2020... العام الذي ألغيت فيه الموضة

مبيعات أحمر الشفاه تتراجع أمام الماسكارا والرموش الصناعية
مبيعات أحمر الشفاه تتراجع أمام الماسكارا والرموش الصناعية
TT

2020... العام الذي ألغيت فيه الموضة

مبيعات أحمر الشفاه تتراجع أمام الماسكارا والرموش الصناعية
مبيعات أحمر الشفاه تتراجع أمام الماسكارا والرموش الصناعية

لا يختلف اثنان على أن تغييرات كثيرة؛ بل وجذرية، طرأت على حياتنا وسلوكياتنا منذ شهر مارس (آذار) الماضي بسبب فيروس «كورونا». تحول معظمنا إلى مهووسين بالتنظيف يُعشش الخوف بداخلنا، فنستكين للبيوت بدل الخروج، ونستعيض بالتباعد الاجتماعي عن التقارب الإنساني. حتى التسوق الذي كان يشكل متعة اجتماعية تغذي الحواس تحول إلى كابوس نرهبه ونتجنبه، وهو مما أدى إلى إفلاس وإغلاق مجمعات تجارية ومحال كانت إلى الأمس القريب تحمل أسماء أيقونية وعريقة مثل «بارنيز» و«نيمان ماركوس»... وغيرهما؛ محالّ إما لفظت أنفاسها أو باعت نفسها مثل «لورد آند تايلور» التي يعود تاريخها إلى 1824، لكن تنازلت عن مكانها في شارع «فيفث أفينيو» لشركة «أمازون» مقابل مليار دولار أميركي.
هذه التغييرات، أو بالأحرى النهايات، لا تتعلق بالمحال الإسمنتية وبيوت أزياء صغيرة أعلنت استسلامها للأمر الواقع فحسب؛ بل تشمل كل صغيرة وكبيرة في حياتنا، بحكم أن الموضة تُؤثر على كل تفاصيل حياتنا اليومية. وهي الآن تكتب بألوانها وخطوطها صفحات تاريخية ستشكل مستقبلاً قراءة مهمة لأحداث 2020 تتعدى التعقيم والتنظيف والتوجس من الآخر. وحسب قول دون كارين، وهي خبيرة نفسية مختصة في مجال الموضة، فإنه «كلما طالت مدة الجائحة، تغيرت حياتنا وأخذت أشكالاً جديدة من خلال علاقتنا بالموضة». قول يؤكد صحته تقدم أشياء على حساب أخرى، مثل تراجع الأزياء المفصلة والرسمية لصالح الأزياء «السبور» والبسيطة؛ فمبيعات الـ«تي شيرتات» تفوق مبيعات القمصان مثلاً، كذلك البنطلونات الواسعة التي أخذت مكان الفساتين الأنيقة.
وفي مجال الماكياج، سُجل تراجع كبير في مبيعات أحمر الشفاه لحساب الماسكارا والرموش الصناعية لأول مرة في تاريخه، والسبب هو الكمامة.
في بداية الجائحة شهدت مستحضرات العناية بالبشرة، مثل كريمات الترطيب والتقشير، إلى جانب الوصفات المنزلية التي تعتمد على مكونات من المطبخ، إقبالاً كبيراً، لكن ما إن تم التخفيف من بعض القيود المتعلقة بالخروج والتسوق في شهر يونيو (حزيران) الماضي حتى بدأت مستحضرات الماكياج تنتعش هي الأخرى.
مبيعات أقلام الكحل والماسكارا مثلاً ارتفعت بنسبة 11 في المائة، كذلك الرموش الصناعية التي ارتفعت بنسبة 15 في المائة، فيما شهدت أقلام تحديد العيون والحواجب أيضاً ارتفاعاً بنسبة 5 في المائة. وتشرح لاريسا جونسون، وهي خبيرة تجميل، بأن الأمر طبيعي «فعندما نضطر للخروج بكمامة تغطي نصف الوجه، فإن العيون والحواجب تصبح مركز ونقطة الجذب، وبالتالي فإنه من البديهي أن يفقد أحمر الشفاه أهميته السابقة».
يذكر أن أحمر الشفاه لم يكن الضحية الوحيدة لجائحة «كورونا»، فالكعب العالي أيضاً تضرر. قد يقول البعض إن نكسته بدأت قبل الجائحة بسنوات بسبب ازدياد الإقبال على التصاميم الرياضية، لكن لا ينكر أحد أن الجائحة كانت القشة التي قصمت ظهره وأفقدته جاذبيته وشعبيته. فأرقام المبيعات تشير إلى أن الأحذية الرسمية، وتلك الخاصة بالمناسبات عموماً، تسجل تراجعاً بنسبة 70 في المائة منذ شهر مارس الماضي. ويشمل الأمر الأحذية الرجالية أيضاً.
والخوف، حسب المراقبين، من أنها لن تعود إلى سابق عهدها حتى وإن عادت الحياة إلى طبيعتها في يوم ما، بحكم أننا سنتعود على الراحة.
أكبر دليل على هذا أن كثيراً من النساء بدأن فعلاً بالتخلص منها والتبرع بها للمحال الخيرية، ليفسحن المجال لأحذية مريحة وعملية؛ بما في ذلك «الشباشب».
في هذا الصدد، يعلق موريس، غولدفارب، الرئيس التنفيذي في مجموعة «G - III أباريلـ”التي تملك علامات
أميركية عدة معروفة مثل «دونا كاران نيويورك» و«بلاس» وغيرهما، بأن المستهلك يبحث حالياً عن كل ما هو مريح وغير معقد. ويضيف: «الموضة بصفتها أناقة ليست مهمة هذا العام».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».