراء الذخيرة تحضيراً للانتخابات. وقال: «عندما يرفض دونالد ترمب التنحي في حفل التنصيب، سيبدأ إطلاق النار. إن كان لديكم سلاح فعليكم بشراء الذخيرة، لأنه سيكون من الصعب شراؤها حينها...»، محذراً بأن إطلاق النار على أحد مناصري ترمب في المظاهرات الأخيرة كان مجرد «تدريب». كابوتو اعتذر بعد تصريحاته للموظفين في وزارة الصحة، وقال إنه قد يأخذ إجازة مرضية من عمله.

لكن هذا لم يمنع الديمقراطيين من فتح تحقيق في مواقفه التي أثارت غضبهم، فما قاله أتى ليثبت مخاوفهم من احتمال اندلاع أعمال عنف في حال خسر ترمب في الانتخابات.
كما أتت هذه التصريحات لتعزز تشكيك الديمقراطيين من أن ترمب لن يتنحى في حال فوزه، وقد بدأت حملة بايدن الانتخابية بالاستعداد لسيناريوهات من هذا النوع، عبر تأسيس «غرفة حرب قضائية». فوظفت مئات المحامين؛ منهم مدّعون عامون سابقون، لمواجهة أي تحديات قضائية بعد الانتخابات. وسيشارك في الفريق وزير العدل السابق إريك هولدر الذي خدم في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. ويستعد هؤلاء لمعارك مختلفة؛ أبرزها التشكيك في نزاهة التصويت عبر البريد الذي يهاجمه ترمب بشكل يومي. ويسعى الرئيس الأميركي إلى دفع الولايات باتجاه عقد انتخابات حضورية رغم الإجراءات الوقائية التي تتبعها الولايات بسبب فيروس «كورونا». وقد استغل ترمب توجه منافسه جو بايدن إلى صناديق الاقتراع يوم الاثنين للتصويت في انتخابات الولاية التمهيدية، فقال: «أرأيتم كيف ذهب جو بايدن الضعيف والمتعب والنعسان إلى صناديق الاقتراع في ديلاوير للتصويت؟ إذا فعلها بايدن؛ فيمكن لأي أميركي أن يقوم بالمثل!».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