كانت إحدى النتائج التي لم يصاحبها صخب لنشر تقرير لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ بشأن برنامج الاعتقال التابع للاستخبارات المركزية الأسبوع الحالي، مكالمة هاتفية أجرتها المحامية الحقوقية ميغ ساتيرثويت مع أحد عملائها في اليمن، وهو محمد باشميلة.
ظلت السيدة ساتيرثويت ومحامون آخرون لمدة 8 سنوات منذ أن أطلقت الاستخبارات المركزية سراح باشميلة، الذي يبلغ من العمر 46 عاما، تحاول دون جدوى الحصول على إقرار من الحكومة الأميركية بأنها احتجزته في سجون سرية لمدة 19 شهرا والحصول على تفسير يوضح سبب القيام بذلك. وأخبرته في مكالمة هاتفية يوم الأربعاء، بأن تقرير مجلس الشيوخ وضعه ضمن قائمة من 26 سجينا «اعتقلوا ظلما»، استنادا إلى وثائق الاستخبارات المركزية.
وأشارت السيدة ساتيرثويت إلى أنه رد ببساطة «نعم». وقال إنه «كان على يقين بأنه سيأتي اليوم الذي سيكون هناك اعتراف بالمحنة التي تعرض لها؛ ثم شكر المحامين الذين حملوا عبء قضيته على مدار سنوات».
كان السيد باشميلة قد حكى لهم، أنه تعرض للتعذيب في إحدى الدول العربية قبل تسليمه إلى الاستخبارات المركزية، والتي احتجزته في بعض الأحيان مكبلا بالأغلال وحده في زنازين شديدة البرودة في أفغانستان، وأنه كان يتعرض يوميا لأصوات موسيقى صاخبة على مدار الساعة. وأنه حاول الانتحار 3 مرات على الأقل، مرة عن طريق الحصول على حبوب وابتلاعها مرة واحدة، ومرة من خلال قطع رسغي يديه، ومرة بشنق نفسه. وفي مرة أخرى جرح نفسه واستخدم دمه في كتابة عبارة «هذا ظلم» على الحائط.
بعد علمه بهذه الأخبار، ضغط السيد باشميلة على السيدة ساتيرثويت، التي تترأس برنامج العدالة الدولية في كلية الحقوق بجامعة نيويورك، لكي تخبره بالإجراءات التي تأتي بعد اعتراف مجلس الشيوخ. هل سيكون هناك اعتذار؟ هل سيكون هناك نوع من التعويض؟
وفي الوقت الذي حظيت فيه التفاصيل الشنيعة للتعذيب والخلاف الحالي حول نتائجها بأكبر تغطية إعلامية، يمثل تقرير مجلس الشيوخ أكبر توضيح علني تقوم به أي جهة حكومية عن برنامج السجون السرية الخاص بالاستخبارات المركزية. إنه يكشف عن بعض الأخطاء التي ارتكبت خلال اندفاع الاستخبارات المركزية نحو اعتقال أشخاص مشكوك في علاقاتهم بتنظيم القاعدة خلال السنوات الأولى التي أعقبت وقوع الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر (أيلول) 2001.
وكانت الولايات المتحدة تنتقد، حتى وقوع أحداث 11 سبتمبر ، وبشكل رسمي الاعتقال السري باعتباره انتهاكا للمعايير الدولية الأساسية لحقوق الإنسان. ولكن تم تنحية هذا الانتقاد جانبا، مثل حظر التعذيب، خلال الجهود المحمومة التي كانت تستهدف الحيلولة دون وقوع هجوم آخر.
حصر أعضاء مجلس الشيوخ من الديمقراطيين، الذين كتبوا التقرير المكون من 6 آلاف صفحة، عدد 119 سجينا تم احتجازهم من قبل الاستخبارات المركزية. ومن بين هؤلاء، اكتشف التقرير وجود 26 إما تم اعتقالهم عن طريق الخطأ حسبما توضح وثائق الاستخبارات المركزية نفسها، أو تم الإفراج عنهم، وحصلوا على أموال، مما يدل على حدوث الأمر نفسه.
وقالت الاستخبارات المركزية في ردها الرسمي على مجلس الشيوخ إن «العدد الحقيقي لحالات الاعتقال غير القانونية أقل كثيرا من 26 دون أن تحدد ذلك العدد. ويرى المدافعون عن حقوق الإنسان الذين تابعوا برنامج الاستخبارات المركزية أن عدد من تعرضوا للاعتقال بطريق الخطأ أكبر بكثير من 26 شخصا. فجرى مثلا استبعاد عميل يمني آخر للسيدة ساتيرثويت، يدعى محمد الأسد، من العدد الذي ذكره مجلس الشيوخ، رغم أنه قضى عدة أشهر في سجون الاستخبارات المركزية دون أن يخضع لتحقيق، وتم ترحيله إلى وطنه في اليمن دون توجيه أي اتهامات بارتكاب أي جريمة متعلقة بالإرهاب».
