أسرار من فيلم «بلَيد رَنر»... عندما صوّر ريدلي سكوت مدينة من المطر والنمل

ريدلي سكوت يعاين مشهداً
ريدلي سكوت يعاين مشهداً
TT

أسرار من فيلم «بلَيد رَنر»... عندما صوّر ريدلي سكوت مدينة من المطر والنمل

ريدلي سكوت يعاين مشهداً
ريدلي سكوت يعاين مشهداً

عندما اختار المخرج ريدلي سكوت تحقيق فيلم عن رواية الكاتب فيليب ك. دِك «هل يحلم الأندرويدز بالغنم الكهربائي» (Do Androids Dream of Electric Sheep) سنة 1982. وجد نفسه أمام اختيارات عدّة تتجاوز، نوعاً وعدداً، مما اعتاد مواجهته في أفلامه السابقة.
كان انتهى من الثريلر التاريخي المتمثل في «المتبارزان» (The Duellists) قبل خمس سنوات وانتهى من الثريلر المستقبلي في «غريب» (Alien) قبل ثلاث سنوات. الحكاية التي بين يديه الآن تدور كذلك في المستقبل لكن أحداثها تقع على الأرض (سنة 2019!). صياد متخصص في اقتناص الرجال والنساء الذين هم في الحقيقة أندرويدز (إنسان أوتوماتيكي) تم نقلهم إلى كواكب بعيدة لكنهم هربوا منها وعادوا إلى الأرض. هذا قبل أن يكتشف الصيّاد ريك (هاريسون فورد) بأنه قد يكون هو بدوره أندرويد من حيث لا يعلم.
توقف المخرج سكوت عند ما هو معروف بـ«اللوك» (The Look). أي كيف يريد لهذا الفيلم الخيال - علمي أن يظهر على الشاشة. واختياراته الصعبة، كما قال لي في مقابلة تمّت قبل سبع سنوات (بعد انتهائه من تصوير فيلم آخر له هو The Counselor)، الأصعب كانت في هذا نطاق التصوير والتصميم والكيفية التي سيعالج فيها المؤثرات المطلوبة:
«شعرت بأني أرغب في فيلم يختلف عن باقي أفلام الخيال العلمي في أسلوبه البصري. حكايته المستقبلية تقع على سطح الأرض المنكوبة بالتلوّث البيئي وبالمطر الدائم والتي يغشوها غالباً الليل. أردت للفيلم أن يعكس تناقضاً كبيراً بين اللقطات التي سأختارها للفيلم وبين المعنى المتعارف عليه لفيلم خيال - علمي».
وهو أسر لمدير تصويره جوردان كروننوَذ بذلك وأعطاه طريقة أورسن وَلز في تصوير فيلمه الأول «المواطن كين» (1941) كمثال، ملاحظاً أن وَلز ومدير تصويره كرغ تولاند، اختارا ذلك التناقض الذي يترجم، في نهاية الأمر، إلى ذلك التناقض بين المضمون وبين طريقة تصويره. فذلك الفيلم كان سيرة حياة (ولو أنها عولجت كفانتازيا عن الحلم الأميركي الكبير) و«فيلم نوار» في الوقت ذاته. مزيج لم يعمد إليه لاحقاً سوى حفنة من المخرجين. السؤال الذي دار في بال سكوت ومدير تصويره هو إذا ما كان الأفضل تصوير «بلَيد رانر» بالأبيض والأسود. المشرف على المؤثرات الخاصّة تمنّى على سكوت أن يعمد لتصوير الفيلم باللونين الشهيرين لأفلام «النوار»، لكن سكوت، مدركاً أنه يتوجه لجمهور الفترة الذي قد لا يتفهم سبب تجاهل التصوير بالألوان لصالح الأبيض والأسود فكّر ثم عارض الفكرة وبحث مع مدير تصويره تلك «النظرة» التي على الفيلم استحواذها في اجتماعات متوالية مليئة بالتفاصيل.

