الخرطوم تتحسب لـ«وعود عرقوب» أميركية... وتطالب بالثمن قبل التطبيع

وزير خارجية السودان: الاتصالات لم تنقطع منذ زيارة بومبيو

TT

الخرطوم تتحسب لـ«وعود عرقوب» أميركية... وتطالب بالثمن قبل التطبيع

لم يحصل وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، على الأرجح، على ذلك الصيد «السمين»، الذي كان يأمل تحقيقه في الخرطوم، لتقديمه قرباناً لانتخابات الرئيس دونالد ترمب الوشيكة، ورغم التصريحات الرسمية فإن الرجل غادر وفي حقيبته «مقايضة غير معلنة» تقول: «طبعوا علاقاتنا مع العالم، ووفروا لنا الدعم، قبل أن نطبع علاقتنا مع إسرائيل».
وقال وزير الخارجية المكلف عمر قمر الدين ليومية «التيار» المستقلة، أمس، إن بومبيو وعد بحذف السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ودعوة كبرى الشركات الأميركية للاستثمار في السودان، وتقديم معونات مالية مباشرة، مقابل التطبيع مع إسرائيل.
وأضاف قمر الدين في حديثه للصحيفة المحلية أن الاتصالات لم تتوقف منذ مغادرة بومبيو للخرطوم، وهو ما يؤكد تصريحات نتنياهو، برغم أنه لم يبين أن الاتصالات الجارية مع تل أبيب أم واشنطن
وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية وقتها أن في أجندة الزيارة بشكل أساسي «حملة» للتطبيع بين دول عربية ودولة إسرائيل، وكانت تتوقع أن يكون السودان «الضعيف»، الخارج من ثورة شعبية، والذي تواجهه صعوبات اقتصادية وسياسية جمة، ويجاهد للعودة للنظام العالمي، ويدفع فاتورة وجوده في قائمة الدول الراعية للإرهاب، أن يدخل دائرة التطبيع، وبالتالي رفع أسهم الرئيس دونالد ترمب الانتخابية أمام اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأميركية.
وذكر مصدر لـ«الشرق الأوسط» أن كواليس لقاءات المسؤول الأميركي البارز تضمنت مطلبا بحذف اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وتقديم مساعدات مباشرة له، قبل بحث موضوع التطبيع مع إسرائيل، وهذا ما لمح إليه وزير الخارجية المكلف قمر الدين للصحيفة بقوله: «رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وضع أمام بومبيو شروطا محددة حول مكاسب السودان»، مبرزا أن بومبيو «وعد بمناقشة الشروط السودانية مع الجانبين الأميركي والإسرائيلي، قبل الرد على السودان».
أما حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وحاضنتها السياسية قوى «إعلان الحرية والتغيير»، فقد أعلنت رسمياً «رفضاً مهذباً» لطلب تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وقالت إنها كحكومة انتقالية «لا تملك تفويضاً لمناقشة قضية شائكة مثل تطبيع العلاقات مع إسرائيل»، وفاجأته بطلب آخر بعدم الربط بين التطبيع وحذف اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، أو هذا ما أخرجته للعلن، بينما أبقت الباب مواربا حين رهنت بحث الأمر بـ«إكمال هياكل الحكم الانتقالي»، تحسباً للتطبيع دون مقابل، وخشية «وعود عرقوب» الأميركية المتطاولة، دون إرهاصات برفع العقوبات عن السودان قريباً.
وبرغم الموقف المعلن، وإعلان الخرطوم أن الحكومة الانتقالية لا تملك تفويضاً لبحث قضية تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وأن مهامها لا تتعدى إنفاذ مهام الانتقال، دأب مسؤولون إسرائيليون على تأكيد استمرار التواصل بين قادة الخرطوم وتل أبيب. إذ نقلت صحف إسرائيلية أول من أمس عن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، أن السودان وتشاد وسلطنة عمان تتجه للتطبيع مع إسرائيل بعد الإمارات، وقال بهذا الخصوص: «هناك عدة محادثات مباشرة وغير معلنة مع القادة العرب والمسلمين لتطبيع العلاقات معنا، ومن بين هذه الدول السودان وسلطنة عمان». ، وهو تلميح إلى تمسك رئيس مجلس السيادة بموقفه المعلن، والذي نقلته عنه «الشرق الأوسط» بأنه يرى مصلحة السودان في تطبيع العلاقات مع إسرائيل.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».