«ويل لأمة لا تقرأ.. وإذا قرأت لا تفهم» فالعلم نور والقراءة نعمة، توسع المدارك وتعزز الآفاق، تغرز فينا المعرفة وتحولنا إلى كتاب يستفيد منه جليسنا.
الكتاب مفتاح المعرفة، مهما كان عنوانه، فما بالك إذا كان الكتاب بشرياً؟
«المكتبة البشرية» أو The Human Library تجربة فريدة من نوعها، فهي تحول البشر وقصصهم إلى كتب يستفيد منها الغير.
بدأت فكرة «المكتبة البشرية» في كوبنهاغن في ربيع عام 2000 لتصبح اليوم موجودة في ست قارات وأكثر من ثمانين دولة. في البداية كانت المكتبة تعمل على مدى 8 ساعات في اليوم لأربعة أيام في الأسبوع، وكانت تعرض أكثر من خمسين كتاباً بشرياً بعناوين مختلفة. وفكرة الكتب البشرية تعتمد على القصص المثيرة والجدلية وغير النمطية. شارك في بداية المشروع أكثر من ألف قارئ، جاءوا إلى المكتبة لمعرفة قصص أشخاص مختلفين عنهم تماماً.
وبعد النجاح الكبير الذي رافق افتتاح المكتبة البشرية الأولى، رأى روني أبرغل، أحد المؤسسين للمشروع، أهمية توسيع الفكرة والاستعانة بمنظمين خارج الدنمارك، وهكذا حصل لتصبح المكتبة البشرية من أكثر أنواع المرافق الثقافية التي يقبل عليها المثقفون والقراء النهمون على حد سواء، إضافة إلى الشركات الكبرى التي تسعى إلى توسيع آفاق ومعرفة موظفيها.
في المكتبة البشرية يمكنك أن تختار أنت بأن تكون الكتاب، أو تكتفي بأن تكون القارئ المتعطش لقراءة قصص حقيقية وليست من نسج الخيال؛ لأن الكتب البشرية تحمل في طياتها قصصاً لا يمكن تصديقها؛ والسبب هو أن نمط حياة بعض الأشخاص غير عادية.
للاستطلاع على الفكرة، اتصلت «الشرق الأوسط» بأحلام خفاجي، وهي امرأة عربية مسلمة مقيمة في ميونيخ وتعمل مهندسة ديكور، قررت بأن تصبح كتاباً بشرياً واشتركت أخيراً في المكتبة بصفتها مسلمة ومحجبة أرادت أن تشارك قراءها حياتها كمسلمة مقيمة منذ سنوات طويلة في ألمانيا وتتقن اللغة الألمانية، وتنتمي إلى تلك البلاد الذي تعتبرها بلدها الأم ولو أنها لا تشبه أهلها.
تقول أحلام، إن قصتها مع المكتبة البشرية بدأت عندما كانت تتبرع بوقتها للذهاب مع شقيقتها إلى محطة القطار في ميونيخ لاستقبال اللاجئين السوريين والقيام بالترجمة من العربية إلى الألمانية ومرافقتهم إلى دوائر الحكومة للحصول على أماكن للإقامة وبدء حياة جديدة، وبعدها قامت الحكومة الألمانية بمشروع تعريفي ما بين اللاجئين من جميع الجنسيات تحت اسم «وسع آفاقك». هذا المشروع بدأ في برلين ووصل بعدها إلى ميونيخ، وفي البداية كانت الفكرة تدور حول الطبخ، بمعنى أن اللاجئين من جميع الجنسيات من سوريا واليمن والعراق وكردستان... يتشاركون الجلسات عن طريق ثقافة الطعام، وكانت أحلام تشارك في تلك الجلسات التي استفادت منها كثيراً وتعرفت على ثقافات عربية مختلفة.
وتابعت خفاجي «المكتبة البشرية هي مؤسسة حكومية موجودة في أحد المباني الحكومية، واليوم فتحت أبوابها في الهواء الطلق بسبب ظروف فيروس كورونا المستجد».
وعن سؤالها عن العنوان الذي اختارته لها كونها الكتاب الجديد في المكتبة، قالت أحلام، إنها اختارت عنوان «المرأة المسلمة»؛ والسبب هو أنها لطالما أرادت تعريف الغرب بثقافتها العربية ودينها الإسلامي وتعايشها كمسلمة في مدينة مثل ميونيخ.
