«كورونا» تجبر البنوك المركزية العالمية على تغيير قناعاتها

سيدة تمسح رمز الاستجابة السريعة باستخدام هاتفها الذكي في مركز اختبار «كورونا» في كيفرسفيلدن ألمانيا (أ.ب)
سيدة تمسح رمز الاستجابة السريعة باستخدام هاتفها الذكي في مركز اختبار «كورونا» في كيفرسفيلدن ألمانيا (أ.ب)
TT

«كورونا» تجبر البنوك المركزية العالمية على تغيير قناعاتها

سيدة تمسح رمز الاستجابة السريعة باستخدام هاتفها الذكي في مركز اختبار «كورونا» في كيفرسفيلدن ألمانيا (أ.ب)
سيدة تمسح رمز الاستجابة السريعة باستخدام هاتفها الذكي في مركز اختبار «كورونا» في كيفرسفيلدن ألمانيا (أ.ب)

اكتشف قادة البنوك المركزية في العالم أن السياسات النقدية التي كانوا يعدّونها في وقت من الأوقات غير تقليدية ومؤقتة، أنها سياسات تقليدية وستستمر لفترة طويلة.
فقد اضطرت البنوك المركزية للتفكير خارج الصندوق بسبب الأزمة المالية العالمية عام 2008 ثم بسبب جائحة فيروس «كورونا» المستجد خلال العام الحالي. لذلك أصبح مجلس الاحتياط الاتحادي (البنك المركزي) الأميركي والبنك المركزي الأوروبي ونظراؤهما من البنوك المركزية الكبرى أكثر اندفاعاً وابتكاراً في الدفاع عن اقتصاداتها ضد الركود وخطر الكساد.
وحسب وكالة «بلومبرغ» للأنباء فقد شهدت الشهور الأخيرة عودة، ليس فقط السياسات النقدية التي تم استخدامها لأول مرة على نطاق واسع في أعقاب انهيار بنك «ليمان براذرز» رابع أكبر بنك استثمار في الولايات المتحدة في خريف 2008، مثل التخفيف الكمي، وإنما أيضاً تبني سياسات غير مسبوقة في مواجهة تداعيات جائحة فيروس «كورونا» خلال العام الحالي، فقد اتجهت البنوك المركزية نحو المجهول بصورة أكبر. واشترى مجلس الاحتياط الاتحادي أنواعاً مختلفة من السندات. وتبنى البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة السلبية وتبنى البنك المركزي الأسترالي منهج نظيره الياباني في السيطرة على العائد على السندات.
وفي ظل استمرار الغموض والشكوك حول تعافي الاقتصاد العالمي واستمرار فيروس «كورونا» المستجد في إثارة رعب أصحاب العمل والعمال، فإن الاحتمال الأقوى هو استمرار السياسات النقدية فائقة المرونة لعدة سنوات قادمة، حتى لو كان معنى ذلك أن تسهم البنوك المركزية في ارتفاع مصطنع لسوق الأوراق المالية وإشعال شرارة ارتفاع أسعار المستهلك.
هذه النظرة المستقبلية أكدها قرار مجلس الاحتياط مؤخراً بإعلان استعداده لقبول ارتفاع معدل التضخم عن المستوى المستهدف وهو 2% في المستقبل إذا تطلبت حالة الاقتصاد ذلك.
وقال ستيف بارو، رئيس إدارة متابعة سوق الصرف في «ستاندرد بنك»، إن «أزمة فيروس (كورونا) مدمّرة أكثر من الأزمة المالية لعام 2008 بعدة مرات... هناك سبب قوي للغاية للاعتقاد بأن عودة البنوك المركزية إلى تشديد سياساتها النقدية ستستغرق وقتاً أطول وربما أطول بكثير مما حدث في أعقاب الأزمة المالية» السابقة.
الآن يثور الجدل حول ما إذا كانت الحاجة إلى دعم الاقتصادات ستفرض على البنوك المركزية اتخاذ المزيد من الخطوات وربما التنسيق مع الحكومات.
فمسؤولو البنوك المركزية يعملون بالفعل بشكل وثيق مع مسؤولي السياسات المالية في الحكومات رغم الانفصال التقليدي بين سلطة السياسة النقدية وسلطة السياسة المالية.
ويمكن أن تتضمن الخطوات المقبلة من جانب البنوك المركزية، حسب «بلومبرغ» قيام هذه البنوك بتمويل العجز في ميزانيات حكومات دولها بشكل مباشر، وهو مبدأ أساسي فيما يُعرف باسم النظرية النقدية الحديثة التي تقلل من فكرة وجود شيء مخيف في تسييل الديون الحكومية.
