مصممو المجوهرات يتصدون للعنف بالجمال

تبرعات وحملات لإعادة الأمل للبنانيين

حلق من تصميم سليم مزنر
حلق من تصميم سليم مزنر
TT

مصممو المجوهرات يتصدون للعنف بالجمال

حلق من تصميم سليم مزنر
حلق من تصميم سليم مزنر

لم يكن بإمكان المصممين اللبنانيين، سواء الذين سلمت ورشاتهم وبيوتهم أو المقيمين بالخارج، الوقوف مكتوفي الأيدي إثر فاجعة بيروت في الرابع من شهر أغسطس الحالي. فالكارثة لم تُفجر حبهم لوطنهم فحسب بل أيضا طاقتهم ورغبتهم في البناء والتصدي للقُبح بالجمال. جاءتهم الوسيلة على طبق من ذهب عندما اقترحت عليهم المصممة الدنماركية ومؤسسة موقع المجوهرات «أوفرتير» Auverture بيبي فان دير فيلدن، فكرة إطلاق حملة تبرعات على الموقع الإلكتروني يذهب ريعها كاملا لمنظمة التغذية والصليب الأحمر بلبنان. سارعوا بمباركة الفكرة التي تلخصت في تبرعهم بقطعة مجوهرات من تصميمهم، تباع على شكل ورقة يانصيب مبلغها 50 دولارا أو يورو أو جنيها إسترلينيا حسب عملة البلد الذي يتواجد فيها المشتري.
انضم إلى الحملة مصممون من كل أنحاء العالم مثل دانييلا فيلغاس وأليس سيكوليني وغيرهما إلى جانب كل من اللبنانيين سليم مزنر وغايل خوري ونور فارس.
تقول المصممة بيبي فان دير فيلدن «لبنان مركز إبداع مهم في مجال المجوهرات، وتربطنا به علاقة وطيدة، لهذا كان من الطبيعي إطلاق هذه الحملة لمساعدة أصدقائنا في لبنان». كانت أول من تبرعت للحملة بخاتم من الذهب الأبيض يقدر سعره بـ8,408 جنيه إسترليني.
المصممة نور فارس أيضا تبرعت بخاتم من الذهب الأبيض ومرصع بالماس يقدر سعره بـ5.271 جنيه إسترليني. اختارته خصيصا لتصميمه الدائري، الذي يوحي بالوحدة التي كانت دائما «ملاذ اللبنانيين في وجه الفساد والمصاعب» حسب قولها. وتضيف أنها قضت الأسبوع الماضي كله، وهي تحاول زيادة الوعي بمعاناة اللبنانيين ومساعدة المتضررين بأي شكل من الأشكال. حاليا تعمل على تأسيس موقع جديد يكون بمثابة منصة يقدم فيها خبراء ومعالجون نفسيون من كل أنحاء العالم خدماتهم لضحايا الانفجار. فهؤلاء كما تقول لم يعانوا فقط من جروح جسدية بل أيضا جروحا نفسية ستبقى آثارها معهم طويلا.
ورغم الوجع الواضح في صوتها، تقول غايل خوري إنه بالرغم من الوضع المزري حاليا، فإن الشعب اللبناني تعود على التحديات «فهناك علاقة قوية بين هذا الشعب والحياة». يوافقها الرأي سليم مزنر بالتذكير بأن لبنان مثل طائر الفينق قائلا «ستقوم قريبا قوية». دليله على قوله المتفائل هذا، أنه بدأ فعليا العمل على مجموعته لربيع وصيف 2021 حتى يشغل العاملين معه ويُشغلهم عن همومهم، مؤكدا أن الإبداع وسيلة حرب مهمة في مثل هذه الأوقات «علينا أن نقاوم العنف بالجمال».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».