أورويل في كوبا

كيف تُرجِمت رواية «1984» بعد غروب كاسترو؟

فيدل كاسترو
فيدل كاسترو
TT

أورويل في كوبا

فيدل كاسترو
فيدل كاسترو

كان قيامي ببحث حول كوبا، أنا الكندية المقيمة في نيويورك، تجربة مربكة. حين أصف شغلي، يشعر معظم الناس بالدهشة، بالاستغراب، وحتى بالحسد: هل ذهبتِ إلى هناك فعلاً؟ أحياناً تبدو الآراء منقسمة انقسامها حول أي جدال إسرائيلي - فلسطيني. في ألبرتا، قلب كندا المحافظ (كما يوصف)، تقابَل دراستي باللامبالاة. حين خططت لرحلتي الأولى إلى هافانا، علق أحد الأصدقاء: «يمكنك الذهاب حين تكونين في الستين. الآن، لم لا تجربي مكاناً أكثر متعة، مثل الأرجنتين؟».
ردود فعل كتلك كانت تذكيراً مستمراً بأن كوبا تعني أشياء مختلفة لأناس مختلفين في أماكن مختلفة، وهي أيضاً نتائج مباشرة لسياسات خارجية مختلفة.
جاء فيديل كاسترو ومجموعته من المحاربين إلى السلطة عام 1959. وبدأت الولايات المتحدة حملتها لتغيير النظام هناك منذ 1960، حين ولدت المقاطعة الشهيرة. وتمنع واشنطن معظم مواطنيها من زيارة كوبا؛ حتى الإصلاحات التي أجراها باراك أوباما عام 2016 لم تسمح بسياحة غير مقيدة. في تلك الأثناء، كانت كندا تقريباً الدولة الوحيدة في القارة الأميركية التي احتفظت بعلاقات دبلوماسية واقتصادية ثابتة مع الجزيرة على مدى الستين عاماً الماضية (المكسيك هي الدولة الأخرى). في السنة الواحدة، يقوم الكنديون عادة بنحو مليون زيارة، معظمها في منتجعات الشواطئ. في مخيلتنا الشعبية، كوبا «فاكهة محرمة» بدرجة أقل، و«كانكون بسيارات قديمة وطعام سيء» بدرجة أكبر.
في كتاب فريدرك لافوا «أورويل في كوبا»، لا توجد شواطئ. لكن ذلك الصحافي من كيبيك يرسم إطاراً مختلفاً آخر: كوبا من حيث هي بقايا شيوعية متهدمة محاصرة بين الماضي والمستقبل. يقدم هذا الكتاب نفسه بصفته كبسولة زمنية، بعنوانه الأصلي معبراً عن الإحساس الحاد بحالة تعلق زمني: «Avant l’après» التي تعني حرفياً «قبل البَعد». بعد أن فاز بجائزة الحاكم العام عام 2018 للكتب غير الروائية، ترجم الآن إلى الإنجليزية على يد دونالد ونكلر.
كان لدى لافوا كل الأسباب التي تقنعه بأن كوبا كانت على شفا نقلة كبيرة حين زارها 3 مرات بين فبراير (شباط) 2016 وفبراير (شباط) 2017. زيارته الأولى سبقت وصول أوباما إلى هافانا بقليل؛ الزيارة التي مثلت نقلة دراماتيكية في علاقة الولايات المتحدة بكوبا على مدى خمسين عاماً. هاجم الرئيس المقاطعة، وبدا أن التحرك نحو المصالحة غير قابل للإيقاف (ملاحظة لافوا بأنه «مهما يكن الرئيس الذي سيخلف أوباما في نوفمبر (تشرين الثاني)، تبدو العودة إلى الماضي غير محتملة بشكل متزايد» تحمل الآن إيحاءات مأساوية). حين جاءت زيارة المؤلف الأخيرة، كان دونالد ترمب قد نُصب رئيساً وفيديل كاسترو قد مات عن تسعين عاماً. لم يلغ ترمب (حتى الآن) إصلاحات أوباما، لكنه خفضها بشكل حاد، ولم يعد إنهاء المقاطعة متوقعاً في القريب. في تلك الأثناء، كانت وفاة كاسترو عام 2016 ذات تأثير محدود على سير العمل في دولة كان يديرها أخو كاسترو (راؤول) على مدى عشر سنوات، ولم تؤدِّ إلى ما تمناه بعضهم من أزمة في الشرعية. العام الماضي، تنازل راؤول عن الرئاسة لميغيل دياز - كانيل، وهو بيروقراطي من جيل أصغر، بينما ظل هو على رأس الحزب الشيوعي. مرة أخرى، التغير الضخم لم يحدث. ربما أن الـ«بعد» ما يزال بعيداً إلى حد ما.