وحتى الآن يقاوم مسؤولو البنوك المركزية مثل هذه الفكرة، لكنهم لم يترددوا في تبني سياسات نقدية شديدة التطرف في اتجاه المرونة والتخفيف الكمي. فحسب المحللين الاقتصاديين في مؤسسة «بنك أوف أميركا غلوبال ريسيرش» فإن البنوك المركزية في العالم خفّضت حتى نهاية يوليو (تموز) الماضي، أسعار الفائدة 164 مرة خلال 147 يوماً، وضخّت 5.‏8 تريليون دولار لتحفيز الاقتصادات. وحسب تقديرات بنك الاستثمار الأميركي «جيه بي مورغان تشيس» فإن متوسط سعر الفائدة في العالم حالياً يبلغ 1% في حين انخفض المتوسط لأول مرة عن صفر% في الاقتصادات المتقدمة.
على سبيل المثال تعامل مجلس الاحتياط الاتحادي مع تداعيات الجائحة بنفس السياسات التي تعامل بها مع الأزمة المالية عام 2008 لكن بوتيرة أسرع وربما بتحركات أكثر. فقد خفض الفائدة الرئيسية إلى نحو صفر% واستأنف شراء السندات الحكومية إلى جانب توسيع نطاق آلية التمويل الطارئ لتشمل تقديم التمويل للحكومات المحلية وللشركات الصغيرة والمتوسطة وكذلك المؤسسات الكبيرة.
نتيجة لذلك زادت ميزانية مجلس الاحتياط الاتحادي من 4 تريليونات دولار في يناير (كانون الثاني) الماضي إلى 7 تريليونات دولار الآن، في حين كان أعلى مستوى للميزانية قبل ذلك هو 5.‏4 تريليون دولار في 2015. في الوقت نفسه، امتنع مجلس الاحتياط عن خفض الفائدة إلى أقل من صفر% كما فعل البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان المركزي منذ سنوات، وذلك خوفاً من إغضاب النظام المصرفي أو أعضاء الكونغرس في الولايات المتحدة.
وفي أستراليا ونيوزيلندا والهند تبنت البنوك المركزية طريقة البنك المركزي الياباني في السيطرة على أسعار العائد على السندات من فئات محددة.
في الوقت نفسه، هناك تغييرات كبيرة حدثت في موقف البنوك المركزية بالنسبة للأصول التي تريد شراءها لدعم الاقتصاد. فالبنوك المركزية في أستراليا ونيوزيلندا وكندا تشتري لأول مرة خلال العام الحالي سندات الحكومة، في الوقت نفسه بدأ البنك الكندي شراء سندات الشركات. وبدأ البنك المركزي في كوريا الجنوبية والسويد شراء سندات الشركات والأوراق المالية، كوسيلة لضخ المزيد من السيولة النقدية في الاقتصاد.
وأخيراً يقول تو أورليك، كبير المحللين الاقتصاديين في وحدة «بلومبرغ إيكونوميكس» للاستشارات الاقتصادية إنه «بعد أن أصبحت السياسات النقدية غير التقليدية، سياسات تقليدية جديدة، تواجه البنوك المركزية تحديات جديدة... فقد حققت حزم التحفيز الاقتصادي الضخمة التي أطلقتها البنوك نتائج جيدة، لكن تأكد أن سحب هذه الحزم سيكون أصعب. وستكون أولى إشارات ارتفاع معدل التضخم أول اختبار لهذه الحقيقة».
لقد أجبرت الأزمة الأخيرة البنوك المركزية على الدخول إلى مناطق يثير فيها التنسيق مع السياسات المالية والحاجة إلى المحاسبة الديمقراطية، الشكوك حول مدى استقلال البنوك المركزية عن السلطة التنفيذية.


مقالات ذات صلة

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تعلمت البشرية من جائحة «كورونا» أن لا شيء يفوق أهميةً الصحتَين الجسدية والنفسية (رويترز)

بعد ظهوره بـ5 سنوات.. معلومات لا تعرفها عن «كوفيد 19»

قبل خمس سنوات، أصيبت مجموعة من الناس في مدينة ووهان الصينية، بفيروس لم يعرفه العالم من قبل.


«أدنوك للإمداد» تستكمل الاستحواذ على 80 % من «نافيغ 8» بنحو مليار دولار

إحدى ناقلات شركة «نافيغ 8» (وام)
إحدى ناقلات شركة «نافيغ 8» (وام)
TT

«أدنوك للإمداد» تستكمل الاستحواذ على 80 % من «نافيغ 8» بنحو مليار دولار

إحدى ناقلات شركة «نافيغ 8» (وام)
إحدى ناقلات شركة «نافيغ 8» (وام)

أعلنت «أدنوك للإمداد والخدمات بي إل سي»، الأربعاء، استكمالها الاستحواذ على 80 في المائة من ملكية شركة «نافيغ 8 توبكو القابضة» (نافيغ 8)، مقابل 3.8 مليار درهم (1.04 مليار دولار) مع التزام تعاقدي بشراء نسبة 20 في المائة المتبقية في منتصف عام 2027.

ووفق المعلومات الصادرة، فإن مجموعة «نافيغ 8» شركة متخصصة في تشغيل تجمعات سفن الشحن والإدارة التجارية، وتملك أسطول ناقلات حديثة، مكوناً من 32 ناقلة، ولها حضور مهم في 15 مدينة عبر 5 قارات.

كما تمتلك «نافيغ 8» استثمارات في شركات لإدارة العمليات الفنية، وتزوّد خدمات الوقود في أكثر من ألف ميناء في مختلف أنحاء العالم، وعدد من المؤسسات التي تعمل في القطاع البحري.

وذكرت «أدنوك للإمداد والخدمات بي إل سي» أن الاستحواذ يُشكل خطوة مهمة في استراتيجيتها للنمو النوعي، ويُعزز مكانتها بصفتها شركة عالمية في مجال الخدمات اللوجستية البحرية لقطاع الطاقة. كما يُمثل خطوة جديدة في تنفيذ استراتيجية التوسع العالمي وخلق وإضافة قيمة جديدة لعملائها ومساهميها، وفتح فرص جديدة للنمو التجاري والتوسع في أسواق جديدة.

ولفتت إلى أن هذا الاستحواذ «يستند إلى التكامل الناجح مع شركة (زاخر مارين إنترناشيونال) في عام 2022».

وقال الرئيس التنفيذي لشركة «أدنوك للإمداد والخدمات»، القبطان عبد الكريم المصعبي، إن استكمال هذا الاستحواذ يعد خطوةً مهمة في تسريع تنفيذ استراتيجية الشركة للنمو التحويلي، مشيراً إلى أنه من خلال ضم أسطول شركة «نافيغ 8» وحضور الشركة العالمي، يُتيح هذا الاستحواذ تعزيز عروض خدمات الشركة، وتحقيق قيمة كبيرة لعملائها ومساهميها. كما تتيح هذه الخطوة الإستراتيجية فرصاً جديدة لتعزيز نمو الشركة التجاري، والتوسع نحو أسواق جديدة، وترسيخ مكانة الشركة الرائدة عالمياً في مجال الخدمات اللوجستية والبحرية لقطاع الطاقة.

وسيتيح هذا الاستحواذ لـ«أدنوك للإمداد والخدمات» تعزيز عروض خدماتها، لتشمل تجمعات السفن التجارية، وتزويد السفن بالوقود، وتعزيز الانتشار التجاري والإدارة التقنية عالمياً، وتقديم الحلول القطاعية والرقمية الموجهة نحو الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات.

من جهته، قال الرئيس التنفيذي لـ«نافيغ 8» نيكولاس بوش، إن الانضمام إلى «أدنوك للإمداد والخدمات» ومجموعة «أدنوك»، يُسلط الضوء على الجهود الاستثنائية التي بذلها فريق «نافيغ 8» على مدى العقدين الماضيَين، والذي مهّد الطريق للمرحلة المقبلة.

واستحوذت «أدنوك للإمداد والخدمات» على 80 في المائة من ملكية شركة «نافيغ 8»، مقابل 3.8 مليار درهم (1.04 مليار دولار) مع سريان نقل الملكية الاقتصادية بداية من 1 يناير (كانون الثاني) 2024.

كما تعاقدت على شراء نسبة 20 في المائة المتبقية في منتصف عام 2027، مقابل مبلغ مؤجل يتراوح من 1.2 إلى 1.7 مليار درهم (335 إلى 450 مليون دولار)، بناءً على تحقيق الأرباح قبل خصم الفوائد والضرائب والإهلاك والاستهلاك المؤقت، يُدفع في ذلك الوقت.

وتوقعت الشركة الإماراتية أن تحقق الصفقة ربحاً إضافياً لشركة «أدنوك للإمداد والخدمات» بنسبة 20 في المائة على الأقل للسهم الواحد في عام 2025، مقارنة بعام 2024.

وقالت «ستُحقق (أدنوك للإمداد والخدمات) قيمة كبيرة لا تقل عن 73.4 مليون درهم (20 مليون دولار) سنوياً، من خلال أوجه تآزر وتكامل مقومات الشركة، بدايةً من عام 2026».