مخاطر «الإعلام البديل»

مخاطر «الإعلام البديل»
TT

مخاطر «الإعلام البديل»

مخاطر «الإعلام البديل»

لقد أدت التغيرات الحادة التي اجتاحت العالم العربي بدءاً من غزو العراق في عام 2003، ومروراً بالانتفاضات التي أطاحت عدداً من الأنظمة قبل نحو عقد من الزمان، إلى تغير جوهري في المشهد الإعلامي بالمنطقة، وبخاصة في الدول التي نشأت فيها حالات إعلامية بديلة على أنقاض الحالات المغلقة والأحادية التي انهارت إثر سقوط أنظمتها السياسية.
ظل العراق يعيش حالة إعلامية خاضعة للسيطرة المحكمة طيلة عهد صدام حسين، الذي اقتصر المشهد الإعلامي في عهده على التلفزة والإذاعة الرسميتين وعدد من الصحف لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، تركز جمعيها على أخبار «القائد المُلهم الضرورة» وصوره. وبعد الغزو الأميركي لهذا البلد، تبدلت الأحوال بسرعة مدهشة، ليصبح لدى العراقيين مئات من الصحف والقنوات الفضائية والإذاعات، بسقف «حرية» شديد الارتفاع، وبأقل قدر من القيود.
لكن الحريات غير المسؤولة، والانفلات، والأدوار الحادة لوسائط التواصل الاجتماعي، التي باتت تحفل بها المنظومة الإعلامية العراقية، بعد سقوط نظام صدام، كرّست التَّفتُّت والصراع المذهبي في البلاد، حيث عمل معظم تلك الوسائل كأدوات دعاية سوداء لمصالح طائفية أو آيديولوجية أو مخالب لمؤثرات أجنبية ذات أغراض هيمنة وتحكم، في وقت عجزت فيه «المنظومة الجديدة» عن الوفاء بالمعايير المهنية والأخلاقية والتزام اعتبارات الجودة.
كانت سوريا قد عرفت بدورها نظاماً إعلامياً من بين النظم الأكثر انغلاقاً وانقطاعاً عن المعايير المهنية في العالم، فمنذ صعد الأسد الأب إلى سدة السلطة في بلاده قبل نحو خمسة عقود، تحولت وسائل الإعلام في البلاد إلى أذرع دعاية مباشرة للرئيس وحزب البعث الحاكم؛ وهو الأمر الذي لم يتغير كثيراً في عهد الأسد الابن، رغم أنه سمح في بداية حكمه بظهور بعض التعبيرات الإعلامية الخاصة، التي امتلكها رجال أعمال مقربون من الحكم.
وبعد اندلاع الانتفاضة في عام 2011، ظهرت حالة إعلامية جديدة، قوامها مئات من وسائل الإعلام التي سُميت «البديلة»، حيث رأى إعلاميون وخبراء أن ما ظهر من وسائل إعلام جديدة تُعنى بالشأن السوري، داخل البلاد، أو خارجها، بات يشكل نسقاً جامعاً له سمات مشتركة، وأنه، إضافةً إلى ذلك، يطرح بديلاً لإعلام الدولة السورية الأحادي المنغلق.
لكن نقطة الضعف الأولى في تلك المنظومة تجسدت في ارتهانها لانتماءات سياسية خارجية وداخلية؛ إذ إن غالبية تلك الوسائل تنتمي إلى قوى معارضة سورية، أو تعبر عن تيارات آيديولوجية معينة، أو مصالح أجنبية. يمثل هذا الانتماء السياسي، وما يصحبه من أنماط أداء دعائية غالباً المعادل الموضوعي للخطأ الجوهري الذي وقع فيه الإعلام السوري التابع للنظام.
لا يستهدف معظم تلك الوسائل تحقيق الربح، أو حتى الوصول إلى نقطة التوازن لمعادلة النفقات، لكنها بالطبع تسعى إلى إحداث أثر سياسي، يتعلق برؤيتها لما يجب أن تكون عليه الأوضاع في سوريا، وبالتالي فهي لا تقيم وزناً لاعتبارات الصناعة وضمان الجدوى الاستثمارية، ما دامت أهدافها السياسية تتحقق، وهنا يتعمق الأداء الدعائي لها، وتفقد صلتها شيئاً فشيئاً بقيم العمل الإعلامي.
وحين نجحت الانتفاضة الليبية، التي اندلعت في 2011، في إطاحة حكم القذافي، كانت آمال الصحافيين والإعلاميين الليبيين كبيرة في بناء منظومة إعلامية تتمتع بالاستقلالية والتعددية والمهنية، لكن تلك الآمال تتراجع الآن، بموازاة الاختلالات الحادة التي تعتري القطاع، والمخاطر الكبيرة التي يواجهها العاملون في المهنة.
أدى غياب الضبط والتنظيم إلى انحراف ممارسات وسائل الإعلام بشدة، حتى إن معاهد ومراكز بحوث دولية مهمة رأت أن «الرأي العام الليبي لم يعد يثق بوسائل الإعلام الوطنية بسبب ممارساتها غير المهنية، وشيوع أنماط الأداء الحادة والمنفلتة، وعدم الالتزام بالقواعد المنظمة للعمل الإعلامي».
لقد نشأ «إعلام بديل» في دول التغيير العربية، على أنقاض الإعلام الأحادي المغلق الذي سخرّته الأنظمة المنهارة لخدمتها وحوّلته إلى أدوات دعاية، لكنّ ذلك «الإعلام البديل» ظل يعاني من تبعية سياسية، وقصور مهني، وارتهان لمصالح الممولين، وانخراط في الصراعات السياسية والطائفية، ولم ينجح في الفوز بثقة الجمهور واعتماده.