وعن مشاركتها الأخيرة في المكتبة تطرقت أحلام إلى أسئلة طرحت عليها تمحورت بأغلبها حول المرأة والإسلام، فتعجب القراء من أجوبتها عن دور المرأة في المجتمع العربي وعن الحجاب الذي لم يؤثر على تطورها كمسلمة مقيمة في دولة غربية، وتكلمت أيضاً عن الطلاق، وصلحت مغلوطات كثيرة من قبل المشاركين الذين تصوروا بأن المرأة لا يحق لها الطلاق في الإسلام، كما تكلمت عن الإسلام وعن قيمه وعن القرآن، وكيف أنه لا يجوز فرض الدين على أحد، وعن احترام الأديان وأهمية التعايش فيما بينها، وشرحت أيضاً عن معنى الآيات القرآنية التي تخص كل مناحي الحياة.
وعن اختيارها هذا العنوان، قالت أحلام إنها تشعر بالمسؤولية إزاء ثقافتها العربية ودينها وواجبها بتمثيله بشكل جيد، ولا يجوز أن يفرض الدين على أحد أو حتى فرض الرأي، وترى في المكتبة البشرية فرصة تعبر فيها عن رأيها بصراحة من دون التجريح بالغير وبمعتقداتهم. ومن الأسئلة الأخرى التي طرحت عليها، الفرق ما بين الدول العربية، وهنا تقول أحلام إنها تفاجأت بالمعلومات القليلة من المشاركين حول الموضوع، فشرحت نقاط الفرق ما بين الدول العربية فيما يخص التقاليد واللهجة وبرزت الجانب الحضاري العربي الذي لاقى استحسان المشاركين من القراء. وتقول أحلام، إن المشاركين في قراءة كتابها كانوا مسؤولين ومديرين من شركة «ليغو» العالمية، والهدف من مشاركتهم هو التعرف على الثقافة العربية، خاصة أن الشركة تملك فروعاً في عدة دول عربية.
والى جانب مشاركتها ككتاب بشري، شاركت أيضاً كقارئة، وروت لنا تجربتها في سماع قصة رجل روى حكاية هرب والدته من فيتنام وظروف مجيئها إلى ألمانيا، فتقول أحلام إنها استمتعت بالقصة وكأنها كانت تقرأ كتاباً حقيقياً. وذكرت أيضاً قصة امرأة سوداء من أصول نيجيرية مولودة في ألمانيا، روت قصتها عن صعوبة الانتماء إلى مجتمع تعتقد بأنه مجتمعك إلا أن شكلك يظلمك وينظر إليك على أنك غريب، فهذه السيدة ولدت في ألمانيا، ولم تزر نيجيريا... وعلقت هنا أحلام بالقول «حالها حال الكثير من العرب المقيمين في ألمانيا، قضية الانتماء شائكة ومهمة ومثيرة للجدل».
إذا أردت المشاركة في المكتبة يمكنك زيارة الموقع الإلكتروني، وسيكون أمامك الخيار لتكون الكتاب أو القارئ، إذا اخترت بأن تكون الكتاب فيجب أن تعنون نفسك ككتاب، وتكتب السبب الذي يجعل منها كتاباً يقبل عليه الناس لقراءته ومعرفة ما في طياته، أما إذا اكتفيت بأن تكون مجرد قارئ فيمكنك زيارة الكتب المتوفرة وفيها تجد صور الأشخاص الذين يمثلون كل كتاب، وتحت كل صورة تجد بعض السطور التي تستخلص قصة الشخص، فتجد من عانى في حياته من التعنيف، وترى قصة المرض والدين... وغيرها من القصص المثيرة الأخرى.
المكتبة البشرية مفتوحة للعموم، كما هي أيضاً تستخدم كمكتبة داخل الجامعات، فهي متوفرة حالياً لطلاب الطب في جامعة توماس جيفرسون، وبحسب إدارة الجامعة فهذا النوع من المكتبات يعرّف الطلاب على التنوع العرقي، كما أن هناك شركات كبرى مثل «إي باي» و«مايكروسوفت» و«إيلي ليلي» و«ديملر»، وغيرها من الشركات الكبرى التي تستضيف مكتبات بشرية للغرض نفسها.
«المكتبة البشرية»... أنت فيها الكتابُ
عنون نفسك وافتح أوراقك وشارك القراء حكايتك
«المكتبة البشرية»... أنت فيها الكتابُ
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة