لبنان بانتظار زيارة ماكرون الثانية لـ«وقف الانهيار»

تشديدات على أن لا مصلحة للقوى السياسية في التعامل مع نصائحه كأنها لم تكن

ماكرون يزور لبنان ثانية في سبتمبر المقبل (رويترز)
ماكرون يزور لبنان ثانية في سبتمبر المقبل (رويترز)
TT

لبنان بانتظار زيارة ماكرون الثانية لـ«وقف الانهيار»

ماكرون يزور لبنان ثانية في سبتمبر المقبل (رويترز)
ماكرون يزور لبنان ثانية في سبتمبر المقبل (رويترز)

يواكب السفير الفرنسي لدى لبنان برونو فوشيه الاتصالات المفتوحة التي يجريها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون برؤساء الجمهورية ميشال عون والمجلس النيابي نبيه بري والحكومة المستقيلة حسان دياب وبعدد من المرجعيات السياسية، تمهيداً لعودته مجدداً إلى بيروت في أوائل الشهر المقبل استكمالاً للجهود التي قام بها في زيارته الأولى التي أعقبت الانفجار المدمّر الذي استهدف بيروت في محاولة لحثه جميع الأطراف المعنية على الانخراط في إعادة إعمارها من خلال التوافق على خطة إنقاذية لوقف الانهيار المالي والاقتصادي تتولى تنفيذها حكومة جديدة قادرة على اتخاذ القرارات.
وتأتي اللقاءات التي يقوم بها السفير الفرنسي في إطار استكشاف النيّات لدى الأطراف القادرة على توفير كل شروط الدعم للحكومة العتيدة للتأكد مما إذا كانت زيارة ماكرون الأولى للبنان قد فعلت فعلها في اقتناعها بضرورة مراجعة حساباتها واستقراء آفاق المرحلة المقبلة التي لم تعد كسابقاتها من المراحل في ضوء ما خلفته الكارثة التي حلّت ببيروت من خسائر بشرية ودمار غير مسبوق.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصدر أوروبي بارز مواكب للأجواء التي سادت المحادثات التي أجراها ماكرون في زيارته الأولى بأن الزيارة الثانية للرئيس الفرنسي ما زالت قائمة في موعدها لكن من الأفضل بأن يصار التحضير لها في إحداث خرق يسبق مجيئه على الأقل لجهة مبادرة الرئيس عون إلى تحديد موعد لإجراء الاستشارات النيابية المُلزمة لتسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة.
وقال المصدر الأوروبي إن الوقت ليس لمصلحة المنظومة الحاكمة أو القوى السياسية المعارضة، ورأى أنه من غير الجائز عدم مبادرة الجميع إلى ملاقاة ماكرون في منتصف الطريق، وهذا لن يتحقق إلا بإقرار عون وفريقه السياسي بأن تذرّعه في تحديد موعد لبدء الاستشارات النيابية المُلزمة في إجراء مشاورات سياسية تسبقها لتسهيل عمليّتي التكليف والتأليف ليس في محله، خصوصاً أن هذه المشاورات ليست ظاهرة للعيان.
ولفت إلى أن جميع الأطراف أكانت محسوبة على الموالاة أو المعارضة باتت مأزومة وأن النكبة التي حلت ببيروت باتت تحاصرها وأصبحت عاجزة عن الخروج منها، وهذا ما برز من خلال إحجامها عن النزول إلى الشارع على الأقل للتضامن مع المنكوبين الذين فاجأتهم كارثة الانفجار المدمّر في مرفأ بيروت.
وقال المصدر نفسه إن الطبقة السياسية باتت محاصرة ولم يعد أمامها من مفر إلا بتسهيل مهمة ماكرون المدعومة من المجتمع الدولي، وهذا يتطلب منها أن تتوارى على الأقل مرحلياً عن الحضور بكل ثقلها في الحكومة الجديدة أو بأسماء مكشوفة في انتماءاتها لأن المزاج الشعبي ليس في وارد أن «يبلعها».
ورأى المصدر أنه لا مصلحة للقوى السياسية التقليدية أن تتعامل مع النصائح التي أسداها لها في جولته الأولى وكأنها لم تكن، وقال إن جميع هؤلاء في حاجة إلى تعويم، وقال إن مجرد إشعارها ماكرون بأنها ما زالت تتموضع في المربّع الأول قد يضطر إلى إعادة النظر في عودته إلى بيروت على وجه السرعة.
ومع أن المصدر الأوروبي ينأى بنفسه عن التدخّل في الحكم الذي أصدرته المحكمة الدولية في جريمة اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، يقول في المقابل إنه لا قدرة لهذا الطرف أو ذاك على تعطيل تشكيل الحكومة الجديدة على قاعدة الاتفاق المسبق على برنامجها لإعادة إعمار بيروت وتحقيق الإصلاحات ومكافحة الفساد وتمكين الدولة من أن تستعيد هيبتها التي فقدتها بسبب الانفجار في مرفأ بيروت الذي أدى إلى إحراجها محلياً ودولياً لغياب الحضور الفاعل لأجهزتها في المرافئ وأيضاً في مطار رفيق الحريري.
وأوضح المصدر أن لبنان لا يحتمل إقحامه في لعبة تقطيع الوقت، خصوصاً إذا ما أرادت طهران ترحيل تشكيل حكومة إنقاذية إلى ما بعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية، وقال إن «حزب الله» لا يستطيع مراعاة حليفه النظام الإيراني في حال قرر الخوض في مغامرة انتحارية لأن الوضع المأزوم ينسحب على الحزب كما على الآخرين.
ناهيك بأنه لا قدرة لإيران أو غيرها على تعطيل التحرّك الفرنسي لأنها مأزومة ولم تحرك ساكناً حيال اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني في العراق الذي تلازم مع وجود رئيس الحكومة الحالي مصطفى الكاظمي على رأس جهاز الاستخبارات العراقية.
كما أن إيران لم ترد على الحملة المشتركة للجيشين العراقي والأميركي ضد الحشد الشعبي الموالي لها مع تولي الكاظمي لرئاسة الحكومة، إضافة إلى صمتها حيال الانفجارات المتنقلة التي استهدفت منشآت إيرانية في عدد من المدن.
لذلك، هل تشكل زيارة الكاظمي لواشنطن أول مؤشر للتفاوض بالنيابة عن طهران مع واشنطن كبديل عن دور سلطنة عُمان في هذا الخصوص، من دون التوقف أمام مصادرة الإدارة الأميركية لشحنات النفط الإيراني إلى فنزويلا التي تزامنت مع وجود وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في بيروت، لتمرير رسالة بأن بلاده لن تغيب عن المشهد السياسي اللبناني في استضافته لمساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد هيل.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.