أحد أسباب زيار لافوا للجزيرة سعيه لحل مسألة غامضة. في عام 2016، أعلنت دار نشر كوبية أنها ستشرع في ترجمة جديدة لرواية جورج أورويل «1984» في معرض هافانا الدولي للكتاب. كان الاختيار محيراً؛ دولة حزب واحد بتاريخ طويل من الرقابة، كانت لا تفعل أكثر من مجرد السماح بنشر نقد كلاسيكي للتوتاليتارية، تنتجه على نطاق واسع وتشجعه في مناسبة كبرى. هل كان هذا مؤشراً على مدى التغير، أم أنه محاولة ساخرة تجعل كوبا تبدو كما لو كانت أكثر ليبرالية مما هي، أم أن ذلك كان مجرد أمل للناشر بأن يكون لديه عمل رائج، لا سيما أن الحكومة كانت تقترب من إصلاحات تنحو باتجاه اقتصاد السوق، وليس لديها الوقت للتفكير بالنقاء الآيديولوجي؟ أسئلة كتلك، وكذلك القراءة المكثفة لأعمال أورويل، تهيمن على كتاب لافوا.
«أورويل في كوبا» كتاب معني بظلال الدلالات، آسر من حيث هو تحقيق في الكيفية التي تؤثر فيها الرقابة على الأدب. التحدي الرئيس في مواجهة الرقابة الكوبية هو في غموضها؛ إلقاء القبض بشكل واضح على الفنانَين إل سيكستو وتانيا بروغويرا حالة استثنائية في عملية تتسم غالباً بالسرية. لا توجد قائمة رسمية بالكتب الممنوعة، مثلاً: العناوين غير المرغوب بها لا توزع ببساطة. مع أن كل المطابع جرى تأميمها في الستينيات، تظل آليات صنع القرار غامضة. يسعى الأفراد إلى توسيع هامش المسموح به بتقديم طلب يتضمن مقترحات بطبعات جديدة لمواد يفترض أنها غير مسموح بها. الخط الأحمر الوحيد هو التهجم الواضح بالاسم على الأخوين كاسترو. وحتى في تلك الحالات، تختلف القواعد بالنسبة للأجانب، ويستطيع لافوا أن يعبر الخط دون أن يكون لذلك سوى القليل من النتائج.
في محاولته للكشف عن خفايا نشر «1984»، يواجه لافوا باستمرار هذه الحالات الرمادية. ربما أن بعض من يحاورهم يكذبون. الأكثرية ليس لديهم سوى فكرة محدودة حول ما يجري. أحياناً، يكون حتى هو في حالة من الارتياب الشديد -يفترض وجود حالات من المقاومة حين لا يكون شيء من ذلك مقصوداً، أو يستغرب حين ينتقد النظام بعض مرافقيه بشكل معلن. وبالفعل، فإنه من المعتاد أن يناقش دارسو الأدب في كوبا ويهاجمون الرقابة في أثناء السبعينيات، بعد أن أعيد الاعتبار بعد ذلك لكثير من الكتاب الذين كانوا ممنوعين في تلك الفترة. لكن الغموض المستمر حيال ما هو مسموح به حالياً هو أيضاً جزء من الطريقة التي تعمل بها الرقابة. يخفف الناس من حدة مواقفهم، في محاولة لتفادي اجتياز حدود باهتة، الأمر الذي يجعل من النادر أن يضطر النظام لفرض تلك الحدود.
سيكون من الإهمال في مناقشة كتاب يتمحور حول الترجمة، ويبرز إلى حد كبير مترجمين كوبيين، ألا تكون الترجمة موضوعاً للنقاش. المترجم دونالد ونكلر حصل على ثلاث من جوائز حاكمه العام، ومعالجته لكتاب «أورويل في كوبا» معبرة باستمرار، حاملة نغمة مثقفة ميسورة للقارئ في الوقت نفسه. لديه الفرصة ليظهر لمساته حين يقطع لافوا صيغة الريبورتاج، ليضمن الكتاب مسرحية هجائية مصغرة وقصيدة طويلة. لكن الأسلوب في الغالب يظل مع ذلك مباشراً بشكل مقصود، بليغاً لكن ليس إلى درجة الاستعراض؛ يتذكر المرء الخطوط العامة التي رسمها أورويل نفسه في مقالته «السياسة واللغة الإنجليزية».
أحياناً، يبالغ لافوا في اعتماده على أورويل، حين يوحي بأن الرقابة دليل قاطع على وجود الأشكال الأخرى من قمع الدولة. مقارناته تدعونا لتخيل فيديل وراؤول كاسترو من حيث هم قادة لأوقيانوس في العالم الحقيقي يستهدون في إدارة جهاز توتاليتاري بـ«أخ أكبر». ما يتضمنه ذلك هو أن أي دولة تسعى للسيطرة على مصادر المعلومات، للحد من تعدد الرؤى حول الحاضر والماضي، لا بد أن لديها جرائم أخرى تخفيها. هذا التأطير يخفي ملمحاً رئيساً لكوبا بين الديكتاتوريات الشيوعية في القرن العشرين: انخفاض عدد الجثث فيها. الملايين التي هلكت في أرخبيلات ستالين، والمجاعات الجماعية في «القفزة الصينية إلى الأمام»، والتطهير الذي صاحب الثورة الثقافية، وحقول القتل التي مارسها الخمير الحمر -هذه الأمثلة من سفك الدماء لا يكاد يشبهها شيء على الجزيرة. تاريخياً، الغالبية العظمى من معارضي كاسترو جرى ترحيلهم إلى الولايات المتحدة، بدلاً من تصفيتهم. «منظمة العفو الدولية» ذكرت 120 سجيناً سياسياً في كوبا عام 2018، وهو رقم كبير مقارنة بسجون خالية، وأقل بكثير مما يفترضه كثيرون. في رواية أورويل «1984»، يُعذب البطل. في كتاب لافوا، الوصف المؤلم الوحيد حقيقة لعنف الدولة يعود إلى أوائل الستينيات.
من نواحٍ أخرى، يسعى لافوا جاهداً إلى تحقيق التوازن، متفادياً الشجب الشامل مستكشفاً التناقضات لدى بعض الكوبيين المقيمين في ميامي الذين أجرى لقاءات معهم. أجد ما يغريني بعزو هذا الموقف إلى الحياد الكندي، لكنه كما يتضح أكثر نتيجة لعمله الصحافي في الاتحاد السوفياتي السابق. هناك، شاهد نتائج الانتقال «الفاشل» للرأسمالية الذي أفاد القليل من الأوليغاركيين وفتت الحماية الاجتماعية. يأمل لافوا أن تتفادى كوبا هذا المصير، وأن تتحرك بدلاً من ذلك إلى شكل من الديمقراطية الاجتماعية. إنه يكرس مساحة كبيرة للتناقضات في النظام الاقتصادي للجزيرة، حيث تتجاور عملتان، والأطباء الذين تدفع لهم الدولة يحصلون على مداخيل أقل بكثير مما يحصل عليه سقاة البارات إذ يجمعون الإكراميات من السياح.
فوق ذلك كله، يسعى لافوا إلى تفادي مصيدة النظرة الرومانسية إلى البلد، وإنتاج دعاية حكومية في أثناء ذلك دون أن ينتبه. يتضح هذا بشكل خاص في تصويره جان - غي ألار، وهو صحافي متقاعد من كيبيك انتقل للعيش في هافانا، ووجد نفسه محل حفاوة لأنه كتب ما يعجب الحكومة. يصور لافوا ألار بصفته «أحمقاً مفيداً» في القرن الحادي والعشرين، عبارة سبق استعمالها لوصف جان بول سارتر، وهو معجب آخر من معجبي كوبا.
كانت صحة ألار تسوء حين لقيه لافوا لأول مرة، ووفاته بعد ذلك تصبح رمزية تقريباً -مؤشراً إلى أن النظر إلى الثورة الكوبية نصر مذهل لستينيات القرن الماضي لم يعد ممكناً.لكن ثمة وجهاً آخر لتناول لافوا لكوبا مدفوناً في هذه الصفحات. بعد أن يقدم قراءة تحريضية في معرض هافانا الدولي للكتاب، يتحدث إلى الجمهور كاتب لم يُسمَّ من بورتوريكو، قائلاً: على لافوا أن يأخذ في الاعتبار «التوتاليتارية الرأسمالية» لكي يفهم الوضع في كوبا وبقية أميركا اللاتينية. استناداً إلى خلفية ألار، يمكن بسهولة عدم الالتفات إلى الكاتب غير المعروف على أنه أحمق مفيد آخر، لكن التعليق تذكير أيضاً بأن إطارنا المرجعي يحدد الأسئلة التي نطرح.
ضمن أميركا اللاتينية، حققت كوبا شرعيتها منذ أمد طويل ليس على أساس الشيوعية، وإنما على أساس معاداة الإمبريالية. وجوه الشبه بينها وبين الاتحاد السوفياتي كانت أقل أهمية من وجوه اختلافها عن الديكتاتوريات العسكرية المؤيدة للرأسمالية في المنطقة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي التي كانت تحصل باستمرار على الدعم الأميركي. في هذه الأثناء، كان المحللون الكاريبيون والأفارقة الأميركيون غالباً ما يحللون كوبا من حيث هي اقتصاد زراعي سابق، متسائلين عن الكيفية التي واجهت بها ثورة 1959 الآثار المتبقية من العبودية واللامساواة العرقية.
لكن ليس لدى لافوا الكثير مما يقوله عن العرق، وهو موضوع بارز في زيارة أوباما، أو عن تاريخ التدخل الأميركي في الأميركتين. إطاره المرجعي يظل شمال أطلسي بشكل راسخ؛ إنه يسافر مع جورج أورويل، الإنجليزي في نهاية المطاف.
إن هذا ليس نقداً بقدر ما هو تذكير بالطرق الكثيرة التي ما تزال فيها كوبا «تُكسَب المعنى» بالنسبة للزوار. تعلَّقَ ألار بالثورة الرومانسية، حيث يرى معظم الكنديين بقعة عادية لقضاء الإجازة. أما لافوا، فرأى فرصة لتفادي الاستسلام الكارثي في شرق أوروبا للرأسمالية، حيث يبحث آخرون عن معركة ضد العنصرية أو التخلف. وماذا عن الكوبيين أنفسهم؟ مما يحسب للافوا أنه يختم كتابه بوضع المستقبل -والأمل المتردد بأن يكون مستقبلاً أفضل- في أيديهم.

- المصدر: «ليتراري ريفيو أوف كندا» (يوليو (تموز) / أغسطس (آب) 2020)



إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
TT

إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)

قال مصدران في دولتين من أعضاء اتحاد البث الأوروبي، لوكالة «رويترز»، إن إسرائيل ستتمكن من المشاركة في مسابقة «يوروفيجن» 2026، بعد أن قرر أعضاء الاتحاد، اليوم (الخميس)، عدم الدعوة إلى التصويت بشأن مشاركتها، رغم تهديدات بمقاطعة المسابقة من بعض الدول.

وذكر المصدران أن الأعضاء صوتوا بأغلبية ساحقة لدعم القواعد الجديدة التي تهدف إلى ثني الحكومات والجهات الخارجية عن الترويج بشكل غير متكافئ للأغاني للتأثير على الأصوات، بعد اتهامات بأن إسرائيل عززت مشاركتها هذا العام بشكل غير عادل.

انسحاب 4 دول

وأفادت هيئة البث الهولندية (أفروتروس)، اليوم (الخميس)، بأن هولندا ستقاطع مسابقة «يوروفيجن» 2026؛ احتجاجاً على مشاركة إسرائيل.

وذكرت وكالة «أسوشييتد برس» أن إسبانيا انسحبت من مسابقة «يوروفيجن» للأغنية لعام 2026، بعدما أدت مشاركة إسرائيل إلى حدوث اضطراب في المسابقة.

كما ذكرت شبكة «آر تي إي» الآيرلندية أن آيرلندا لن تشارك في المسابقة العام المقبل أو تبثها، بعد أن قرر أعضاء اتحاد البث الأوروبي عدم الدعوة إلى تصويت على مشاركة إسرائيل.

وقال تلفزيون سلوفينيا الرسمي «آر تي في» إن البلاد لن تشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2026، بعد أن رفض أعضاء اتحاد البث الأوروبي اليوم (الخميس) دعوة للتصويت على مشاركة إسرائيل.

وكانت سلوفينيا من بين الدول التي حذرت من أنها لن تشارك في المسابقة إذا شاركت إسرائيل، وفقاً لوكالة «رويترز».

وقالت رئيسة تلفزيون سلوفينيا الرسمي ناتاليا غورشاك: «رسالتنا هي: لن نشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) إذا شاركت إسرائيل. نيابة عن 20 ألف طفل سقطوا ضحايا في غزة».

وكانت هولندا وسلوفينيا وآيسلندا وآيرلندا وإسبانيا طالبت باستبعاد إسرائيل من المسابقة؛ بسبب الهجوم الذي تشنّه على المدنيين الفلسطينيين في غزة.

وتنفي إسرائيل استهداف المدنيين خلال هجومها، وتقول إنها تتعرض لتشويه صورتها في الخارج على نحو تعسفي.


صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب
TT

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

لم يكن الجمال بوجوهه المتغايرة مثار اهتمام الفلاسفة والعلماء وحدهم، بل بدت أطيافه الملغزة رفيقة الشعراء إلى قصائدهم، والفنانين إلى لوحاتهم والموسيقيين إلى معزوفاتهم، والعشاق إلى براري صباباتهم النائية. والأدل على تعلق البشرفي عصورهم القديمة بالجمال، هو أنهم جعلوا له آلهة خاصة به، ربطوها بالشهوة تارة وبالخصب تارة أخرى، وأقاموا لها النصُب والمعابد والتماثيل، وتوزعت أسماؤها بين أفروديت وفينوس وعشتروت وعشتار وغير ذلك.

وحيث كان الجمال ولا يزال، محلّ شغف الشعراء والمبدعين واهتمامهم الدائم، فقد انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع، وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغاني. كما تلمّسته النظرات الذاهلة للواقعين في أشراكه، بأسئلة ومقاربات ظلت معلقة أبداً على حبال الحيرة والقلق وانعدام اليقين. وقد بدا ذلك القلق واضحاً لدى الشاعر الروماني أوفيد الذي لم يكد يُظهر شيئاً من الحكمة والنضج، حين دعا في ديوانه «الغزليات» الشبان الوسيمين إلى أن «يبدعوا لأنفسهم روحاً مشرقة صيانةً لجمالهم»، حتى أوقعه الجمال المغوي بنماذجه المتعددة في بلبلة لم يعرف الخروج منها، فكتب يقول: «لا يوجد جمال محدد يثير عاطفتي، هنالك آلاف الأسباب تجعلني أعيش دائماً في الحب، سواء كنت أذوب حباً في تلك الفتاة الجميلة ذات العينين الخجولتين، أو تلك الفتاة اللعوب الأنيقة التي أولعتُ بها لأنها ليست ساذجة. إحداهن تخطو بخفة وأنا أقع في الحب مع خطوتها، والأخرى قاسية ولكنها تغدو رقيقة بلمسة حب».

على أن الجمال الذي يكون صاعقاً وبالغ السطوة على نفوس العاجزين عن امتلاكه، يفقد الكثيرمن تأثيراته ومفاعيله في حالة الامتلاك. ذلك أن امتناع المتخيل عن تأليف صورة الآخر المعشوق، تحرم هذا الأخير من بريقه الخلاب المتحالف مع «العمى»، وتتركه مساوياً لصورته المرئية على أرض الواقع. وفضلاً عن أن للجمال طابعه النسبي الذي يعتمد على طبيعة الرائي وثقافته وذائقته، فإن البعض يعملون على مراوغة مفاعيله المدمرة عن طريق ما يعرف بالهجوم الوقائي، كما هو شأن الشعراء الإباحيين، وصيادي العبث والمتع العابرة، فيما يدرب آخرون أنفسهم على الإشاحة بوجوههم عنه، تجنباً لمزالقه وأهواله. وهو ما عبر عنه الشاعر الإنجليزي جورج ويذر المعاصر لشكسبير، بقوله:

«هل عليّ أن أغرق في اليأس

أو أموت بسبب جمال امرأة

لتكن أجمل من النهار ومن براعم أيار المزهرة

فما عساني أبالي بجمالها إن لم تبدُ كذلك بالنسبة لي».

وإذ يعلن روجر سكروتون في كتابه «الجمال» أن على كل جمال طبيعي أن يحمل البصمة البصرية لجماعة من الجماعات، فإن الشاعر الإنجليزي الرومانسي وردسوورث يعلن من جهته أن علينا «التطلع إلى الطبيعة ليس كما في ساعة الشباب الطائشة، بل كي نستمع ملياً للصوت الساكن الحزين للإنسانية».

والأرجح أن هذا الصوت الساكن والحزين للجمال يعثر على ضالته في الملامح «الخريفية» الصامتة للأنوثة المهددة بالتلاشي، حيث النساء المعشوقات أقرب إلى النحول المرضي منهن إلى العافية والامتلاء. وقد بدوْن في الصور النمطية التي عكستها القصائد واللوحات الرومانسية، مشيحات بوجوههن الشاحبة عن ضجيج العصر الصناعي ودخانه السام، فيما نظراتهن الزائغة تحدق باتجاه المجهول. وإذا كان بعض الشعراء والفنانين قد رأوا في الجمال الساهم والشريد ما يتصادى مع تبرمه الشديد بالقيم المادية للعصر، وأشاد بعضهم الآخر بالجمال الغافي، الذي يشبه «سكون الحسن» عند المتنبي، فقد ذهب آخرون إلى التغني بالجمال الغارب للحبيبة المحتضرة أو الميتة، بوصفه رمزاً للسعادة الآفلة ولألق الحياة المتواري. وهو ما جسده إدغار آلان بو في وصفه لحبيبته المسجاة بالقول: «لا الملائكة في الجنة ولا الشياطين أسفل البحر، بمقدورهم أن يفرقوا بين روحي وروح الجميلة أنابيل لي، والقمر لا يشع أبداً دون أن يهيئ لي أحلاماً مناسبة عن الجميلة أنابيل لي، والنجوم لا ترتفع أبداً، دون أن أشعر بالعيون المتلألئة للجميلة أنابيل لي».

لكن المفهوم الرومانسي للجمال سرعان ما أخلى مكانه لمفاهيم أكثر تعقيداً، تمكنت من إزالة الحدود الفاصلة بينه وبين القبح، ورأت في هذا الأخير نوعاً من الجمال الذي يشع من وراء السطوح الظاهرة للأشياء والكائنات. إنه القبح الذي وصفه الفيلسوف الألماني فريدريك شليغل بقوله «القبح هو الغلبة التامة لما هو مميز ومتفرد ومثير للاهتمام. إنه غلبة البحث الذي لا يكتفي، ولا يرتوي من الجديد والمثير والمدهش». وقد انعكس هذا المفهوم على نحو واضح في أعمال بودلير وكتاباته، وبخاصة مجموعته «أزهار الشر» التي رأى فيها الكثيرون المنعطف الأهم باتجاه الحداثة. فالشاعر الذي صرح في تقديمه لديوانه بأن لديه أعصابه وأبخرته، وأنه ليس ظامئاً إلا إلى «مشروب مجهول لا يحتوي على الحيوية أو الإثارة أو الموت أو العدم»، لم يكن معنياً بالجمال الذي يؤلفه الوجود بمعزل عنه، بل بالجمال الذي يتشكل في عتمة نفسه، والمتأرجح أبداً بين حدي النشوة والسأم، كما بين التوله بالعالم والزهد به.

وليس من المستغرب تبعاً لذلك أن تتساوى في عالم الشاعر الليلي أشد وجوه الحياة فتنة وأكثرها قبحاً، أو أن يعبر عن ازدرائه لمعايير الجمال الأنثوي الشائع، من خلال علاقته بجان دوفال، الغانية السوداء ذات الدمامة الفاقعة، حيث لم يكن ينتظره بصحبتها سوى الشقاء المتواصل والنزق المرَضي وآلام الروح والجسد. وليس أدل على تصور بودلير للجمال من قوله في قصيدة تحمل الاسم نفسه:

«أنا جميلة، أيها الفانون، مثل حلمٍ من الحجر

وصدري الذي أصاب الجميع بجراح عميقة

مصنوعٌ لكي يوحي للشاعر بحب أبدي وصامت كالمادة

أنا لا أبكي أبداً وأبداً لا أضحك».

وكما فعل آلان بو في رثائه لجمال أنابيل لي المسجى في عتمة القبر، استعار رامبو من شكسبير في مسرحيته «هاملت» صورة أوفيليا الميتة والطافية بجمالها البريء فوق مياه المأساة، فكتب قائلاً: «على الموج الأسود الهادئ، حيث ترقد النجوم، تعوم أوفيليا البيضاء كمثل زنبقة كبيرة. بطيئاً تعوم فوق برقعها الطويل، الصفصاف الراجف يبكي على كتفيها، وعلى جبينها الحالم الكبير ينحني القصب». وإذا كان موقف رامبو من الجمال قد بدا في بعض نصوصه حذراً وسلبياً، كما في قوله «لقد أجلست الجمال على ركبتيّ ذات مساء، فوجدت طعمه مراً» فهو يعود ليكتب في وقت لاحق «لقد انقضى هذا، وأنا أعرف اليوم كيف أحيّي الجمال».

ورغم أن فروقاً عدة تفصل بين تجربتي بودلير ورامبو من جهة، وتجربة الشاعر الألماني ريلكه من جهة أخرى، فإن صاحب «مراثي دوينو» يذهب بدوره إلى عدّ الجمال نوعاً من السلطة التي يصعب الإفلات من قبضتها القاهرة، بما دفعه إلى استهلال مراثيه بالقول:

«حتى لو ضمني أحدهم فجأة إلى قلبه

فإني أموت من وجوده الأقوى

لأن الجمال بمثابة لا شيء سوى بداية الرعب

وكلُّ ملاكٍ مرعب».

انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغانيrnولا يزال الشغف به مشتعلاً

وفي قصيدته «كلمات تصلح شاهدة قبر للسيدة الجميلة ب»، يربط ريلكه بين الجمال والموت، مؤثراً التماهي من خلال ضمير المتكلم، مع المرأة الراحلة التي لم يحل جمالها الباهر دون وقوعها في براثن العدم، فيكتب على لسانها قائلاً: «كم كنتُ جميلة، وما أراه سيدي يجعلني أفكر بجمالي. هذه السماء وملائكتك، كانتا أنا نفسي».

أما لويس أراغون، أخيراً، فيذهب بعيداً في التأويل، حيث في اللحظة الأكثر مأساوية من التاريخ يتحول الجمال مقروناً بالحب، إلى خشبة أخيرة للنجاة من هلاك البشر الحتمي. وإذا كان صاحب «مجنون إلسا» قد جعل من سقوط غرناطة في قبضة الإسبان، اللحظة النموذجية للتماهي مع المجنون، والتبشير بفتاته التي سيتأخر ظهورها المحسوس أربعة عقود كاملة، فلأنه رأى في جمال امرأته المعشوقة، مستقبل الكوكب برمته، والمكافأة المناسبة التي يستحقها العالم، الغارق في يأسه وعنفه الجحيمي. ولذلك فهو يهتف بإلسا من أعماق تلهفه الحائر:

« يا من لا شبيه لها ويا دائمة التحول

كلُّ تشبيه موسوم بالفقر إذا رغب أن يصف قرارك

وإذا كان حراماً وصفُ الجمال الحي

فأين نجد مرآة مناسبة لجمال النسيان».


فخار مليحة

فخار مليحة
TT

فخار مليحة

فخار مليحة

تقع منطقة مليحة في إمارة الشارقة، على بعد 50 كيلومتراً شرق العاصمة، وتُعدّ من أهم المواقع الأثرية في جنوب شرق الجزيرة العربيَّة. بدأ استكشاف هذا الموقع في أوائل السبعينات من القرن الماضي، في إشراف بعثة عراقية، وتوسّع في السنوات اللاحقة، حيث تولت إدارة الآثار في الشارقة بمشاركة بعثة أثرية فرنسية مهمة إجراء أعمال المسح والتنقيب في هذا الحقل الواسع، وكشفت هذه الحملات عن مدينة تضم أبنية إدارية وحارات سكنية ومدافن تذكارية. دخلت بعثة بلجيكية تابعة لمؤسسة «المتاحف الملكية للفن والتاريخ» هذا الميدان في عام 2009، وسعت إلى تحديد أدوار الاستيطان المبكرة في هذه المدينة التي ازدهرت خلال فترة طويلة تمتدّ من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الرابع للميلاد، وشكّلت مركزاً تجارياً وسيطاً ربط بين أقطار البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي ووادي الرافدين.

خرجت من هذا الموقع مجموعات متعدّدة من اللقى تشهد لهذه التعدّدية الثقافية المثيرة، منها مجموعة من القطع الفخارية صيغت بأساليب مختلفة، فمنها أوانٍ دخلت من العالم اليوناني، ومنها أوانٍ من جنوب بلاد ما بين النهرين، ومنها أوانٍ من حواضر تنتمي إلى العالم الإيراني القديم، غير أن العدد الأكبر من هذه القطع يبدو من النتاج المحلّي، ويتبنّى طرازاً أطلق أهل الاختصاص عليه اسم «فخار مليحة». يتمثّل هذا الفخار المحلّي بقطع متعدّدة الأشكال، منها جرار متوسطة الحجم، وجرار صغيرة، وصحون وأكواب متعدّدة الأشكال، وصل جزء كبير منها على شكل قطع مكسورة، أُعيد جمع بعض منها بشكل علمي رصين. تعود هذه الأواني المتعدّدة الوظائف إلى الطور الأخير من تاريخ مليحة، الذي امتدّ من مطلع القرن الثاني إلى منتصف القرن الثالث للميلاد، وتتميّز بزينة بسيطة ومتقشّفة، قوامها بضعة حزوز ناتئة، وشبكات من الزخارف المطلية بلون أحمر قانٍ يميل إلى السواد. تبدو هذه الزينة مألوفة، وتشكّل من حيث الصناعة والأسلوب المتبع امتداداً لتقليد عابر للأقاليم والحواضر، ازدهر في نواحٍ عدة من الجزيرة العربية منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد.