شوارع مختلفة
من يشاهد الفيلم اليوم، أو شاهده منذ فترة قريبة بعدما أُطلق على أسطوانات أكثر من مرّة، سيلاحظ أن المسألة لم تكن مجرد خِيار سريع تم الاتفاق عليه. الفيلم يحتوي على عناصر شكلية كثيرة تتطلب لعباً في الإضاءة يؤمن هيمنتها. هناك الدخان المنبعث من أركان اللقطات الخارجية والمطر والإضاءة المعتمة (غالبها بعيداً عن الممثل ذاته) والأجواء عموماً.
أحد أبرز هذه العناصر، التي كان على مدير التصوير التعامل معها بالقدر ذاته من التفنن والحكمة عنصر الاكتظاظ السكاني لمدينة مثل نيويورك. في المستقبل لا يوجد «بعد آمن» بين البشر حتى ولو رغبوا. الشوارع مكتظة بكافة ألوان الناس وعناصرهم وعلى نحو لا يفصل بينهم إلا بمقدار ضئيل. كذلك بالسيارات التي تراوح مكانها بسبب ذلك الازدحام.
وصف سكوت أحد أهم مشاهد الفيلم في هذا الخصوص قائلاً إنه أراد للجموع أن تبدو مثل أسراب النمل. تمشي كما لو كانت بلا هدف. تسير متتابعة في الاتجاهين من دون أن يبرز منها أحد بذاته. في هذه المشاهد تدخل العمل المشترك ما بين مصممي المشاهد (يسمّونهم أيضاً مصممي الإنتاج) وبين فريق التصوير. كان على شوارع لوس أنجليس أن تبدو مختلفة عن الواقع، لكن مستمدة من هذا الواقع. هذا يعني أنها استندت إلى نماذج من الحياة وأشكالها ثم أضافت إليه المزيد منه. ذلك لأن الفيلم لا يريد وضع المشاهد في عالم متطوّر تقنياً ولا في بيئة غرائبية - فانتازية كاملة، بل أراد ربط المشاهد إلى الواقع ولتكن الغرابة ملك القصّة وحدها وليس شكلها.
من بين ما استقدمته من أشكال الحياة تلك أنوار «النيون» الموزعة في أركان الشارع (كشفت مجلة «أميركان سينماتوغرافي» حينها بأن العديد منها تم استئجاره من فيلم فرنسيس كوبولا «واحد من القلب»، 1981). وكل ذلك يعكس الجهد الفني الكبير الذي اشترك في تجسيده على الشاشة فريق العمل وفنييه وميّز الفيلم وما يزال.
في تلك المقابلة (الأخيرة بين ثلاث مقابلات حتى الآن) شرح المخرج كيف وجد أن تلك الأضواء الإعلانية عادة تستطيع أن تساهم في صنع الأجواء المطلوبة. قال: «المدن الكبيرة حول العالم تحفل بها إلى اليوم. ليس على النحو شبه الفوضوي الذي في الفيلم، لكن العديد منها لا يزال منتصباً فوق المباني وعلى جوانبها وفوق المحلات التجارية خصوصاً في الأسواق التجارية. لا أعتقد أنه كان بإمكان الفيلم أن يعكس الوضع الاجتماعي والبيئي للمدينة في المستقبل من دون توزيع تلك الأضواء والإكثار منها».
العديد من الأضواء كانت باللغة الصينية، وبعض المارة تحتها كذلك لا تأكيداً على التنوّع العرقي الشديد الذي تعيشه المدينة فقط (هذه الأيام) بل ازدياد نسبة «غير البيض» منهم. كأي مخرج جيد، ترك سكوت للمشاهد استنتاج ما يراه. يكفيه أنه اختار مضمون المشهد ولن يزيد عليه حرفاً.

الماضي ـ الحاضر
«بلَيد رَنر» هو فيلم مضامين كما هو فيلم كيفية إبراز تلك المضامين في عمل مستقبلي لكنه واقعي، نسبة لما هو مُنتظر لمدن العالم التحتية. المضامين حرّكت سكوت وفريقه لابتكار الوسائل التي تتماشى مع المضمون. لذلك لم تكن الحيلة في أي كاميرا استخدم (للمناسبة تم استخدام كاميرا بنظام بانافيجيشن وبعرض 70مم) بل كيف يستطيع أن يصنع منها ما يوافق المطلوب.
لذلك نلاحظ كثرة استخدام الفيلم للإضاءة الخلفية الكافية لتبيان الشخص وليس لتسليط الضوء على وجهه. وغالباً، إذا ما كان المطلوب هو لقطة أمامية للوجه، عالج الوجه بإنارة ناعمة مبقياً الإضاءة الخلفية كمصدر أقوى. ما يوافق المطلوب هو كل قرار يؤيد، عبر الكاميرا والتصاميم والمؤثرات، ما يلتقي عضوياً بالمضمون. تحفة ريدلي سكوت تصوّر المستقبل (الذي وضعه في إطار العام الماضي، 2019) أدكن بكثير مما أقدمت عليه الأفلام الأخرى التي تحدثت، وبتكلّف واضح في معظم الأحيان) عن نهايات مماثلة للإنسان وقد فقد السيطرة على مقدّرات حياته. الصراع هنا (كالصراع في «2001: أوديسا الفضاء» الذي وضع الأحداث المستقبلية قبل نحو عشرين سنة من اليوم) قائم بين الإنسان وبين الأندرويدز. هذه الأخيرة باتت أكثر قدرة على التعامل مع الإنسان بتفوّق. البعض لا يرغب في أن يراها وقد عادت إلى الأرض لتبرهن عن مستوى ذكائها وقوّتها وقدراتها المختلفة.
يستلم رِك (هاريسون فورد) المهمّة الملقاة إليه من قبل رئيس البوليس (الراحل م. إيميت وولش) بالرفض ثم القبول تحت الضغط: عليه اكتشاف وجود أربع موديلات شبه بشرية تجوب شوارع المدينة وإبادتها. هذه الكائنات يقودها روي (روتغر هاور) وتتضمن زوراً (جوانا كاسيدي) وبريس (دارِل هانا) وليون (بريون جيمس). باقي الأحداث هو من نوع التحريّات البوليسية. تعقّب. دفاع عن النفس. مطاردات ومواقف خطرة. حين نضع كل هذه العناصر في حسباننا نخرج بفيلم شبه بوليسي يقوم، شكلياً، على فن «الفيلم نوار» (التسمية التي أطلقها أولاً نقاد فرنسا على الأفلام البوليسية المصوّرة بالأبيض والأسود المُنتجة في الأربعينات) وإطارياً في نوع الخيال - العلمي.
في تلك المقابلة سالت ريدلي سكوت:
«هل تعتقد أنك ستتمتع بالظروف الإنتاجية وبالفرصة الصحيحة لتحقيق فيلم كلاسيكي في نوعه كهذا الفيلم؟».
- افتراضياً وإذا ما توفرت تلك الظروف التي تذكرها، نعم. في الواقع، ذلك الفيلم سيقف وحيداً بين أعمالي حتى وإن حققت أفلاماً جيدة أخرى، وأنا أستطيع القول عن معظم أفلامي اللاحقة بأنها كانت جيدة أو أفضل من جيدة. سيبقى مختلفاً ومميّزاً بسبب العناية الفائقة التي قمنا بها لترجمة نص الكاتب إلى لغة سينمائية خاصّة».
بعد أربع سنوات من المقابلة قام بدور المنتج المنفّذ لفيلم استكمالي عنوانه Blade Runner 2049 قام بإخراجه الكندي دنيس فينييف. جيد بالتأكيد لكنه مختلف عن الأصل أيضاً.



