عودة الحرب والنزوح... هواجس تلازم الليبيين بعد العيد

فرحة الأضحى تظل منقوصة بسبب استمرار أزمة نقص السيولة وانقطاع الكهرباء وانتشار «كورونا»

ليبيون يشترون ملابس العيد داخل أحد محلات مصراتة  (رويترز)
ليبيون يشترون ملابس العيد داخل أحد محلات مصراتة (رويترز)
TT

عودة الحرب والنزوح... هواجس تلازم الليبيين بعد العيد

ليبيون يشترون ملابس العيد داخل أحد محلات مصراتة  (رويترز)
ليبيون يشترون ملابس العيد داخل أحد محلات مصراتة (رويترز)

«العيد أصبح مثل باقي الأيام، والوضع العام برمته سيء جداً، لكن صار لدينا في ليبيا خبرة بالتعايش مع الأزمات، وإقناع أنفسنا ببهجة أيام العيد في ظل استمرار الحرب وفوضى السلاح».
بهذه الكلمات لخص سالم حسن، الموظف في أحد المراكز الحكومية بطبرق (شرق) الأجواء التي استقبل بها جل الليبيين الاحتفال بأيام عيد الأضحى.
يقول حسن في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «باستثناء لقاء الأسرة والأصدقاء، ليس لدينا في ليبيا أي جديد يُشعِر المواطن بالبهجة. فالحرب والاشتباكات متواصلة منذ عام 2011. ومعها يستمر وقوع ضحايا وخروج نازحين، زد على ذلك تفشي وباء كورونا، الذي خلف أعداداً مرتفعة من الإصابات، في ظل قصور القطاع الصحي بالبلاد، مما وضع جل المدن تحت حظر كلي، بدأ مع أول أيام العيد».
وبخصوص عودة شبح المعارك التي يتخوف منها جل الليبيين، يضيف حسن: «أعتقد أن الحرب ستسمر، خصوصاً مع رغبة الأتراك وحلفائهم بالغرب الليبي في التصعيد، والأمل معقود على توقيع اتفاق وحل الأزمة سياسياً، ومن ثم التوجه إلى انتخابات».
في هذا السياق، أعربت عضوة مجلس النواب الليبي بطبرق، صباح جمعة الحاج، عن أسفها «لعدم تحقق أمنيات الليبيين في انتهاء الصراع العسكري والسياسي الراهن، والعيش بأمان»، مشيرة إلى أن فرحة العيد تظل منقوصة بسبب استمرار أزمة نقص السيولة، وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة»، وبالتالي «هم يعيشون في منغصات دائمة».
وألقت صباح الحاج في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بالمسؤولية على المجتمع الدولي، الذي قالت إنه «أغرق البلاد في دوامة التدخلات الخارجية، ونشر الفوضى منذ عام 2011، وبالنهاية فرض على الليبيين حكومة (الوفاق)، التي شرعنت عودة المحتل التركي، فضلاً عن إهدار ثروات البلاد في الإنفاق على رواتب المرتزقة، الذين تجلبهم أنقرة لقتل أبناء الشعب الليبي».
ورغم إدراكها لعمق المشاكل التي تتوالى مع احتفال الليبيين بالعيد، إلا أن صباح الحاج حذرت مما وصفته «بأحد أهم الكوارث التي لا يتم التنبه لها، والتي ستجهض أي حلم لليبيين في الخروج من أزماتهم الراهنة، وهي إغفال الاهتمام بقضية التعليم المصيرية»، معتبرة أن انتشار الجهل «كان من أهم عوامل انجذاب الشباب لمعسكرات السلاح والميليشيات بعد (الثورة). بالإضافة للعامل المادي، ونفوذ سطوة حمل السلاح». في المقابل، يرى عادل كرموس، عضو المجلس الأعلى للدولة الذي يوجد مقره بطرابلس أن الليبيين ورغم، كل الأزمات الراهنة «لم يعد لديهم سوى أمل واحد وهو التمتع بالحرية والحياة في ظل دولة مدنية، بعد أن عانوا لمدة أربعين عاماً من نظام استبدادي ظالم، قمع وصادر حقوقهم وبدد ثرواتهم».
وتابع كرموس في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «نعم ليبيا تعاني منذ سنة 2013 من عدة أزمات، وأبرزها إغلاق الموانئ النفطية لأكثر من مرة، وهو ما ألحق خسائر كبيرة في العائدات، التي كان لها أثر سلبي على حياة المواطن، تمثل في ارتفاع سعر الدولار إلى أرقام خيالية، مما أسهم في تفاقم أزمة المواطن، وخصوصاً أصحاب الدخل البسيط». مستدركاً: «لكن كل هذا لم يمنع المواطن الليبي من الابتهاج بفرحة العيد، في مجتمع يتميز بقدر كبير جداً من الترابط الاجتماعي، وبالطبع هناك بعض العائلات لا يمكنها أن تنسى حزنها الكبير على من فقدتهم من الأبناء خلال الحرب، لكن الليبيين عبروا عن فرحتهم بشراء الأضحية والتزاور والترابط الأسري».
أما عضو مجلس النواب، عبد السلام نصية، فقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الليبيين يأملون في كل عيد، أو مناسبة دينية، أن يتحقق الأمن والأمان بالتوافق حول (مشروع وطني) ينقذ البلاد، ويقودهم إلى استعادة الدولة من خلال انتخابات رئاسية وبرلمانية، في ظل دستور دائم للبلاد».
من جهتها، رأت فاطمة تكروري من سكان العاصمة، أنه «بات يصعب تصديق أحاديث أهل السياسة، أو حتى الاسترشاد بها لفهم الأحداث والأوضاع الراهنة». وتابعت موضحة: «الكل يشاهد كيف يتم تقسيم البلاد، ويشعر بالعجز لصعوبة لم الشمل بالمستقبل»، غير أنها لفتت إلى أن سكان العاصمة يشعرون بالارتياح بعد انتهاء الحرب، رغم استمرار مشاكل ومنغصات عديدة، مثل انقطاع الكهرباء والمياه لساعات طويلة، إضافة إلى نقص السيولة وتوقف العمل ببعض الشركات، التي ظهرت بها حالات إيجابية لفيروس «كورونا»، مما أدى إلى انخفاض دخل الكثير منهم، وارتفاع أسعار الخضراوات والفاكهة والملابس وأدوات التنظيف والملابس، ربما ثلاثة أضعاف السعر العادي قبل العيد.
وتطرقت فاطمة تكروري إلى أوضاع شريحة كبيرة من سكان العاصمة نزحوا عن ديارهم، لكن عندما عادوا إليها وجدوها قد نهبت وتهدم غالبيتها، وبالتالي لم يتمكنوا من الاحتفال بالعيد بشكل طبيعي.
وحرمت مدن عديدة، وخصوصاً في غرب ليبيا من التنقل، بعدما فُرض عليها حظر شامل، بسبب ارتفاع إصابات «كورونا»، مما ترتب عليه عدم مغادرتهم محيط منازلهم.



