الأجواء الأسطورية تفرض نفسها على معرض «إيف 2020» بالقاهرة

يضم 54 لوحة زيتية عن المرأة للفنان وليد جاهين

الأجواء الأسطورية تفرض نفسها على معرض «إيف 2020» بالقاهرة
TT

الأجواء الأسطورية تفرض نفسها على معرض «إيف 2020» بالقاهرة

الأجواء الأسطورية تفرض نفسها على معرض «إيف 2020» بالقاهرة

للمرأة في الفن التشكيلي حضور عميق يعكس برمزيته معنى الجمال والحياة والطبيعة، وهو ما نلمسه جلياً في أعمال الفنان الدكتور وليد جاهين، حيث تسيطر على مسطح لوحاته منذ عام 2011 ربما تأثراً بدور المرأة البارز خلال الأحداث التي شهدتها مصر في تلك الفترة الزمنية.
وفي معرضه «إيف 2020» الذي تستضيفه حالياً قاعة صلاح طاهر بدار الأوبرا المصرية (وسط القاهرة)، ويستمر حتى 28 أغسطس (آب) الحالي، نلتقي بلوحات باعثة على التأمل بما تقدمه من مزج بين حالات ثرية ذات طابع أسطوري للمرأة، مجسداً عبرها محاورة فنية بين الحضارتين المصرية والإغريقية؛ إذ ينقسم المعرض رقم 16 للفنان الذي يأتي بمناسبة مرور 20 سنة على أول معرض فردي له، إلى قسمين، استلهم لوحات القسم الأول من ملحمتي «الإلياذة والأوديسا» مسلطاً الضوء على الصفحات الأولى من «الإلياذة» التي تتحدث عن الآلهة الأربعة والموسيقى، وفيها تظهر الشخوص مطموسة بثنيات القماش، أما القسم الآخر فيعكس تأثره الواضح بالحضارة الفرعونية، حيث يقدم المرأة قريبة من الشكل الذي قدمها به المصري القديم على جدران المقابر والمعابد من حيث القوام والطول والحركة والملابس، والألوان. ويلتقي المشاهد بملكات مثل نفرتاري.
وبذلك يربط بين قسمي المعرض الذي يضم 54 عملاً من الأجواء الأسطورية التي تمنح المرأة مكانة وخصوصية في التناول الفني؛ ولذلك اختار للمعرض اسم «إيف» وهو النسخة الإنجليزية للاسم اللاتيني «إيفا» أو الأنثى، وحول ذلك يقول «لم اختر أسم حواء متعمداً؛ لأنني لا أخاطب الثقافة العربية وحدها، ولا أنطلق منها بمفردها، إنما ثمة حوار بين الحضارات والثقافات المختلفة على مسطح اللوحات».
ويأتي ذلك في إطار استمرار بحث جاهين، الأستاذ بقسم التصوير كلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية، عن الهوية وتأكيدها عبر أعماله، فبعد مرور خمس سنوات على معرضه «إلى الآخر» الذي احتفى فيه بالهوية ها هو يعود الآن ليفتش عنها مرة أخرى، وربما وجد كفنان سكندري ينتمي إلى مجتمع مدينة الإسكندرية (شمال مصر) الذي عُرف على مدى عصور طويلة بتعدد الجنسيات والحضارات به، وأن مصر وإن كانت شديدة الاختلاف والخصوصية فإنها منفتحة على العالم، يقول الدكتور وليد جاهين لـ«الشرق الأوسط»، «لم يأت بحثي عن الهوية في المعرض أكاديمياً بحتاً؛ لأن ذلك غير مطلوب في الفن، لكن في الوقت نفسه لا بد أن يكون للفن جذور وأصول ينتمي إليها؛ لكيلا يتحول إلى نسخة مقلدة من الآخرين، فنحن فجر الضمير الإنساني، وأرى أن دور الفنان المصري هو تذكير العالم بذلك، لا سيما أننا نعيش في ظل ثورة الاتصال».
ومن بين الأعمال التي تأخذنا إلى الحضارة الغربية لوحة «فتاة من عصر النهضة الأوروبية» وفيها تظهر فتاة ترتدي ثوباً باللون الأزرق تحرك يدها نحو الفراغ، وعلى جسمها وشاح أبيض طويل، بينما تطل اللوحة على نافذة تقودنا إلى فضاء السماء، تتمتع اللوحة بزخم لوني واستغراق في التفاصيل.
ويقابلها لوحة أخرى هي الأقرب إلى الحضارة الفرعونية، حيث تجسد امرأة طويلة القامة تسير في ثقة على مربع أبيض مضيء، تقبض بيديها على نبات الصبار بنعومة كما لو كانت تحمل بين يديها زهرة أو ثمرة فاكهة في رمزية إلى قوتها وتحملها للمصاعب.
وتُعد التقنية التي استخدمها جاهين رابطاً آخر بين قسمي المعرض، حيث يضيف إلى التصوير الزيتي مزيجاً من الفحم وأوراق الذهب والفضة التي يلصقها على اللوحة، مستخدما الزخارف والتفاصيل والموتيفات، لا سيما من الفن الفرعوني، ومن ذلك أشكال «الحلزونات» و«الزجزاج» على ملابس النساء، وهي زخارف تزخر بها المقابر المصرية، ومن ذلك مقبرة «ميروركا» بسقارة، يقول «قد يعتقد المتلقي أن النقوش والزخارف باللوحات وليدة الأمس، لكنها في الحقيقية هي وليدة 7 آلاف سنة حضارة».
والأمر يسري أيضاً على بالتة ألوان اللوحات، حيث نعثر بوضوح على قوة حضور اللون الأصفر تأثراً بالحضارة الفرعونية، إضافة إلى الألوان «المونوكروم» أو ذات اللون الواحد متعدد الدرجات، لكنه لا يقدم في أعماله منظوراً أو أبعاداً محددة، انطلاقاً من رؤية جديدة معاصرة.
ولا يستبعد الدكتور وليد جاهين استمرار تناوله للمرأة في معارضه المقبلة، ويقول «لا يوجد عمل فني لا يرتبط بالمرأة؛ لأنها نموذج الجمال ورمز الحياة؛ ولذا لا أستبعد استمرار احتفائي بها على أن يكون ذلك تماهياً مع قضايا مجتمعي وبحثي عن الهوية».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».