بعد مرور نحو 15 دقيقة من المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا بين باريس سان جيرمان وبايرن ميونيخ، استقبل النجم الفرنسي كيليان مبابي كرة طويلة ومتقنة من زميله لياندرو باريديس، واستحوذ على الكرة ناحية اليسار واتجه بها لعمق الملعب. وعلى يمين مبابي، انطلق أنخيل دي ماريا على حافة منطقة الجزاء وكان خالياً تماماً من الرقابة على بُعد 18 ياردة فقط وكان يصرخ من أجل أن يحصل على الكرة، لكن مبابي لم يمرر الكرة له وأطلق تسديدة أرضية اصطدمت بلاعب بايرن ميونيخ جوشوا كيميتش.
وقبل نهاية المباراة بنحو 17 دقيقة، وفي ظل رغبة باريس سان جيرمان في إحراز هدف التعادل، استقبل نيمار الكرة على بُعد نحو 25 ياردة من المرمى. ومرة أخرى، انطلق دي ماريا في المساحة الخالية خلف ظهير بايرن ميونيخ، ألفونسو ديفيز، واتجه نحو القائم البعيد، في انتظار تمريرة تشبه تلك التمريرة التي أحرز منها كينغسلي كومان الهدف الوحيد في المباراة. وبدلاً من ذلك، سدد نيمار كرة عالية من مسافة بعيدة استقرت في المقاعد الخالية لملعب المباراة!
لكن السؤال الآن هو: هل من الظلم أن ننتقي لعبتين منفصلتين من مباراة مدتها 90 دقيقة للحكم على ما حدث في هذا اللقاء؟ في البداية، يجب أن نؤكد أن مبابي ونيمار صنعا فرصاً لا حصر لها لدي ماريا هذا الموسم. ويمكننا أن نضرب مثلاً على ذلك بالتمريرة الرائعة التي مررها نيمار لدي ماريا في مباراة الدور نصف النهائي لدوري أبطال أوروبا أمام لايبزيغ، وهي الفرصة التي كان يمكن لنيمار بكل سهولة أن يلعبها بنفسه ولا يمررها لزميله الأرجنتيني.
لكن عندما يستقبل اللاعب الكرة في المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا – خصوصاً عندما تكون هذه المباراة متكافئة ولا يوجد بها سوى القليل من الفرص - فإن القرار الذي يتخذه اللاعب في تلك اللحظات الحاسمة يكشف عن شخصيته الحقيقية بصفته لاعب كرة قدم.
ويجب التأكيد على أن مبابي ونيمار هما فقط من يعرفان ما كان يدور في ذهنيهما في تلك اللحظات، لكن الطريقة التي كانا ينظران بها إلى المرمى لحظة تسلمهما الكرة تشير إلى أن تفكيرهما كان فردياً تماماً. وفي تلك المباراة التي لم تشهد كثيراً من الفرص، استحوذ بايرن ميونيخ على الكرة بنسبة 60 في المائة من عمر اللقاء، والشيء الوحيد الذي تفوق فيه باريس سان جيرمان هو محاولات المراوغة (13 محاولة لباريس سان جيرمان مقابل 5 فرص فقط لبايرن ميونيخ). وفي أهم مباراة في تاريخ النادي الباريسي، كانت فلسفة النادي مع الكرة واضحة للغاية، وهي: ثق بنفسك.
ولماذا لا يعتمد النادي الفرنسي على هذه الفلسفة، وهو النادي الذي تجاوز عتبة المائة هدف في جميع المسابقات للموسم الثامن على التوالي، وفي السنوات الثلاث التي لعبها نيمار ومبابي معاً، فإنهما سجلا معاً 160 هدفاً، وخلال الفترة التي لعباها في النادي، تعلما أنه سيكون هناك دائماً كثير من الفرص للجميع، وبالتالي، فما الذي يدفعهما للتمرير الجانبي في الوقت الذي يمكنهما التسديد على المرمى وإحراز الأهداف ليصبحا بطلين للنادي؟
في الحقيقة، يلخص هذا المشهد - ومن نواحٍ كثيرة - الفلسفة التي يعتمد عليها باريس سان جيرمان منذ الاستحواذ القطري عليه في عام 2011.
وتعتمد هذه الفلسفة على الدفع بأكبر عدد ممكن من اللاعبين الموهوبين، الذين سيرجحون كفة الفريق في نهاية المطاف. لقد نجحت هذه الفلسفة بشكل مذهل في الدوري الفرنسي الممتاز، وربما ظهرت بشكل جيد إلى حد ما في المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا. لكن من نواحٍ كثيرة، تبدو هذه الفلسفة غريبة وبعيدة كل البعد عن الاتجاه السائد في كرة القدم الحديثة، التي باتت تعتمد على اللعب الجماعي المدروس، والذي يحقق النجاح في كثير من الأحيان.
وبينما بدأت كرة القدم تتجاوز حقبة ليونيل ميسي - كريستيانو رونالدو، فإن فكرة تكوين فريق بالكامل من اللاعبين الموهوبين المهرة بدأت تتلاشى بسرعة كبيرة، حيث تعتمد كرة القدم في الوقت الحالي على اللعب الجماعي المنظم والضغط العالي والهجوم الشرس، وهو أكثر الطرق ضماناً لتحقيق النجاح حالياً. وتعتمد معظم أفضل الفرق في أوروبا - أو على الأقل تلك الفرق التي تستغل مواردها أفضل استغلال - على اللعب الجماعي في الوقت الحالي، وهو ما تعتمد عليه أندية مثل مانشستر سيتي وليفربول وبوروسيا دورتموند وأتالانتا. وكان برشلونة نفسه يفعل ذلك في السابق، لكنه لم يعد يفعل ذلك الآن، وبالتالي وصل إلى الكارثة.
ربما كان هذا هو الفارق الأكبر بين بايرن ميونيخ وباريس سان جيرمان في المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا في لشبونة: فريق يلعب بشكل جماعي متقن، وفريق آخر لا يزال يبحث عن نفسه. لقد ظل بايرن ميونيخ يلعب بطريقته المعتادة حتى الدقائق الأخيرة من اللقاء، رغم حاجته لحماية تقدمه، وظل خط دفاعه يلعب بشكل متقدم بشكل استفزازي. وفي ظل تغيير باريس سان جيرمان عدداً كبيراً من المديرين الفنيين وخطط اللعب بشكل سريع، لم تكن هناك هوية ثابتة وواضحة للفريق. وربما كانت أقرب طريقة تميز الفريق هي تلك التي كانت تعتمد على التمرير القصير والمستمر تحت قيادة المدير الفني الفرنسي لوران بلان، والتي كانت تعتمد على خط وسط متوازن يضم كلاً من ماركو فيراتي وبليز ماتويدي وتياغو موتا.
وتحت قيادة المدير الفني الألماني توماس توخيل، اتخذ باريس سان جيرمان خطوات مؤقتة نحو أداء أكثر ديناميكية ومرونة، لكن لا تزال الفلسفة التي يعتمد عليها النادي غير مكتملة، نظراً لأن خط هجوم الفريق - سواء كان يضم في مقدمته زلاتان إبراهيموفيتش ونيمار - لم يضم يوماً ما 3 لاعبين قادرين على ممارسة الضغط القوي والمستمر على مدافعي الفرق المنافسة.
وبالتالي؛ فإن القضية تتعلق الآن بالشكل الذي يريد باريس سان جيرمان أن يكون عليه. فعلى مدار سنوات طويلة، كان النادي الباريسي قانعاً بأن يكون مجرد فريق يضم عدداً كبيراً من النجوم البارزين والأسماء الكبيرة، ولا يلعب بشكل جماعي، ويعتمد على المهارات الفردية فقط، ورغم ذلك، كان يتساءل دائماً عن الأسباب التي تجعله يفشل في المواجهات القوية بدوري أبطال أوروبا! في الواقع، لم يكن الدرس الحقيقي لمسيرة الفريق هذا الموسم تتمثل في فشله في المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا، لكنه يتمثل في مقدار التقدم الذي أحرزه في هذه الأثناء. وهذا هو الشيء الذي يتعلق بتمويل هذا النادي من قبل دولة بأكملها، وبالتالي يتعين عليه أن يتعلم الدرس أسرع من معظم الأندية الأخرى!
على سان جيرمان أن يتعلم... ليس بالنجوم وحدهم تُحصد البطولات
كرة القدم الحديثة باتت تعتمد على اللعب الجماعي المنظم وهو أكثر الطرق ضماناً لتحقيق النجاح
على سان جيرمان أن يتعلم... ليس بالنجوم وحدهم تُحصد البطولات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة