ضعف السمع... العامل الأقوى للإصابة بالخرف

يؤدي إلى تدهور الذاكرة ومعالجته خطوة مهمة للوقاية منه

ضعف السمع... العامل الأقوى للإصابة بالخرف
TT

ضعف السمع... العامل الأقوى للإصابة بالخرف

ضعف السمع... العامل الأقوى للإصابة بالخرف

لا تزال الأوساط الطبية تعيد التذكير بأهمية المعالجة الطبية لحالات ضعف السمع والصمم لدى الأطفال والبالغين، وتعطي الأمر أهمية أكبر تفوق التي يُقدرها المُصابون بهذه المشكلة الصحية.

عوامل الخرف
وضمن عدد 8 أغسطس (آب) من مجلة «لانست» الطبية، أفاد تقرير «لجنة لانسيت 2020 للوقاية من الخرف، والتدخل، والرعاية» (The 2020 Lancet Commission On Dementia Prevention, Intervention, And Care) بأن من بين مجموعة عوامل الخطورة القابلة للتعديل (Modifiable Risk Factors) لارتفاع احتمالات الإصابة بالخرف، وعددها اثنا عشر عاملاً، فإن «ضعف السمع» احتل النسبة الأعلى في عمق التأثير الصحي للتسبب باحتمالات الإصابة بالخرف وضعف الذاكرة.
وأوضح التقرير أن مجموعة العناصر الرئيسية التالية: تدني مستوى التعليم، وارتفاع ضغط الدم، وضعف السمع، والتدخين، والسمنة، والاكتئاب، والخمول البدني، ومرض السكري، وندرة التواصل الاجتماعي، وتلوث الهواء، وإصابات الرأس في الحوادث، وتناول الكحول، تمثل في الواقع اثني عشر عامل خطورة كل منها «قابل للتعديل» للإصابة بالخرف، وأن استهداف الاهتمام بها جميعاً والتثقيف الطبي حولها لعموم الناس والعمل العلاجي على التخفيف من تأثيراتها الصحية، يُثمر خفض احتمالات الإصابة بالخرف وتأخير الإصابة به بنسبة تتجاوز أكثر من 40 في المائة.
وعندما قام الباحثون بتقييم مدى مساهمة كل عامل خطورة من تلك العوامل الاثني عشر، في الإصابة بالخرف، مُعبراً عنه بالجزء المنسوب إلى السكان (Population Attributable Fraction)، كان لفقدان السمع التأثير الأكبر.

ضعف السمع والذاكرة
ومصطلح PAF يُقصد به «نسبة حصول مشكلة صحية ما (الخرف مثلاً) بين الناس، بسبب وجود عامل خطورة معين (ضعف السمع مثلاً) لديهم». ما يعني أن «عمق» تداعيات ضعف السمع على الذاكرة، أقوى ضرراً وتسبباً بالخرف مقارنة بمدى احتمالات تسبب أي من العوامل الأخرى بالخرف.
وعلق البروفسور جيل ليفينغستون، من كلية لندن الجامعية ورئيس فريق إعداد التقرير، بالقول: «الدليل على أن فقدان السمع هو أحد أهم عوامل خطورة الإصابة بالخرف، هو دليل قوي للغاية. وتظهر الدراسات الجديدة أن تصحيح فقدان السمع باستخدام السماعة يبطل أي خطر متزايد لضعف السمع مستقبلاً على الذاكرة».
وأضاف موضحاً أن «فقدان السمع مشكلة شائعة، وينطوي على مخاطر نسبية عالية للإصابة بالخرف، لذا هو يسهم بقدر كبير في حالات الخرف. وهذا جانب يمكننا تقليله بسهولة نسبياً عن طريق تشجيع استخدام المُعينات السمعيّة. يجب أن يكون الحصول عليها أكثر سهولة، وأكثر راحة، وأكثر قبولاً، وهذا يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً في الحد من حالات الخرف في المستقبل».
وعللوا تلك العلاقة بقولهم إن ضعف السمع قد يؤدي إلى انخفاض مستمر ومتطور في الإدراك المعرفي (Cognitive Decline) نتيجة تدني مستوى التحفيز المعرفي (Cognitive Stimulation). وعرض الباحثون مجموعة من الدراسات التي تتبعت لفترات طويلة، بعضها أكثر من 25 عاماً، علاقة ضعف السمع بالخرف. وقالوا: «تشير فترات المتابعة الطويلة في هذه الدراسات إلى أن استخدام السماعات (Hearing Aid) لعلاج ضعف السمع هو وسيلة وقائية لتخفيف احتمالات الإصابة بالخرف».

تدهور معرفي
ويقول الباحثون من «مايو كلينك»: «قد يُؤثِّر فقدان السمع تأثيراً كبيراً على نوعية الحياة، وقد يُعَبِّر البالغون الأكبر سناً المصابون بفقدان السمع عن الشعور بالاكتئاب. ونظراً لتسبُّب فقدان السمع في إحداث صعوبة في التواصل، فقد يشعر بعض الأشخاص بالعُزلة، وقد يرتبط فقدان السمع بالضعف والتدهور المعرفي (Cognitive Impairment). ولا يزال سبب الارتباط بين فقدان السمع والضعف المعرفي والاكتئاب والعزلة، يخضع للدراسة المكثَّفة. وتُشير البحوث الأولية إلى أن علاج فقدان السمع يُمكن أن يُؤثِّر تأثيراً إيجابياً على الأداء المعرفي، خصوصاً على الذاكرة».
ويوضح الدكتور كولين دريسكول، جراح الرأس والعنق في «مايو كلينك»، قائلاً: «فقدان السمع قد يسهم أيضاً في أعراض الخرف، ولطالما فكرنا في فقدان السمع على أنه مجرد أحد تلك الأمور التي تحدث مع تقدمنا في العمر، ولكن فقدان السمع يمكن أن يبدأ بتشكيل سلسلة من المشاكل الصحية، بما في ذلك جعل أعراض الخرف أسوأ». ويستطرد قائلاً: «إذا كنت تعاني من فقدان السمع، فأنت الآن تكرس المزيد والمزيد من قدرتك المعرفية على محاولة فهم ما يُقال، ويعمل العقل حينذاك لوقت إضافي من أجل فرز الكلمات وفهم الجمل، أي يبذل جهداً إضافياً كان من الواجب أن يتم تلقائياً في الحالات الطبيعية.
ولذلك وإذا كنت أقوم باستنفاد مجموعة كاملة من طاقتي لتطبيقها على المهمة البسيطة هذه، وهي الاستماع وفهم الكلام، فإنه لن يكون لدي وقت متاح للقيام بأنشطتي الأخرى.
فقدان السمع لا يتسبب في مرض الزهايمر أو الخرف الناجم عن اضطرابات هيكلية في بنية الدماغ (Structural Dementia)، بل يُؤدي إلى الخرف الناجم عن التغيير في قدرتك المعرفية (Cognitive Ability). ويُضيف: «هناك أدلة على أن تحسين السمع سيحسن الإدراك المعرفي، ونحن نعلم أن تحسين السمع يقلل من خطر العزلة الاجتماعية والاكتئاب. وإجراء اختبار السمع البسيط، متبوعاً بالتدخلات العلاجية المناسبة يمكن أن يحسن من جودة حياتك وصحتك».

درجات السمع
وتصنف الأوساط الطبية مقدار ضعف السمع لدى الشخص إلى أربع درجات: بسيط، أو متوسط، أو شديد، أو شديد جداً. وهو ما يتم وفق نتائج جدول مخطط السمع عند إجراء اختبارات سماع الأصوات. وفيه يتم قياس مستوى السمع بالنسبة إلى أصوات نغمات، وأصوات الكلام، في الأذنين أو إحداهما.
وتفيد المصادر الطبية بأن استخدام «أجهزة السمع» (Hearing Aid) يمكن أن يساعد معظم الأشخاص الذين يعانون من ضعف السمع «الحسي العصبي» بالدرجة البسيطة إلى المتوسطة في كلتا الأذنين.
أما بالنسبة إلى المستويات الأكثر شدة من ضعف السمع، فإن السماعات الطبية لا تكون كافية. ويرجع السبب في ذلك إلى أن ضعف السمع الحسي العصبي بتلك الدرجات الشديدة، يتسبب في تشويش وتضخيم الأصوات عند استخدام السماعات الطبية، ما يجعل الصوت أكثر ارتفاعاً بالفعل ولكن أقل وضوحاً. وحتى السماعات الطبية عالية الجودة قد تجعل الصوت مشوشاً إذا كانت الأذن الداخلية قد تعرضت لتلف شديد. وحينذاك تفيد «زراعة القوقعة الصناعية» (Cochlear Implant).
و«القوقعة الصناعية» هي جهاز إلكتروني تتم زراعته عن طريق الجراحة لكي يتخطى الجزء الداخلي التالف من الأذن لإثارة عصب السمع مباشرة. وتختلف زراعة القوقعة الصناعية عن السماعات الطبية التي تقوم بتضخيم الصوت فقط، حيث إن زراعة القوقعة تحول الموجات الصوتية إلى نبضات كهربية يتم بثها عبر الأعصاب إلى الدماغ دون الحاجة إلى عمل الأذن الداخلية، وبشكل يتوافق مع السمع الطبيعي.
وفي حالات الضعف الشديد جداً بالسمع في أذن دون أخرى، يمكن إجراء «زراعة التوصيل العظمي»، التي توفر إرسال الصوت عبر العظم، وذلك من الأذن التالفة إلى الأذن الداخلية التي تعمل في الجانب الآخر من الرأس.
آليات مختلفة لضعف السمع

> إن فهم كيفية سماع الأصوات يساعد في فهم كيفية حدوث فقدان السمع. وتتكون الأذن من ثلاثة أجزاء؛ هي: الأذن الخارجية، والأذن الوسطى، والأذن الداخلية.
وتدخل الموجات الصوتية الأذن الخارجية لتسبب اهتزازات في طبلة الأذن. ثم تقوم طبلة الأذن و3 عظام صغيرة موجودة داخل الأذن الوسطى، بتضخيم حجم هذه الاهتزازات مع دخول الأذن الداخلية. ثم تمر هذه الاهتزازات من خلال سائل موجود داخل أنابيب القوقعة المرتبطة بالخلايا العصبية، وعندها تتم ترجمة الاهتزازات الصوتية إلى إشارات كهربية يتم نقلها إلى المخ بواسطة المسار العصبي.
وهناك ثلاثة أنواع رئيسية لضعف السمع؛ وهي: «ضعف السمع التوصيلي»، و«ضعف السمع الحسي العصبي»، و«ضعف السمع المختلط» للنوع الأول والثاني.
ويحصل ضعف السمع «الإحساسي العصبي» نتيجة تلف إما في الأذن الداخلية أو المسار العصبي للسمع، ما يُؤدي إلى عدم حصول نقل الإشارات الكهربائية بكفاءة من الأذن الداخلية إلى الدماغ. كما في حالات التقدّم في العمر، أو الوراثة، أو العيوب الخلقية، أو التعرض للأصوات الصاخبة فترة طويلة، أو للأصوات العالية المفاجئة، أو تناول بعض الأدوية (مثل المضاد الحيوي جنتاميسين وغيره، والفياغرا، وبعض أدوية العلاج الكيميائي، والجرعات العالية من الإسبرين ومسكنات الألم الأخرى، أو الأدوية المضادة للملاريا أو مدرات البول)، أو بسبب بعض الأمراض التي يرافقها ارتفاع درجة الحرارة.
و«ضعف السمع التوصيلي» قد يحصل نتيجة خلل في الأذن الخارجية أو الوسطى. أي إما: تسبب السمع بسدد في قناة الأذن الخارجية، أو نتيجة عدوى بالأذن الخارجية أو الوسطى، أو نمو غير طبيعي للعظم أو الأورام. وكذلك عند تمزق طبلة الأذن نتيجة التعرض للأصوات العالية المفاجئة، والتغييرات المفاجئة في الضغط، وثقب طبلة الأذن بأي جسم خارجي، والعدوى الميكروبية.

فحص السمع... من صوت التنفس إلى هدير الطائرة

> يفيد أطباء الأذن في «مايوكلينك» بأن علامات وأعراض ضعف السمع تشمل كلاً من:
> اختفاء الكلام والأصوات الأخرى.
> صعوبة في فهم الكلمات، خصوصاً مع وجود ضوضاء في الخلفية أو في أماكن الزحام.
> مشكلة في سماع الحروف الساكنة.
> تكرار طلب التحدث ببطء أكثر وبوضوح وبصوت عالٍ من الآخرين.
> الحاجة إلى رفع صوت التلفزيون أو الراديو.
> الانسحاب من المحادثات.
> تجنب الوجود في بعض البيئات الاجتماعية.
وإضافة إلى الفحص الإكلينيكي للأذن وأجزائها الظاهرة، ثمة عدة أنواع من «اختبارات السمع» لتقييم كل من: قدرة السمع (اختبار السمع) وأسباب الضعف فيه (اختبار ويبر ورينيه) إذا وُجد.
والأصوات تتكون من عنصرين رئيسيين: الشدة في ارتفاع الصوت، والنغمة في سرعة اهتزاز الموجات الصوتية. ولذا يُقيم اختبار السمع قدرات حساسية ودقة السماع لدى الشخص في كل أذن وفق تغير كل من: شدة ونغمة الأصوات.
ويقاس مستوى ضعف السمع بوحدة «الديسيبل»، والرقم الذي يعطيه اختبار السمع يمثل أدنى مستوى للصوت يمكن سماعه من قبل الشخص. ووفق قياس «شدة» الصوت، فإن صوت التنفس العادي هو 10 ديسيبل، وهمس الكلام نحو 20 ديسيبل، وصوت الثلاجة 30 ديسيبل، والمحادثة العادية الطبيعية عن قرب نحو 60 ديسيبل، وغسالة الأطباق 75 ديسيبل، والدراجة النارية 90 ديسيبل، ومثقاب الدريل نحو 110 ديسيبل، وصفارة سيارة الإسعاف نحو 120 ديسيبل، والألعاب النارية نحو 140 ديسيبل، ومحرك الطائرة النفاثة 180 ديسيبل.
والإنسان الطبيعي يُمكنه سماع الدرجات المنخفضة من الصوت حتى مستوى 20 ديسيبل. وحينما يضعف الصوت لدرجة عدم قدرة سماع الصوت إلاّ ما بين 25 و39 ديسيبل، يكون ثمة ضعف بسيط في السمع، ويُعاني الشخص من فهم الكلام من الشخص الذي يتحدث إليه في الأماكن الصاخبة. وضعف السمع المتوسط يكون عند القدرة فقط على سماع الصوت ما بين 40 و69 ديسيبل، ويعاني الشخص من صعوبة في فهم الكلام إلا باستخدام جهاز السمّاعة. وعندما لا يستطيع الشخص سماع الصوت إلا ما بين 70 و89 ديسيبل، يكون لديه ضعف شديد في السمع، وحينها يحتاج إلى زراعة قوقعة الأذن كي يتمكن من فهم الكلام. أما إذا كان ثمة ضعف شديد جداً، أي يجب أن تكون شدة الصوت أعلى من 90 ديسيبل، فإنه يتعين على الشخص إما الاعتماد على قراءة الشفتين لفهم كلام الشخص المتحدث إليه أو استخدام لغة الإشارة معه أو زراعة القوقعة لديه.
* استشارية في الباطنية



هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟
TT

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

ما سبب مرض ألزهايمر؟ أجاب عالم الأعصاب رودولف تانزي، مدير مركز ماكانس لصحة الدماغ بمستشفى ماساتشوستس العام، التابع لجامعة هارفارد، قائلاً: «قضيت معظم حياتي المهنية في محاولة الإجابة عن هذا السؤال».

وأكد تانزي أن السؤال مهم، ويتعين العمل على إيجاد إجابة له، خصوصاً أن مرض ألزهايمر يمثل الشكل الأكثر شيوعاً للخرف في كثير من البلدان. وعلى سبيل المثال، داخل الولايات المتحدة، يعاني ما لا يقل عن 10 في المائة من الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاماً من ألزهايمر.

ومثلما الحال مع معظم الأمراض، ربما يرجع مرض ألزهايمر إلى مزيج من الضعف الوراثي، ومعاناة المريض من حالات طبية أخرى، بجانب عوامل اجتماعية وأخرى تتعلق بنمط الحياة. واليوم، يركز العلماء اهتمامهم على الدور الذي قد تلعبه العدوى، إن وُجد، في تطور مرض ألزهايمر.

كشف الأسباب البيولوجية

جاء وصف مرض ألزهايمر للمرة الأولى عام 1906. ومع ذلك، بدأ العلماء في سبر أغواره والتعرف على أسبابه قبل 40 عاماً فقط. واليوم، ثمة اتفاق واسع النطاق في أوساط الباحثين حول وجود جزيئين بمستويات عالية في أدمغة الأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر: أميلويد - بيتا amyloid - beta أو «ببتيد بيتا النشواني»، الذي يشكل لويحات في الدماغ، وتاو tau، الذي يشكل تشابكات. ويساهم كلاهما في موت الخلايا العصبية الدماغية (العصبونات) المشاركة في عمليات التفكير؛ ما يؤدي إلى الخرف.

من بين الاثنين، ربما تكون الأهمية الأكبر من نصيب أميلويد - بيتا، خصوصاً أنه يظهر في وقت أبكر من تاو. وقد أظهر تانزي وآخرون أن الأشخاص الذين يرثون جيناً يؤدي إلى ارتفاع مستويات أميلويد بيتا يُصابون بمرض ألزهايمر في سن مبكرة نسبياً.

الملاحظ أن الأشخاص الذين يرثون نسختين من الجين APOE4. أكثر عرضة لخطر الإصابة بمرض ألزهايمر، لأنهم أقل قدرة على التخلص من أميلويد بيتا من الدماغ.

الالتهاب العصبي

هناك قبول متزايد في أوساط العلماء لفكرة أن الالتهاب في الدماغ (الالتهاب العصبي Neuroinflammation)، يشكل عاملاً مهماً في مرض ألزهايمر.

في حالات الالتهاب العصبي، تحارب خلايا الجهاز المناعي في الدماغ الميكروبات الغازية، أو تعمل على علاج الإصابات. إلا أنه للأسف الشديد، يمكن أن يؤدي ذلك إلى الإصابة؛ ما يسفر بدوره عن المزيد من الالتهاب العصبي، لتظهر بذلك حلقة مفرغة، تتسبب نهاية المطاف في موت معظم الخلايا العصبية.

ويمكن أن تؤدي كل من لويحات أميلويد بيتا وتشابكات تاو إلى حدوث التهاب عصبي، وكذلك يمكن لكثير من الميكروبات (البكتيريا والفيروسات) أن تصيب الدماغ، وتبقى هناك، دون أن ينجح الجهاز المناعي بالدماغ في القضاء عليها تماماً؛ ما قد يؤدي إلى التهاب عصبي مزمن منخفض الحدة.

وحتى العدوى أو أسباب الالتهاب الأخرى خارج الدماغ، بأي مكان في الجسم، يمكن أن ترسل إشارات إلى الدماغ تؤدي إلى حدوث التهاب عصبي.

العدوى ومرض ألزهايمر

ويعتقد بعض العلماء أن العدوى قد تسبب أكثر من مجرد التهاب عصبي، فربما يكون لها دور كذلك في تكاثر رواسب أميلويد بيتا وتشابكات تاو. وفي هذا الصدد، قال تانزي: «اكتشفت أنا وزميلي الراحل روب موير أن أميلويد بيتا يترسب في المخ استجابة للعدوى، وهو بروتين يحارب العدوى؛ ويشكل شبكة تحبس الميكروبات الغازية. وبعبارة أخرى، يساعد أميلويد بيتا في حماية أدمغتنا من العدوى. وهذا هو الخبر السار. أما الخبر السيئ هنا أن أميلويد بيتا يُلحِق الضرر كذلك بالخلايا العصبية، الأمر الذي يبدأ في غضون 10 إلى 30 عاماً، في إحداث تأثيرات واضحة على الإدراك؛ ما يسبب الخرف، نهاية المطاف».

بالإضافة إلى ذلك، يؤدي الترسب المزمن منخفض الدرجة لأميلويد بيتا إلى تشابكات تاو، التي تقتل الخلايا العصبية هي الأخرى وتزيد من الالتهاب العصبي، ما يؤدي إلى موت المزيد من الخلايا العصبية. وقد تتطور دورات مفرغة يصعب للغاية إيقافها.

ويمكن للعوامل المذكورة هنا (بشكل مباشر أو غير مباشر) أن تلحق الضرر بخلايا المخ، وتسبب الخرف. ويمكن لعدة عوامل أن تزيد سوء بعضها البعض، ما يخلق دورات مفرغة.

ميكروبات مرتبطة بمرض ألزهايمر

الآن، ما الميكروبات التي قد تشجع على تطور مرض ألزهايمر؟ عبَّر الدكتور أنتوني كوماروف، رئيس تحرير «هارفارد هيلث ليتر» الأستاذ في كلية الطب بجامعة هارفارد، عن اعتقاده بأنه «من غير المرجَّح أن يكون نوع واحد من الميكروبات (جرثومة ألزهايمر) سبباً في الإصابة بمرض ألزهايمر، بل إن الأدلة المتزايدة تشير إلى أن عدداً من الميكروبات المختلفة قد تؤدي جميعها إلى الإصابة بمرض ألزهايمر لدى بعض الناس».

ويتركز الدليل في نتائج دراسات أُجريت على أدمغة القوارض والحيوانات الأخرى التي أصيبت بالميكروبات، بجانب العثور على ميكروبات في مناطق الدماغ البشري الأكثر تأثراً بمرض ألزهايمر. وجاءت أدلة أخرى من دراسات ضخمة، أظهرت أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، أعلى كثيراً لدى الأشخاص الذين أُصيبوا قبل عقود بعدوى شديدة. وتشير دراسات حديثة إلى أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، قد يتفاقم جراء انكماش الدماغ واستمرار وجود العديد من البروتينات المرتبطة بالالتهابات، في دم الأشخاص الذين أُصيبوا بالعدوى في الماضي.

وفيما يلي بعض الميكروبات التي جرى تحديدها باعتبارها مسبِّبات محتملة للمرض:

فيروسات الهربس المتنوعة

خلصت بعض الدراسات إلى أن الحمض النووي من فيروس الهربس البسيط 1 و2 herpes simplex virus 1 and 2 (الفيروسات التي تسبب القروح الباردة والأخرى التناسلية)، يوجد بشكل أكثر تكراراً في أدمغة المصابين بمرض ألزهايمر، مقارنة بالأصحاء. ويبرز الحمض النووي الفيروسي، بشكل خاص، بجوار لويحات أميلويد بيتا. وخلصت الدراسات المنشورة إلى نتائج متناقضة. يُذكر أن مختبر تانزي يتولى زراعة «أدمغة صغيرة» (مجموعات من خلايا الدماغ البشرية) وعندما تُصاب هذه الأدمغة الصغيرة بفيروس «الهربس البسيط»، تبدأ في إنتاج أميلويد بيتا.

أما فيروس «الهربس» الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي varicella - zoster virus (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي)، قد يزيد مخاطر الإصابة بالخرف. وكشفت دراسة أُجريت على نحو 150000 شخص، نشرتها دورية «أبحاث وعلاج ألزهايمر» (Alzheimer’s Research and Therapy)، في 14 أغسطس (آب) 2024، أن الأشخاص الذين يعانون من الهربس الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي) قد يزيد كذلك من خطر الإصابة بالخرف. ووجدت الدراسة أن الأشخاص الذين أُصيبوا بالهربس النطاقي كانوا أكثر عرضة للإبلاغ لاحقاً عن صعوبات في تذكُّر الأشياء البسيطة. وتعكف أبحاث جارية على دراسة العلاقة بين لقاح الهربس النطاقي وانحسار خطر الإصابة بألزهايمر.

فيروسات وبكتيريا أخرى:

* فيروس «كوفيد - 19». وقد يجعل الفيروس المسبب لمرض «كوفيد - 19»، المعروف باسم «SARS - CoV - 2»، الدماغ عُرضةً للإصابة بمرض ألزهايمر. وقارنت دراسة ضخمة للغاية بين الأشخاص الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» (حتى الحالات الخفيفة) وأشخاص من نفس العمر والجنس لم يُصابوا بـ«كوفيد»، ووجدت أنه على مدار السنوات الثلاث التالية، كان أولئك الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» أكثر عرضة للإصابة بمرض ألزهايمر بنحو الضعف.

كما جرى ربط العديد من الفيروسات (والبكتيريا) الأخرى، التي تصيب الرئة، بمرض ألزهايمر، رغم أن الأدلة لا تزال أولية.

* بكتيريا اللثة. قد تزيد العديد من أنواع البكتيريا التي تعيش عادة في أفواهنا وتسبب أمراض اللثة (التهاب دواعم السن)، من خطر الإصابة بمرض الزهايمر. وعبَّر تانزي عن اعتقاده بأن هذا أمر منطقي، لأن «أسناننا العلوية توفر مسارات عصبية مباشرة إلى الدماغ». وتتفق النتائج الأولية التي خلص إليها تانزي مع الدور الذي تلعبه بكتيريا اللثة. وقد توصلت الدراسات المنشورة حول هذا الموضوع إلى نتائج مختلفة.

* البكتيريا المعوية: عبر السنوات الـ25 الماضية، اكتشف العلماء أن البكتيريا التي تعيش في أمعائنا تُنتِج موادّ تؤثر على صحتنا، للأفضل أو للأسوأ. وعن ذلك قال الدكتور كوماروف: «هذا أحد أهم الاكتشافات الطبية الحيوية في حياتنا». هناك بعض الأدلة المبكرة على أن هذه البكتيريا يمكن أن تؤثر على خطر إصابة الشخص بمرض ألزهايمر بوقت لاحق. ولا يزال يتعين تحديد كيفية تغيير تكوين بكتيريا الأمعاء، لتقليل المخاطر.

ربما يكون لها دور في تكاثر رواسب أميلويد بيتا المسببة للمرض

عوامل نمط الحياة ومرض ألزهايمر

يرتبط كثير من عوامل نمط الحياة المختلفة بزيادة خطر الإصابة بمرض ألزهايمر. وتتضمن الأمثلة التدخين (خصوصاً في وقت لاحق من الحياة)، والإفراط في تعاطي الكحوليات، والخمول البدني، وقلة النوم العميق، والتعرض لتلوث الهواء، والنظام الغذائي الغني بالسكر والملح والأطعمة المصنَّعة.

كما تزيد العديد من عوامل نمط الحياة هذه من خطر الإصابة بأمراض مزمنة شائعة أخرى، مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري والسمنة.

وبحسب الدكتور كوماروف، فإنه «نظراً لأن إجراء تغييرات في نمط الحياة قد يكون صعباً، يأمل كثيرون في أن تثمر دراسة الأسباب البيولوجية وراء مرض ألزهايمر ابتكار دواء (سحري) يمنع المرض، أو حتى يعكس مساره. ويرى الدكتور كوماروف أن «ذلك اليوم قد يأتي، لكن ربما ليس في المستقبل القريب».

في الوقت الحالي، يقترح تانزي إدخال تعديلات في نمط الحياة بهدف التقليل من خطر الإصابة بألزهايمر.

بوجه عام، فإن فكرة أن الميكروبات قد تؤدي إلى بعض حالات ألزهايمر لا تزال غير مثبتة، وغير مقبولة على نطاق واسع، لكن الأدلة تزداد قوة. ومع ذلك، تتفق هذه الفكرة مع أبحاث سابقة أظهرت أهمية أميلويد بيتا، وتاو، وapoe4 والالتهاب العصبي، بوصفها أسباب مرض ألزهايمر.

عن ذلك، قال الدكتور كوماروف: «الإشارة إلى دور للميكروبات في بعض حالات مرض ألزهايمر لا تحل محل الأفكار القديمة، وإنما تتفق مع الأفكار القديمة، وربما تكملها».

* رسالة هارفارد للقلب - خدمات «تريبيون ميديا».