دمشق تتذكر «ملحمة ميسلون» وعينها على «كامل سوريا»

تمثال وزير الحربية السوري يوسف العظمة في دمشق
تمثال وزير الحربية السوري يوسف العظمة في دمشق
TT

دمشق تتذكر «ملحمة ميسلون» وعينها على «كامل سوريا»

تمثال وزير الحربية السوري يوسف العظمة في دمشق
تمثال وزير الحربية السوري يوسف العظمة في دمشق

يكتسب إحياء دمشق «معركة ميسلون»، التي قتل فيها وزير الحربية يوسف العظمة في مواجهة قوات المندوب السامي الفرنسي في سوريا ولبنان الجنرال هنري غورو على أطراف دمشق، الكثير من الدلالات السياسية، بينها إعطاء أولوية لـ«تحرير كامل أراضي سوريا»، وتقديم «نموذج مختلف» بالتزامن مع زيارة الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون إلى بيروت ولقاءاته مع مسؤولين لبنانيين في ذكرى إعلان «لبنان الكبير» تحت صورة الجنرال غورو.
وفي هذه المناسبة، طرحت مؤسسة «وثيقة وطن» في دمشق، كتاباً عن «ملحمة ميسلون» تضمن وثائق تنشر للمرة الأولى في هذه الصيغة. أولى تلك الشهادات جاءت على لسان وزير الزراعة والتجارة في حكومة فيصل، يوسف الحكيم صديق يوسف العظمة، الذي وضع مذكراته في أربعة أجزاء صدرت في بيروت عام 1966.
والشهادة الثانية، لقائد معركة ميسلون، تحسين باشا الفقير الذي نجا من الموت وتوجه إلى منفى قسري استمر حتى جلاء الفرنسيين عن سوريا سنة 1946. وبعد 26 سنة، أعاد راية الجيش الوطني إلى الحكومة السورية في احتفال رسمي أقيم في متحف دمشق الوطني. وجُمعت مذكرات الفقير وصدرت سنة 2004، وهي من الكتب النادرة جداً وغير المتوافرة في الأسواق.
أما الشهادة الثالثة، فهي لصبحي العُمري، أحد ضباط المعركة الذي وضع كتاب «ميسلون: نهاية عهد»، الصادر في لندن عام 1990. ثم تأتي دراسة المؤرخ إحسان هندي، المنشورة في كتاب فريد عن المعركة، صادر عن وزارة الثقافة سنة 1967. وتليها الشهادة الأشهر لساطع الحصري، وزير المعارف حينذاك، وهو الذي قاد المفاوضات السياسية مع الفرنسيين قبيل المعركة، وقد صدرت شهادته في دمشق عام 1948 في كتاب حمل عنوان «يوم ميسلون». كما ترجمت مؤسسة «وثيقة وطن» وثائق المعركة في أرشيف الحكومة الفرنسية.


وحاولت المؤسسة ربط ذكرى المعركة بالوضع السياسي الراهن؛ إذ أشارت إلى أن الرئيس حافظ الأسد كان معجباً بيوسف العظمة وشجاعته، وتم تحويل منزله في حي المهاجرين إلى متحف، حيث يحتفل في 24 يوليو (تموز) بمعركة ميسلون، ويتحول مكان المعركة إلى مزار للطلاب. كما أن الرئيس بشار الأسد سار على دربه في مقارعته «الاستعمار الحديث».
وبدا واضحاً، وجود جهد لتوفير ذخيرة سردية للحكومة في المعارك العسكرية، خصوصاً أن أكثر من ثلث أراضي البلاد لا يزال خارج سيطرتها؛ إذ يخضع نحو 25 في المائة من شمال شرقي البلاد لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية - العربية بدعم من التحالف الدولي بقيادة أميركا. كما تسيطر فصائل مدعومة من تركيا على أكثر من 10 في المائة من مساحة البلاد، في شمال سوريا وشمالها الغربي. وتسيطر قوات الحكومة بدعم روسي وإيراني على بقية أراضي سوريا التي تبلغ مساحتها الإجمالية 185 ألف كلم مربع.
الدلالة الثانية، لإحياء «ملحمة ميسلون»، أنها تأتي بالتزامن مع مئوية إعلان «لبنان الكبير» في بداية سبتمبر (أيلول) من قبل الجنرال غورو، الذي خرج يوسف العظمة لمقارعته في ميسلون التي تقع على طريق دمشق – بيروت.
كانت تلك محاولة لتقديم «نموذج آخر» في التعامل مع الفرنسيين، تضاف إلى كيفية تعامل السلطات السورية المتعاقبة مع إرث الانتداب الفرنسي أو الحكم العثماني الذي سبقه. كان بين ذلك، طريقة تسمية الشوارع ورفع التماثيل في شوارع دمشق والمدن السورية.
وإذ سمي الكثير من شوارع العاصمة اللبنانية بأسماء ضباط وقادة مرحلة الانتداب الفرنسي، فإن شوارع دمشق سميت بأسماء شخصيات وأحداث تتعلق بمقاومة الفرنسيين. وإلى جانب تمثال يوسف العظمة في هيئة الأركان وتمثاله في ساحته وسط دمشق وأسماء معالم تخص قادة الاستقلال مثل شكري القوتلي وسلطان باشا الأطرش وصالح العلي وإبراهيم هنانو، سمي شارع رئيسي باسم «شارع 29 أيار» تخليداً لقصف «جيش الشرق» التابع للانتداب الفرنسي للبرلمان في 1945، كما أطلقت الحكومة اسم «شارع الجلاء» على أفخم ممر فيها، حيث يقع القصر الرئاسي ومقر العدد من السفارات العربية والأجنبية، في مكان ليس بعيداً من السفارة الفرنسية.
قبل ذلك، كانت المرحلة الفيصلية، حيث حولت اسم «الجادة الرشادية» التي سميت باسم السلطان العثماني رشاد إلى «شارع خالد بن الوليد»، و«جادة جمال باشا» العثماني إلى «شارع النصر». لكنها أبقت سوقيين تاريخيتين، هما «الحميدية» نسبة إلى السلطان عبد الحميد و«مدحت باشا». كما ينهض قرب «الحميدية» تمثال كبير لصلاح الدين الأيوبي.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».