«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم
TT

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم

حقق فيلم الرعب والإثارة «يوم 13» مفاجأة خلال الأيام الماضية في شباك التذاكر بمصر، حيث حصد أعلى إيراد يومي متفوقاً على فيلم «هارلي» لمحمد رمضان، الذي لا يزال محتفظاً بالمركز الأول في مجمل إيرادات أفلام موسم عيد الفطر محققاً ما يزيد على 30 مليون جنيه مصري حتى الآن (نحو مليون دولار أميركي)، بينما يطارده في سباق الإيرادات «يوم 13» الذي حقق إجمالي إيرادات تجاوزت 20 مليون جنيه حتى الآن.
ويعد «يوم 13» أول فيلم عربي بتقنية ثلاثية الأبعاد، وتدور أحداثه في إطار من الرعب والإثارة من خلال عز الدين (يؤدي دوره الفنان أحمد داود) الذي يعود من كندا بعد سنوات طويلة باحثاً عن أهله، ويفاجأ بعد عودته بالسمعة السيئة لقصر العائلة المهجور الذي تسكنه الأشباح، ومع إقامته في القصر يكتشف مغامرة غير متوقعة. الفيلم من تأليف وإخراج وائل عبد الله، وإنتاج وتوزيع شركته وشقيقه لؤي عبد الله «أوسكار»، ويؤدي بطولته إلى جانب أحمد داود كل من دينا الشربيني، وشريف منير، وأروى جودة، كما يضم عدداً من نجوم الشرف من بينهم محمود عبد المغني، وفرح، وأحمد زاهر، ومحمود حافظ، وجومانا مراد، ووضع موسيقاه هشام خرما.
وقال مخرج الفيلم وائل عبد الله في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه ليس متفاجئاً بالإيرادات التي حققها الفيلم، ولكنه كان متخوفاً من الموسم نفسه ألا يكون جيداً، قائلاً إن «إقبال الجمهور حطم مقولة إن جمهور العيد لا يقبل إلا على الأفلام الكوميدية، وإنه يسعى للتنوع ولوجود أفلام أخرى غير كوميدية، وإن الفيصل في ذلك جودة الفيلم، مؤكداً أن الفيلم احتل المركز الأول في الإيرادات اليومية منذ انتهاء أسبوع العيد».
وكشف عبد الله أن الفيلم استغرق عامين، خلاف فترات التوقف بسبب جائحة كورونا، وأنه تضمن أعمال غرافيك كبيرة، ثم بعد ذلك بدأ العمل على التقنية ثلاثية الأبعاد التي استغرق العمل عليها عشرة أشهر كاملة، مؤكداً أنه درس طويلاً هذه التقنية وأدرك عيوبها ومميزاتها، وسعى لتلافي الأخطاء التي ظهرت في أفلام أجنبية والاستفادة من تجارب سابقة فيها.
وواصل المخرج أنه كان يراهن على تقديم الفيلم بهذه التقنية، لا سيما أن أحداً في السينما العربية لم يقدم عليها رغم ظهورها بالسينما العالمية قبل أكثر من عشرين عاماً، موضحاً أسباب ذلك، ومن بينها ارتفاع تكلفتها والوقت الذي تتطلبه، لذا رأى أنه لن يقدم على هذه الخطوة سوى أحد صناع السينما إنتاجياً وتوزيعياً، مشيراً إلى أن «ميزانية الفيلم وصلت إلى 50 مليون جنيه، وأنه حقق حتى الآن إيرادات وصلت إلى 20 مليون جنيه».
ورغم عدم جاهزية بعض السينمات في مصر لاستقبال الأفلام ثلاثية الأبعاد، فقد قام المخرج بعمل نسخ «2 دي» لبعض دور العرض غير المجهزة، مؤكداً أن استقبال الجمهور في القاهرة وبعض المحافظات للفيلم لم يختلف، منوهاً إلى أن ذلك سيشجع كثيراً على تقديم أفلام بتقنية ثلاثية الأبعاد في السينما العربية.