تميم فارس: «ديزني+» تعرض محتوى يلائم ثقافة المنطقة ويحترمها ويراعيها... ونعمل على توسيع شراكاتنا

شعار "ديزني +" كما بدا في مناسبة الاطلاق قبل سنتين في دار الأوبرا بدبي (رويترز)
شعار "ديزني +" كما بدا في مناسبة الاطلاق قبل سنتين في دار الأوبرا بدبي (رويترز)
TT

تميم فارس: «ديزني+» تعرض محتوى يلائم ثقافة المنطقة ويحترمها ويراعيها... ونعمل على توسيع شراكاتنا

شعار "ديزني +" كما بدا في مناسبة الاطلاق قبل سنتين في دار الأوبرا بدبي (رويترز)
شعار "ديزني +" كما بدا في مناسبة الاطلاق قبل سنتين في دار الأوبرا بدبي (رويترز)

شدد تميم فارس، رئيس «ديزني+» في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، على أن منصة «ديزني+» مهتمة بالعمل على «تقديم محتوى يلائم ويحترم ويراعي الثقافة المحلية للجمهور» في المنطقة. وأشار إلى أن «ديزني+» ماضية قدماً ليس فقط في تقديم أفلام ومسلسلات مشهورة مع ضمان ملاءمتها واحترامها للثقافة المحلية، بل إن «جميع المحتوى الموجه إلى الجمهور تجري مراجعته بدقة لتحقيق هذه الغاية».

تميم استهلّ اللقاء بقوله «أولاً وقبل كل شيء، يسعدني أننا أطلقنا منصة هنا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فهذه المنطقة غنية بالثقافة والتراث والتقاليد. ولقد كان بمثابة حلم يتحقق أن نقدّم هذا المحتوى المميز إلى الجمهور المحلي العاشق للسينما والترفيه».

وتابع، من ثم، ليتطرّق إلى مواجهة بعض التحديات خلال هذه الرحلة فيقول: «ونحن بعد سنتين تقريباً على إطلاق (ديزني+)، نواصل - مثلاً - التعلّم من جمهورنا، وتنقيح محتوى المنصة؛ كي يراعي الثقافة المحلية للمشاهدين في المملكة العربية السعودية. ويشمل هذا نهجنا المحلي للمحتوى، وهذه أولوية كبيرة بالنسبة لنا».

إطلاق «ديزني+»

تميم فارس شرح أن «ديزني+» منصة توفّر خدمة عرض المحتوى الترفيهي حول العالم، منذ إطلاقها في عام 2022 في 16 سوقاً ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأنها «تعرض مجموعة واسعة من أشهر القصص من إنتاج شركة (والت ديزني)، بما في ذلك الأفلام والمسلسلات والأفلام الوثائقية والأعمال الأصلية الحصرية من إنتاج (ديزني) و(بيكسار) و(مارفل) و(ستار وورز) و(ناشيونال جيوغرافيك) وغيرها الكثير».

