طبيب هندي يلتزم إطعام المسنين خلال فترة الحظر

قدّم أكثر من 500 وجبة مرتين كل يوم على مدى السنوات الـ11 الماضية

الطبيب عدي مودي أطلق عليه لقب «الدكتور هوب (أمل)» بسبب مساعدته للمسنين
الطبيب عدي مودي أطلق عليه لقب «الدكتور هوب (أمل)» بسبب مساعدته للمسنين
TT

طبيب هندي يلتزم إطعام المسنين خلال فترة الحظر

الطبيب عدي مودي أطلق عليه لقب «الدكتور هوب (أمل)» بسبب مساعدته للمسنين
الطبيب عدي مودي أطلق عليه لقب «الدكتور هوب (أمل)» بسبب مساعدته للمسنين

تلقى الدكتور عُدي مودي، البالغ من العمر 51 عاماً، مكالمات للحصول على الطعام من طرف كبار السن والعجزة خلال فترة الإغلاق العام في مدينة مومباي، العاصمة المالية والاقتصادية في الهند، التي تشهد أكبر عدد من حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد في البلاد.
وقال الدكتور مودي -المعروف إعلامياً باسم «دكتور هوب - الدكتور أمل»، في مقابلة أجريت عبر الهاتف: «لقد حاولنا أن يحصل كل طالب للمساعدة على الطعام الذي يحتاج إليه، ولقد تجاوز الأمر إعداد أكثر من 500 وجبة نواصل تقديمها بانتظام إلى كبار السن (بلا عائلات) مرتين كل يوم على مدى السنوات الـ11 الماضية».
وأضاف الدكتور مودي يقول: «لقد كانت أوقاتاً عصيبة، وكانت تأتينا مكالمات من أشخاص نكاد نستمع إلى أصواتهم الخافتة على الطرف الآخر من المكالمة وهم يطلبون الحصول على وجبة بسيطة تسد رمقهم. كان كل شيء متوقفاً، وكان يصعب علينا كثيراً الحصول على أساسيات إعداد الطعام لعدة أيام، باستثناء اللبن الحليب. وتوقفت إمدادات أغلب المواد الغذائية، ولكن كان لدينا كثير من الأفواه لإطعامها في تلك الأثناء».
ومع مزيد ثم مزيد من طلبات الوجبات، كما يقول الدكتور مودي: «كان لزاماً عليّ أن أقدر الأمور بكل عناية قبل أن ألتزم بإطعام مزيد من الناس، حيث أنه بمجرد أن أتعهد بإطعام شخص ما، لا يمكنني التراجع عن ذلك أبداً».

كيف بدأ الأمر برمته؟
في عام 2008، ظهر زوجان مسنان في عيادة الدكتور مودي؛ كانت المرأة تعاني من أمراض مزمنة، ولم يكن لدى زوجها ما يكفي من المال حتى لشراء رغيف واحد من الخبز، ثم طلب شيئاً ليأكله، رغم أنهما لديهما 3 من الأبناء لدعمهما. ولقد تأثر الدكتور مودي تماماً من ذلك الموقف، وشرع من بعد ذلك في إطعام 11 حالة من كبار السن من داخل مطبخه المنزلي بصفة يومية.
يقول الدكتور مودي: «عندما شرعت في هذه الخدمة من داخل منزلي في عام 2008، كانت زوجتي كالبانا تطهو الوجبات لصالح 11 شخصاً فقط».
أطلق الدكتور مودي اسم «خدمة شارافان تيفين» على خدمة الوجبات المجانية التي يوفرها، وهو على اسم شارافان كومار الابن المطيع من الأساطير الهندوسية القديمة، تلك الخدمة التي توسعت اليوم حتى شملت 500 وجبة يومية مخصصة لإطعام المسنين المحتاجين في منطقة «ميرا بهايانادار» من مدينة مومباي، مع كثير من طلبات الوجبات الأخرى على قائمة الانتظار. ويجري توزيع الوجبات من خلال عربات صغيرة وكثير من المتطوعين. ويقول الدكتور مودي إن النفقات اليومية للوجبات تصل إلى 40 ألف روبية هندية، تلك التي يديرها من خلال التبرعات. كما أنه يشارك في المسرحيات والمسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية. وتوجه الأموال التي يتحصل عليها من مهنة التمثيل بالكامل إلى تمويل خدمات توفير الوجبات الغذائية. وإذا ما تعرض إلى نقص في التمويل، فإنه ينفق على الفور من مدخراته الشخصية، كما تدعمه أسرته بكل وسيلة ممكنة لديهم.
ويدرك الطبيب أن كبار السن يحتاجون إلى عناية خاصة في إعداد الطعام، وبالتالي فإنه يولي اهتماماً خاصاً بقائمة الطعام. ويجري تصنيف الوجبات الغذائية وفقاً لأكثر الأمراض شيوعاً، مثل داء السكرين وارتفاع ضغط الدم بصورة أساسية. ويجري إعداد وجبات الطعام لمرضى السكري في مطبخ منفصل. ويقوم الدكتور مودي باختبار الطعام بصفة شخصية قبل تعبئته، وبالتالي يضمن جودة الوجبات الغذائية التي سوف يجري توزيعها. وتحتوي الوجبة الغذائية اليومية على 6 قطع من الخبز الهندي، مع الكاري والدال والأرز، وذلك بخلاف العروض الخاصة في كل يوم أحد. ويجري إرسال الخضراوات الطازجة والطرية إلى الأشخاص المسنين الذين لا تسمح أسنانهم بالمضغ.
يقول الدكتور مودي: «أحاول الاحتفال بالمناسبات الخاصة، مثل أعياد الميلاد، واحتفالات الذكرى السنوية الوطنية، مع بعض من هؤلاء المساكين. وشعار حياتي هو المساعدة في أن تكون السنوات القليلة المقبلة من حياتهم على الأرض سعيدة مريحة قدر الإمكان».
وبالنسبة إلى الدكتور مودي، كان إطعام المسنين المعوزين هو الخطوة الأولى فقط، إذ إن أكثر المشاريع المرغوب فيها يتمثل في بناء مركز رعاية شامل للمسنين، وهو يقول عن ذلك: «أريد بناء دار لرعاية المسنين، وهو مكان يحصل فيه كبار السن على الرعاية الشاملة، وليس مجرد الوجبات الغذائية فقط. وهناك كثير من حالات كبار السن الذين يعانون من سوء التغذية والذين ليس لديهم حتى مجرد سقف يعيشون تحته. ولقد بذلوا أوقاتهم وحياتهم لأجل عائلاتهم، وينبغي أن نرد لهم الجميل كي يعيشوا السنوات الأخيرة من حياتهم في هدوء وكرامة وسلام. ولكن مما يؤسف له أن عائلاتهم تركتهم في عجز وعوز كبير».
وفي الوقت الراهن، يحاول الدكتور مودي تأمين مصادر التمويل الجماعي لأجل بناء دار للمسنين. ولقد تمكن بالفعل من شراء 25 ألف قدم مربع من الأرض لصالح ذلك المشروع.
ومنذ اندلاع وباء كورونا المستجد في البلاد، كان الدكتور مودي وفريقه الخاص متيقظين تماماً بشأن سلامة المسنين الأكثر ضعفاً وعوزاً. وإلى جانب الطعام، فإنه يشرف على إرسال الإمدادات المنتظمة، من الكمامات الواقية ومطهرات الأيدي، مع الحفاظ على مراجعة صحتهم العامة. وحتى الآن، لم يتعرض أي من كبار السن الذين يعتني الدكتور مودي بهم للإصابة بالفيروس المستجد، كما يقول.
ومن المفارقات الواضحة -وفقاً للدكتور مودي- أن أغلب هؤلاء الآباء والأمهات من كبار السن يشعرون بوحدة شديدة، ويستشعرون الحرج الكبير عند الاعتراف بأن أولادهم قد تخلوا عنهم لإعالة أنفسهم.
يقول الدكتور مودي: «لقد نشأت على الاعتقاد بأن المواطنين الهنود مخلصون تماماً، ويوقرون كبار السن، رغم أن الحكومة قد سنت تشريعاً يقتضي من الأنجال الاعتناء ورعاية الآباء والأمهات المسنين. لكن رغم أنني أتفهم المشكلات الكثيرة التي تطرحها الفجوة بين الأجيال، فإنني لا أستطيع أن أتصور أن هناك أناساً يبلغون من العمر 80 إلى 85 عاماً متروكين من دون غذاء أو دواء أو رعاية. ومن المفارقات أن كبار السن لا يرغبون في الذهاب إلى القضاء من أجل محاسبة أنجالهم الذين تخلوا عنهم».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».