تختزل هذا الطراز جرة جنائزية مخروطية ذات عنق مدبب، يبلغ طولها 30.8 سنتيمتر، وقطرها 22 سنتيمتراً. عنق هذه الجرة مزين بأربع دوائر ناتئة تنعقد حول فوهتها، تقابلها شبكة من الخطوط الأفقية الغائرة تلتف حول وسطها، وبين هذه الدوائر الناتئة وهذه الخطوط الغائرة، تحلّ الزينة المطلية باللون الأحمر القاتم، وقوامها شبكة من المثلثات المعكوسة، تزين كلاً منها سلسلة من الخطوط الأفقية المتوازية. تشهد هذه الجرة لأسلوب متبع في التزيين يتباين في الدقّة والإتقان، تتغيّر زخارفه وتتحوّل بشكل مستمرّ.

تظهر هذه التحوّلات الزخرفية في قطعتين تتشابهان من حيث التكوين، وهما جرتان مخروطيتان من الحجم الصغير، طول أكبرهما حجماً 9.8 سنتيمتر، وقطرها 8.5 سنتيمتر. تتمثّل زينة هذه الشبكة بثلاث شبكات مطليّة، أولاها شبكة من الخطوط الدائرية الأفقية تلتف حول القسم الأسفل من عنقها، وتشكّل قاعدة له، ثمّ شبكة من المثلثات المعكوسة تنعقد حول الجزء الأعلى من حوض هذا الإناء، وتتميّز بالدقة في الصوغ والتخطيط. تنعقد الشبكة الثالثة حول وسط الجرّة، وهي أكبر هذه الشبكات من حيث الحجم، وتتكوّن من كتل هرمية تعلو كلاً منها أربعة خطوط أفقية متوازية. في المقابل، يبلغ طول الجرة المشابهة 9 سنتيمترات، وقطرها 7.5 سنتيمتر، وتُزيّن وسطها شبكة عريضة تتكون من أنجم متوازية ومتداخلة، تعلو أطراف كلّ منها سلسلة من الخطوط الأفقية، صيغت بشكل هرمي. تكتمل هذه الزينة مع شبكة أخرى تلتفّ حول القسم الأعلى من الجرة، وتشكّل عقداً يتدلى من حول عنقها. ويتكوّن هذا العقد من سلسلة من الخطوط العمودية المتجانسة، مرصوفة على شكل أسنان المشط.

تأخذ هذه الزينة المطلية طابعاً متطوّراً في بعض القطع، أبرزها جرة من مكتشفات البعثة البلجيكية في عام 2009، وهي من الحجم المتوسط، وتعلوها عروتان عريضتان تحيطان بعنقها. تزين هذا العنق شبكة عريضة من الزخارف، تتشكل من مثلثات متراصة، تكسوها خطوط أفقية متوازية. يحد أعلى هذه الشبكة شريط يتكوّن من سلسلة من المثلثات المجردة، ويحدّ أسفلها شريط يتكوّن من سلسلة من الدوائر اللولبية. تمتد هذه الزينة إلى العروتين، وقوامها شبكة من الخطوط الأفقية المتوازية.

من جانب آخر، تبدو بعض قطع «فخار مليحة» متقشّفة للغاية، ويغلب عليها طابع يفتقر إلى الدقّة والرهافة في التزيين. ومن هذه القطع على سبيل المثال، قارورة كبيرة الحجم، صيغت على شكل مطرة عدسية الشكل، تعلوها عروتان دائريتان واسعتان. يبلغ طول هذه المطرة 33.5 سنتيمتر، وعرضها 28 سنتيمتراً، وتزيّن القسم الأعلى منها شبكة من الخطوط المتقاطعة في الوسط على شكل حرف «إكس»، تقابلها دائرة تستقر في وسط الجزء الأسفل، تحوي كذلك خطين متقاطعين على شكل صليب.

يُمثل «فخار مليحة» طرازاً من أطرزة متعددة تتجلّى أساليبها المختلفة في مجموعات متنوّعة من اللقى، عمد أهل الاختصاص إلى تصنيفها وتحليلها خلال السنوات الأخيرة. تتشابه هذه اللقى من حيث التكوين في الظاهر، وتختلف اختلافاً كبيراً من حيث الصوغ. يشهد هذا الاختلاف لحضور أطرزة مختلفة حضرت في حقب زمنية واحدة، ويحتاج كل طراز من هذه الأطرزة إلى وقفة مستقلّة، تكشف عن خصائصه الأسلوبية ومصادر تكوينها.