مرشدو سياحة لندن يعتمدون على المواطنين بغياب السيّاح

الدليل السياحي جويل روبنسون أثناء جولة تتبع آثار أشهر سفاح في العصر الفيكتوري «جاك ذا ريبر» (أ.ف.ب)
الدليل السياحي جويل روبنسون أثناء جولة تتبع آثار أشهر سفاح في العصر الفيكتوري «جاك ذا ريبر» (أ.ف.ب)
TT

مرشدو سياحة لندن يعتمدون على المواطنين بغياب السيّاح

الدليل السياحي جويل روبنسون أثناء جولة تتبع آثار أشهر سفاح في العصر الفيكتوري «جاك ذا ريبر» (أ.ف.ب)
الدليل السياحي جويل روبنسون أثناء جولة تتبع آثار أشهر سفاح في العصر الفيكتوري «جاك ذا ريبر» (أ.ف.ب)

يواجه العاملون في مجال الإرشاد السياحي بلندن كثيراً من المشكلات التي نتجت عن وباء «كوفيد-19». فعلى سبيل المثال، مع توقف حركة السياحة من خارج بريطانيا، توقفت كثير من الرحلات التي تدور حول أهم الأماكن في لندن، كقصر باكنغهام وجسر لندن. ولكن السياح من داخل بريطانيا بدأوا في شغل بعض تلك الأماكن، حيث وصلت نسبتهم إلى 80 في المائة من المشاركين في الرحلات السياحية، بحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.
أحد هؤلاء المرشدين، ويدعى جويل روبنسون، درس التمثيل، لكنه شغوف بالتاريخ والقيام بجولات تاريخية، مثل الجولة التي تتبع آثار أشهر سفاح في العصر الفيكتوري (جاك ذا ريبر). وفي جولة أخيرة، شارك فيها 9 أشخاص فقط، بدأ مخاطباً أفرادها ممازحاً: «لا أدري إذا كنتم تعلمون، لكننا نشهد حالياً جائحة».
وبعد هذه المقدمة، لا يلبث جويل الذي يعمل مع شركة «لندن وذ إيه لوكل» أن يشرح للمشاركين التسعة في الرحلة قواعد التباعد الاجتماعي المطلوب اتباعها، ويدعوهم إلى وضع الكمامات والقفازات، مع أنه شخصياً لا يضع هذه ولا تلك، ثم يقدّم شرحاً عن برج لندن، موقع لقاء المشاركين وانطلاق الرحلة.
وعبر الأزقة المضاءة جيداً في عصرنا التي تنتشر على جوانبها مبانٍ جديدة، يقود جويل المشاركين على خطى مجرم منطقة وايت تشابل الذي قتل 5 نساء عام 1888، ولم تُعرَف هويته يوماً.
وعلى غرار جويل روبنسون، يعاود المرشدون السياحيون في لندن عملهم بخجل، لكنهم يحرصون على تكييف خدماتهم مع القواعد الصحية الخاصة بجائحة «كوفيد-19»، وأن يراعوا توقعات الزبائن الذين باتت غالبيتهم من البريطانيين.
وإضافة إلى التدابير الصحية التي تحدّ من عدد المشاركين في الرحلات، طاول التغيير خصوصاً جنسية هؤلاء منذ الإحياء التدريجي للجولات السياحية بعد تخفيف إجراءات الحجر.
فالعزل الإلزامي الذي تفرضه بريطانيا على المسافرين الوافدين إليها من عدد من الدول يثني السياح الأجانب عن زيارة لندن، مما جعل نسبة البريطانيين بين المشاركين في الرحلات السياحية تصل إلى 80 في المائة «في حين كانت نسبة الأجانب 90 في المائة قبل الجائحة»، وفق ما تقوله الدليلة السياحية أوليفيا كالفرت لوكالة الصحافة الفرنسية.
ويعكس نك غارنر وزوجته آن هذا التحول الجذري، فالرجل والمرأة الخمسينيان وصلا حديثاً من إحدى ضواحي مانشستر لقضاء عطلة مدتها أسبوع في العاصمة لندن.
وتقول السيدة غارنر بعد انتهاء رحلة اكتشاف القاتل اللندني: «لولا (كوفيد-19) لكنا على الأرجح سافرنا إلى الخارج».
وتشكل رحلة «جاك السفاح» إحدى الرحلات الأكثر شعبية لدى شركة «لندن وذ إيه لوكل»، إلى جانب رحلة هاري بوتر، وأخرى في حي سوهو الشهير.
فالبريطانيون «يعرفون المعالم الشهيرة في لندن، ويريدون اكتشاف أمور أخرى» خلال زيارتهم العاصمة، بحسب أوليفيا كالفرت.
ويشاركها الاستنتاج عينه الدليل المستقل أنتوني روبنز الذي يتعاون مع شبكة «بلو بادج» (الشارة الزرقاء) الراقية، فالرحلات توقفت من وستمنستر إلى قصر باكنغهام، ومن قصر باكنغهام إلى «تاور بريدج»، نظراً لانعدام الطلب عليها.
فالرحلة التي نظمها روبنز الثلاثاء، وهي الأولى لروبنز منذ شهر مارس (آذار) الفائت، وقد رافق خلالها سيدة شابة وأمها، تمحورت مثلاً على موضوع المطبخ، وشملت عدداً من مطاعم لندن ومتاجر الحلويات فيها.
يقول روبنز لوكالة الصحافة الفرنسية: «نكيف طريقة عملنا لأننا مضطرون إلى ذلك»، ويضيف: «الزبائن المحليون هم الذين يريدون ذلك».
وإذا كان بعض المرشدين قد تمكنوا من معاودة نشاطهم، فإن الوضع لا يزال مقلقاً لكثير من هؤلاء العاملين في القطاع السياحي، وهم بمعظمهم مستقلون يعولون على نشاط المتاحف الكبرى.
فمن شركة «لندن وذ إيه لوكل»، عاود 6 أدلة فحسب عملهم، ويبلغ عدد رحلاتهم أسبوعياً نصف ما كان عليه سابقاً. ولم تعاوَد مثلاً الجولات باللغة الإسبانية، نظراً إلى أن بريطانيا وضعت إسبانيا منذ يوليو (تموز) الفائت على لائحة الدول التي ينبغي على المسافرين الآتين منهم تنفيذ فترة عزل إلزامية.
ويقول بيبي مارتينيز، وهو أيضاً دليل مستقل يحمل «الشارة الزرقاء»: «نظمت 46 رحلة في يونيو (حزيران) 2019. أما خلال الشهر نفسه من السنة الحالية، فلم أستطع أن أنظّم سوى 8 رحلات فحسب، علماً بأن 6 من هذه الرحلات كانت افتراضية»، من خلال تطبيق فيديو، على ما روى لوكالة الصحافة الفرنسية.
وقد ترك غياب السياح الأميركيين أيضاً للسبب نفسه فراغاً ملحوظاً، وفوّت على الأدلة أرباحاً كبيرة، نظراً إلى أن لدى هؤلاء السياح ثقافة البقشيش.
وتوقعت هيئة تشجيع السياحة في بريطانيا «فيزيت بريتين»، الثلاثاء، أن يبلغ الانخفاض في عدد السياح في 2020 نسبة 73 في المائة، وأن يصل الربح الفائت 24 مليار جنيه إسترليني.
ونبه المجلس العالمي للسفر والسياحة، الأربعاء، من أن ثمة خطراً على وظائف ثلاثة أرباع العاملين في القطاع السياحي البريطاني الذين يبلغ عددهم الإجمالي نحو 4 ملايين.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».