ثم ذكر أن كثيرين اعتادوا مشاهدة الأفلام الكلاسيكية من «ديزني» بدءاً بـ«الأسد الملك» و«علاء الدين»، ووصولاً إلى «موانا» و«إنكانتو». بالإضافة إلى عرض هذه الأفلام العائلية المفضلة على «ديزني+»، فهي متوافرة كذلك للمشاهدة بخياري الدبلجة باللهجة المصرية أو اللغة العربية الفصحى المعاصرة.

وبعدها علّق من واقع تجربته الشخصية: «أنا مثلاً، نشأت على مشاهدة الكثير منها مدبلجاً بصوت أشهر الممثلين والممثلات مثل محمد هنيدي ومنى زكي وعبلة كامل وخالد صالح، والآن أُتيحت لي فرصة مشاهدتها مرة أخرى مع ابني زين على المنصة».

ثم لفت إلى أن «ديزني+» تقدّم محتوى جديداً باستمرار، بما في ذلك الإصدارات السينمائية الحديثة والضخمة الصيفية، وكان آخرها فيلم «قلباً وقالباً 2» من إنتاج «ديزني» و«بيكسار» على «ديزني+» في 25 سبتمبر (أيلول) الماضي. وأفاد بأن «هذا الفيلم تصدّر قائمة أفلام الأنيميشن الأعلى تحقيقاً للإيرادات على الإطلاق، وجارٍ الآن عرضه حصرياً على (ديزني+)... وفي الواقع، يجري عرض أعمال (ديزني) السينمائية كافّة على منصة (ديزني+) في نهاية المطاف».

تميم فارس، رئيس "ديزني+" في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (ديزني)

التكيّف مع المشهد التنظيمي الإقليمي

من جانب آخر، بالنسبة إلى الامتثال للقوانين المحلية للبث، أكد تميم فارس أن «فريقنا الإقليمي في (ديزني+) يقدّر الثقافة العربية تماماً، وأنا بصفتي أباً عربياً، أشارك تجربة شخصية مع ابني زين البالغ من العمر 7 سنوات؛ إذ نشاهد المحتوى معاً أو يشاهده بمفرده أحياناً. لذلك، أحرص على أن يكون ما يشاهده آمناً ومناسباً لثقافتنا العربية، ويتماشى مع قيمنا وتقاليدنا وأعرافنا».

وأردف: «وكما ذكرت سابقاً... المحتوى هو الركيزة الأساسية لكل ما نقدّمه. ومنذ إطلاق المنصة، أنشأنا فريق امتثال متخصصاً على المستوى المحلي، وهو الفريق المسؤول عن مشاهدة المحتوى المعروض ومراجعته وفحصه بدقة. ولا يُجاز شيء إلا بعد تأكد هذا الفريق من أن كل كلمة تُنطق أو تُترجم أو تُدبلج تتوافق أو يتوافق مع قيمنا العربية وتقاليدنا. ولا بد أن يتوافق المحتوى الموجه إلى الجمهور الأصغر سناً مع هذه الإرشادات ليصار إلى عرضه على (ديزني+)».

وفي الاتجاه نفسه ركّز تميم على أنه «بالإضافة إلى فريقنا، ونظراً إلى أنني أب عربي لابن صغير، أدرك أن ابني يستطيع مشاهدة مسلسلاته وأفلامه المفضلة ضمن بيئة آمنة ومناسبة لكل أفراد العائلة من دون استثناء، وذلك من خلال تمكين الوالدين من ضبط إعدادات المشاهدة بسهولة مطلقة لمراقبة المحتوى الذي يشاهده الأطفال، بما في ذلك خيار إعداد حسابات خاصة بهم وحمايتها من خلال رمز سري».

وأضاف شارحاً: «وحقاً، نحن نولي أهمية قصوى للحفاظ على صدقنا وأصالتنا تجاه جمهورنا العربي، ونلتزم بتقديم محتوى عالي الجودة يتماشى مع قيمنا العربية الأصيلة. وبصفتي أباً، أشعر بالطمأنينة لمعرفة أن أطفالي يستمتعون بمحتوى آمن ومناسب لأعمارهم».

استراتيجيات «ديزني+» في المنطقة

وحول استراتيجيات «ديزني+» في منطقة الشرق الأوسط، أوضح أن المحتوى الذي تقدمه المنصة كفيلٌ بالتأكيد على مدى نجاحها، وقال: «منصة (ديزني+) تعرض ثمانية من أفضل عشرة أفلام تحقق أعلى مستوى مبيعات حول العالم التي تُعرض تقريباً معظمها بشكل حصري على (ديزني+)، ويمكن لمشاهدي المنصة مشاهدة آلاف المسلسلات والأفلام من إنتاج (ديزني) و(بيكسار) و(مارفل) و(ستار وورز) و(ناشيونال جيوغرافيك) والمحتوى الترفيهي للبالغين من (ستار). إننا نقدم حقاً المحتوى الذي يناسب تفضيلات الجميع من الفئات العمرية كافّة ومختلف شرائح المجتمع».

وزاد: «إننا نحرص دوماً على عرض الأعمال الجديدة على منصتنا، لكننا ندرك في الوقت نفسه أن خيارات مشاهدينا المفضلة تتغيّر وتتوسع لتشمل رغبتهم في مشاهدة المحتوى العالمي أيضاً». وتابع: «لقد بادرنا مثلاً إلى تنظيم مجموعات متخصصة في الكثير من المدن السعودية، للتفاعل مع المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي والوقوف على المحتوى الذي يشاهدونه عبر المنصة. وفي الوقت نفسه، نحرص دوماً على الاستفادة من عملائنا المحليين والارتقاء بإمكاناتنا والمحتوى الذي نقدمه إليهم؛ كي ننجح في توفير خدمات تلبي احتياجات المنطقة».

المحتوى المحلي

تميم فارس قال إن «ديزني+» تتطلع لمزيد من الأعمال والإنتاجات التي تعزّز مكانتها في المنطقة، وبالتحديد على المستوى المحلي، «على سبيل المثال، أعلنا شعارنا الجديد الذي يضم للمرة الأولى على الإطلاق كلمة (ديزني) باللغة العربية. وبادرنا إلى إطلاق أول حملة إعلانية ننتجها محلياً على الإطلاق، ويشارك فيها فريق عمل سعودي بامتياز يضم أشهر صناع المحتوى المحليين، لتعزيز شعور المشاهدين على مستوى المنطقة بالشمولية والانتماء».

ثم أضاف: «وثانياً هناك المحتوى الذي تقدّمه المنصة؛ حيث نؤكد مواصلة التزامنا بتقديم محتوى جديد ومتنوع والحفاظ على مكانتنا الحالية، من خلال إضافة أعمال جديدة إلى مكتبتنا الضخمة من المحتوى الذي نعرضه للمشاهدين كل يوم... ونحرص على تقديم المحتوى الترفيهي الذي يرتقي إلى مستوى تطلعات المشاهدين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتفضيلاتهم، بدءاً من الأعمال العالمية التي تحقق نجاحاً كبيراً وصولاً إلى المحتوى المحلي المدبلج باللغة العربية».

ومع تشديده على أن جميع الأفلام والمسلسلات والبرامج التي تُعرض على «ديزني+» تتوافق بالكامل مع المتطلبات التنظيمية المحلية السعودية، أوضح تميم أن المنصة تسعى باستمرار إلى عقد مزيد من الشراكات مع أبرز الشركات المزودة لخدمات الاتصالات، مثل شركة الإمارات للاتصالات المتكاملة «دو»، وشركة اتصالات «زين» في الكويت، لتوفير مجموعة من خيارات الاشتراك، وتتطلّع إلى مواصلة عقد مزيد من الشراكات خصوصاً في السعودية في المستقبل القريب.

واختتم بتسليط الضوء على عروض الأفلام الوثائقية المرتبطة بالمنطقة، فقال: «نعرض حالياً فيلم (كنوز الجزيرة العربية المنسية) على منصة (ناشيونال جيوغرافيك)، لتمكين المشاهدين من رؤية ثقافتهم الغنية وتراثهم العريق من زاوية مختلفة، وننظر أيضاً في فرص توسيع نطاق المحتوى الذي نقدمه إلى المشاهدين، من خلال بناء شراكات واتفاقيات تعاون مع مجموعة محلية من صناع المحتوى وشركات الإنتاج».