إلحاق مهاجرين أفارقة بمعسكرات تجنيد حوثية

المهاجرون يتعرّضون للانتهاكات في مناطق سيطرة الحوثيين (الأمم المتحدة)
المهاجرون يتعرّضون للانتهاكات في مناطق سيطرة الحوثيين (الأمم المتحدة)
TT

إلحاق مهاجرين أفارقة بمعسكرات تجنيد حوثية

المهاجرون يتعرّضون للانتهاكات في مناطق سيطرة الحوثيين (الأمم المتحدة)
المهاجرون يتعرّضون للانتهاكات في مناطق سيطرة الحوثيين (الأمم المتحدة)

ألحقت جماعة الحوثيين مئات المهاجرين الأفارقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء بمعسكراتها التي تقيمها للتعبئة العسكرية، ضمن حملات تجنيد تستهدف جميع الفئات؛ استعداداً لإشراكهم فيما تسميه الجماعة «معركة الجهاد المقدس» لتحرير فلسطين.

ودفعت الجماعة الحوثية في الأيام الأخيرة بأكثر من 220 مهاجراً أفريقياً، بينهم أطفال وكبار سن للالتحاق بدورات عسكرية سرية أُقيمت في مناطق عدة في صنعاء وريفها تحت اسم دورات «طوفان الأقصى»، حسب ما ذكرته مصادر يمنية مطلعة لـ«الشرق الأوسط».

أفارقة استقطبهم الحوثيون في صنعاء (إعلام محلي)

ويسعى الحوثيون إلى تدعيم صفوفهم بمقاتلين جُدد، عبر تنفيذ عمليات ملاحَقة وخطف واستقطاب وغسل أدمغة وإجبار على الالتحاق بدورات طائفية وعسكرية.

ووفقاً للمصادر، فإن مئات المهاجرين الأفارقة المستهدفين بعملية التجنيد الأخيرة هُم ممن جرى القبض عليهم قبل فترة، ونقلهم على دفعات من محافظة صعدة المعقل الرئيسي للجماعة إلى معسكرات تدريب تعبوية وعسكرية أُنشئت بعيداً عن متابعة المنظمات الدولية ورقابتها.

واتهمت المصادر جماعة الحوثي بالقيام بمساومة أعداد من المهاجرين بين الالتحاق بصفوفها للقتال أو ترحيلهم قسراً إلى مناطق سيطرة الحكومة اليمنية. وذكرت أن ذلك الاستهداف يُعد ترجمة لتوجيهات كان أصدرها زعيم الجماعة الحوثية، تحضّ على إنشاء معسكرات تعبئة المهاجرين.

وجاءت هذه الممارسات متوازية مع إقرار الجماعة بشنّ حملات تعقب ومطاردة للمهاجرين الأفارقة في محافظة صعدة أسفرت خلال شهر واحد عن اعتقال 1694 شخصاً من مناطق عدة بالمحافظة، واقتيادهم إلى مراكز احتجاز، بعضها يتبع ما تُسمّى «مصلحة الهجرة»، وفق ما بثّه مركز الإعلام الأمني الحوثي.

مهاجرون أفارقة في إحدى المناطق اليمنية (إكس)

كما أقرت الجماعة الحوثية، عبر تقارير أخرى صادرة عن أجهزتها الأمنية في صنعاء، بتنفيذها، منذ مطلع العام الحالي، حملات تعقب وملاحَقة وخطف، أسفرت عن اعتقال ما يزيد على 3480 مهاجراً في صعدة ونقلهم إلى صنعاء.

انتهاك مستمر

يأتي الاستهداف الحوثي للمهاجرين الأفارقة مع استمرار تعرّض المئات منهم لشتى صنوف الانتهاك والابتزاز، وفق ما ذكرته مصادر حقوقية وتقارير دولية.

وتبرّر الجماعة الحوثية عملياتها الاستهدافية المستمرة ضد اللاجئين بسبب ما تزعمه من «خطورتهم على المجتمع»؛ حيث ترحّلهم من معقلها الرئيسي في صعدة، ومن مدن أخرى، وتجميعهم في مراكز تابعة لها في صنعاء، ثم إلحاقهم بمعسكرات تجنيد واستخدامهم في مهام تجسسية وتهريب ممنوعات.

وسبق أن اتّهم ناشطون يمنيون الجماعة الحوثية باستحداث معسكرين تدريبيين جديدين؛ أحدهما بمحافظة صعدة، وآخر قرب مزارع «الجر» غرب مديرية عبس التابعة لمحافظة حجة؛ حيث تستقطب الجماعة إليهما مئات المهاجرين الأفارقة الواصلين تباعاً إلى الأراضي اليمنية؛ بهدف إلحاقهم بجبهات القتال، واستخدامهم بمهام استخباراتية وتنفيذ مخططات استهدافية.

المهاجرون الأفارقة يتدفقون إلى الأراضي اليمنية عبر شبكات التهريب (الأمم المتحدة)

وكانت الحكومية اليمنية ندّدت غير مرة باستمرار الجماعة الحوثية في تجنيد اللاجئين الأفارقة للقتال في صفوفها، وعدّت ذلك جريمة حرب وانتهاكاً للقوانين الدولية والمواثيق الإنسانية.

وفي تقرير سابق لها، اتّهمت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات الحوثيين بإخفائهم قسرياً نحو 2406 يمنيين من مختلف الفئات والأعمار، مضافاً إليهم 382 لاجئاً أفريقياً في 17 محافظة، في الفترة من 1 يناير (كانون الثاني) 2017 حتى منتصف العام الماضي.