من جانبها، قالت آن فيتزغيرالد، مديرة برنامج البحوث والاستجابة للأزمات في منظمة العفو الدولية: «لقد تسببت الولايات المتحدة في قدر كبير من المعاناة لأشخاص لا يشكلون تهديدا». وأضافت فيتزغيرالد، التي قامت بزيارة اليمن 8 مرات للتحدث مع السيد باشميلة، والسيد أسد وغيرهم ممن تبين أنهم معتقلون سابقون لدى الاستخبارات المركزية قائلة: «المعايير الدولية موجودة لسبب ما – لكي تحمي الجميع».
من بين هؤلاء الذين وجد التقرير أنهم تعرضوا للاعتقال بطريق الخطأ أشخاص جذبت قضاياهم بالفعل اهتمام الرأي العام. من هؤلاء خالد المصري، وهو مواطن ألماني، قد اعتقل في مقدونيا بدلا من شخص آخر يحمل الاسم نفسه، وجرى نقله جوا إلى أفغانستان، حيث قضى 4 أشهر في سجن تابع للاستخبارات المركزية معروف باسم «حفرة الملح». وهناك أيضا ليد سعيدي، وهو جزائري، أطلق عليه تقرير مجلس الشيوخ اسم «أبو حذيفة»، وتم اعتقاله في أفغانستان لمدة 16 شهرا، وأصبحت قضيته موضوع مقال نشر في صحيفة «نيويورك تايمز» عام 2006 بعد أن جذب المصري انتباه الرأي العام إليها.
ويقول تقرير مجلس الشيوخ إن «سعيدي تعرض لحمامات من الماء البارد و66 ساعة من الوقوف مع الحرمان من النوم قبل إطلاق سراحه لأن الاستخبارات المركزية اكتشفت أنه لم يكن الشخص المطلوب».
من بين الأشخاص الآخرين الذي تم احتجازهم بطريق الخطأ لمدة أشهر أو سنوات، وفقا للتقرير، شخص «متخلف عقليا» اعتقلته الاستخبارات المركزية فقط من أجل الضغط على أحد أفراد أسرته من أجل تقديم معلومات، وشخصين كانا مرشدين سابقين لدى الاستخبارات المركزية. كذلك كان هناك شقيقان اعتقد بطريق الخطأ أنهما على صلة بتنظيم القاعدة بسبب خالد شيخ محمد، مدبر هجمات 11 سبتمبر، و«لفق» المعلومات عنهم بعد تعرضه للإغراق الوهمي 183 مرة.
وبالإضافة إلى ذلك، يقول التقرير إن «سجلات الاستخبارات المركزية تقدم معلومات كافية لتبرير احتجاز الكثير من المعتقلين الآخرين».
«غالبا ما يظل المعتقلون متروكين في السجن لعدة أشهر حتى تقرر الاستخبارات المركزية أن وضعهم لا يطابق معايير مذكرة الإخطار والتفويض»، حسبما يذكر التقرير، في إشارة إلى «مذكرة الإخطار والتفويض» السرية التي وقعها الرئيس جورج بوش الابن بعد 6 أيام من وقوع هجمات 11 سبتمبر . وتصرح هذه المذكرة باعتقال «الأشخاص الذين يشكلون مصدر تهديد خطير ومستمر لأعمال عنف أو قتل لأشخاص أو الإضرار بمصالح أميركية أو ممن يخططون لارتكاب أنشطة إرهابية».
من الناحية العملية، كما يوضح التقرير، تم ضبط الكثير من السجناء عن طريق فريق التسليم السري التابع للاستخبارات المركزية أو سلمتهم إليها استخبارات دول أجنبية صديقة استنادا إلى أدلة ضعيفة. وفي بعض الحالات، تسببت تركيبات الأسماء العربية في إحداث المزيد من الإرباك: فالسيد باشميلة، مثلا، ذكر في تقرير مجلس الشيوخ على أنه محمد الشميلة وهو شكل آخر لاسمه عند الكتابة بحروف مختلفة، ومن دون البادئة «با» المنتشرة في الأسماء اليمنية.
وصرح السيد باشميلة، وهذا صحيح، بأن الحبس الانفرادي يعتبر أسوأ أشكال التعذيب التي تعرض لها.
*خدمة «نيويورك تايمز»
بيانات عن 26 معتقلا كانوا محتجزين خطأ ضمن التفاصيل الخاصة لبرامج التعذيب
باشميلة تعرض للتعذيب قبل تسليمه إلى «سي آي إيه» التي احتجزته مكبلا بالأغلال وحده في زنازين شديدة البرودة في أفغانستان
بيانات عن 26 معتقلا كانوا محتجزين خطأ ضمن التفاصيل الخاصة لبرامج التعذيب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة