موجة الحر في لندن تقدم «قُبلة الحياة» لمطاعمها

انتقال الطاولات إلى الطرقات في الهواء الطلق

إقبال كبير على زيارة الريف الإنجليزي وتناول الوجبات في الحدائق
إقبال كبير على زيارة الريف الإنجليزي وتناول الوجبات في الحدائق
TT

موجة الحر في لندن تقدم «قُبلة الحياة» لمطاعمها

إقبال كبير على زيارة الريف الإنجليزي وتناول الوجبات في الحدائق
إقبال كبير على زيارة الريف الإنجليزي وتناول الوجبات في الحدائق

تأثر قطاع المطاعم والسياحة والفنادق بالدرجة الأولى بسبب فيروس «كورونا» الذي أدى إلى إقفال العديد من الشركات المالكة لأكبر أسماء المطاعم في بريطانيا مثل «زيزي» و«كارلوتشيو» و«بايرن» و«بريت أمنجيه» وغيرها الكثير من المطاعم الصغيرة والكبيرة على حد سواء.
وبعد إعادة فتح المطاعم، كان هناك ترقب لحالة المشهد العام للأكل خارج المنزل، خصوصاً أن الناس تأقلموا مع ما فرضه الحجر المنزلي عليهم ووجدوا راحة في الأكل في بيوتهم، فكان لا بد للمطاعم من إيجاد بعض الأفكار لجذبهم من جديد بعد المحاولة الأولى خلال الحجر من خلال توصيل الطعام إلى المنازل، واليوم وبمساعدة الحكومة تقدم المطاعم تخفيضات على الأسعار بالإضافة إلى تقديم لائحات طعام بأسعار تنافسية، وساعدت البلديات المحلية أيضاً في السماح للمطاعم بالاستيلاء على أقسام كبيرة من الشوارع لوضع الطاولات في الخارج، وحوّلت معظم شوارع وسط المدينة إلى مقاهٍ في الهواء الطلق مع تضييق المساحات المخصصة للسيارات وتأمين أرصفة أوسع للمشاة للمحافظة على التباعد الاجتماعي.
ومن المعروف عن لندن أن مناخها مخيّب للآمال لأنه متقلّب ولا تتمتع البلاد بفصول حقيقية، إلا أن القدرة الإلهية ساعدت أصحاب المطاعم وخففت عنهم خسائرهم بعدما ضربت بريطانيا موجة حر قوية سهّلت الجلوس في الخارج ولو أن درجات الحرارة كانت عالية جداً لبلد وبيوت غير مهيأة للحر مثل بريطانيا.
إذا زرت منطقة «كوفنت غاردن» سوف تفاجأ بالكم الهائل للطاولات التي تصطف في وسط الشوارع المتفرعة عن الساحة الرئيسة «بلازا»، ونفس الشيء تجده في محيط متجر «سيلفردجز» بحيث يقوم عناصر أمن بوضع حواجز حديدية أمام السيارات لتحويل الشارع المؤدي إلى ساحة «سانت كريستوفر» إلى شارع للمشاة والطعام في الخارج.
الأكل في الهواء الطلق لا يقتصر على العاصمة ووسطها فحسب، إنما يمتد إلى تخومها وريفها الجميل، فقد تبنّت مطاعم كبرى مبدأ الأكل في الخارج على غرار فندق «فورسيزونز» الواقع في هامشير في إنجلترا الذي يقوم حالياً بتنظيم الطعام لفترتي الغداء والعشاء في هواء الطبيعة المحيطة بالفندق.
الفندق ساعده الموقع الريفي والمناخ الحالي الجميل، فابتدع أفكاراً جميلة للباحثين عن الطعام اللذيذ بين أحضان الطبيعة. ومن الممكن حجز العشاء أو الغداء لشخصين أو ما أقصاه 12 شخصاً لأنه لم يُسمح للتجمعات الكبرى في البلد بعد.
المعروف عن هذا الفندق الواقع في قلب الريف الإنجليزي وعلى بُعد نحو ساعة وربع من وسط المدينة أنه يقدم الطعام الذي تستعمل فيه المكونات المحلية التي يؤتى بها من المزارع المجاورة، كما أن الديكور في المطعم الرئيس للفندق جميل ويتناغم مع بيئته، وفي ظل الظروف الراهنة نقل الفندق هذه الأجواء إلى الخارج، وقام الشيف التنفيذي بخلق لائحة طعام خاصة مؤلفة من ثلاثة أطباق للشخص الواحد ويتولى نادل خاص خدمة كل مجموعة من الذواقة.
ولمحبي الباربكيو يقدم «فورسيزونز» المشاوي في عطلة نهاية الأسبوع، وهذه الفكرة مخصصة للعائلات. والجميل أن الزهور الطبيعية التي تزيّن الجلسة في الخارج تزيد من روعة وسحر المكان وتقوم بتنسيقها الإخصائية اللبنانية يفنيغ المعروفة في أوساط لندن بتصميمات الورد الرائعة للمناسبات الكبرى.
وإذا كنت من محبي البيك نيك فإن الفندق يقدم أيضاً فرصة أكل الساندويتشات بالإضافة إلى لائحة خاصة بالصغار التي تحمل توقيع «ويني ذا بو»، إضافةً إلى ساندويتشات النوتيلا والمربى الإنجليزية وزبدة الفستق. وإذا وقع خيارك على البيك نيك فستكون لديك حرية الجلوس في أي مكان تريده على العشب الأخضر الذي يغطي مساحات شاسعة في محيط الفندق.
وفي ظل الظروف الراهنة هناك إقبال غير مسبوق على زيارة الريف الإنجليزي مع تراجع السياحة الخارجية ورواج السياحة الداخلية واستطاع الفندق المزج ما بين تجربة الطعام والتمتع بالطبيعة الخلابة وتمضية اليوم بالكامل خارج لندن.



«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.