رحيل «طبيب الغلابة» المصري يخلّف حزناً واسعاً

عمل على علاج الفقراء لأكثر من نصف قرن

الدكتور محمد مشالي «طبيب الغلابة»
الدكتور محمد مشالي «طبيب الغلابة»
TT

رحيل «طبيب الغلابة» المصري يخلّف حزناً واسعاً

الدكتور محمد مشالي «طبيب الغلابة»
الدكتور محمد مشالي «طبيب الغلابة»

خلّف رحيل محمد مشالي، الملقب بـ«طبيب الغلابة» عن عمر ناهز 76 عاماً، حزناً واسعاً في مصر أمس، وذلك بعدما عمل على علاج الفقراء لأكثر من نصف قرن في عياداته الطبية الثلاث، إلى جانب المناصب الحكومية التي شغلها حتى خروجه إلى سن التقاعد في منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، ليتفرغ بشكل تام لعلاج المرضى البسطاء في عياداته بـ«طنطا» و«محلة روح» و«شبشير»، بسعر رمزي يبلغ 10 جنيهات (الدولار الأميركي يعادل نحو 16 جنيهاً مصرياً)، بالإضافة إلى الكشف مجاناً لغير القادرين.
ونعى عدد كبير من المصريين أمس، مشالي الذي تخرج في كلية طب القصر العيني، بجامعة القاهرة عام 1967. وعلقوا على وفاته بكلمات مؤثرة تنمّ عن حالة الحب التقدير التي كان يتمتع بها وسط الدلتا.
وألهمت قصة الطبيب المصريين، بعد نشر تفاصيلها على نطاق واسع إلى جانب أفكاره الاستثنائية وقناعاته الشخصية، في الصحف والبرامج التلفزيونية المصرية والعربية، خلال السنوات الأخيرة من عمره، بعدما ظل يعمل في صمت لسنوات طويلة لا ينتظر تكريماً أو شكوراً.
وحرص عدد من نجوم الفن والإعلاميين في مصر على نعي الطبيب، ونشرت الفنانة رانيا يوسف صورة مشالي عبر حسابها على «تويتر» وعلقت عليها قائلة: «خبر حزين برحيل شخصية مؤثرة... رجل أفنى عمره من أجل مساعدة الغير»، فيما كتب المطرب محمد محسن عبر حسابه على «تويتر»: «دكتور محمد كان مثالاً مشرفاً وراقياً ونجماً حقيقياً من نجوم المجتمع الحقيقيين... أتمنى من الإعلام تكريمه وتسليط الضوء على غيره من النماذج المشرفة حتى يعرف أولادنا كل قدوة حقيقية يحتذون بها في هذا الزمن الصعب».
وكتب الإعلامي محمود سعد: «بكل الحزن... وبكل الحب... ننعي د. محمد مشالي طبيب الغلابة إلى كل محبيه... إنسان نادر... شرفنا به في برنامج (باب الخلق)... نسألكم الدعاء ونسأل الله له الرحمة والمغفرة كما أحسن لكل الناس».
ونعت نقابة أطباء الغربية «طبيب الغلابة» في بيان صحافي أمس، وقالت إنه «أفني حياته لخدمة الآلاف من أهالي المحافظات من محدودي الدخل من دون النظر إلى أي مقابل مادي».
وكرمت النقابة الدكتور مشالي منذ ثلاث سنوات وحصل على لقب «الطبيب المثالي»، موضحةً أن هذا التكريم أعلى أنواع التكريم من نقابة الأطباء.
الدكتور مشالي المولود في محافظة البحيرة، الذي دعا مواطني وأطباء بلاده إلى الاستمرار في عمل الخير والعطاء، قال في تصريحات صحافية سابقة: «أعطتني الدنيا أكثر مما أتمنى وأكثر مما أستحق، ومن غير الممكن أن أترك أحداً يموت من الوجع».
وذكر مشالي أنّه تعرض لأحداث مهمة في حياته جعلته يكرس حياته لخدمة المرضى الفقراء قائلاً: «اكتشفت بعد تخرجي أن أبي ضحّى بتكاليف علاجه ليجعل مني طبيباً، فعاهدت الله ألا آخذ قرشاً واحداً من فقير أو معدوم».
فيما كشف هاشم محمد، مساعد الراحل الدكتور محمد مشالي، في تصريحات صحافية أمس، أن «الطبيب الراحل كان يتمنّى أن يلقى ربه وهو واقفاً على قدميه، وهو يخدم الغلابة المترددين على عيادته»، وأكد أن «الدكتور محمد مشالي سخّر وقته وعمره لخدمة الفقراء وكان ينفّذ وصية والده، بأن يكون عونا وسنداً للفقراء طوال عمره».
«طبيب الغلابة» الذي تنقل بين الوحدات الريفية، قبل أن يترقّى لمنصب مدير مستشفى الأمراض المتوطنة، تأثر بموقف وفاة طفل بين يديه لعدم قدرة والدته على شراء الدواء له، وهنا كانت نقطة التحول في حياته، وفق ما نقله بعض الصحف المصرية أمس.
وذكرت عزة أبو سريع، حارسة العقار الذي كان يقيم فيه الطبيب أنّه «كان يعتاد يومياً على النزول مبكراً وتوزيع الطعام على الفقراء في الشارع، ثم يعود للمنزل، ليأخذ حقيبته ويتوجه لعيادته، ولكن أول من أمس كان مختلفاً، إذ لم يذهب إلى عيادته بعد واجباته الصباحية المعتادة وعلمت أنّه أصيب بارتفاع في ضغط الدم وتوفي فجر الثلاثاء».
ليستحوذ خبر وفاة الدكتور مشالي على اهتمام وسائل الإعلام المصرية، فور نشر الخبر، مثمنين تجربته المتفردة في خدمة المرضى البسطاء وسط تفاعل كبير من المواطنين وحزنهم لرحيله.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».