أصيب أكثر من 20 ألفا من أفراد الجيش الأميركي بفيروس «كورونا»، وارتفع معدل الإصابة بين صفوف الجيش بمقدار ثلاثة أمثال خلال الستة أسابيع الماضية، مع تحول الجيش الأميركي إلى مصدر محتمل للعدوى داخل البلاد وخارجها، بحسب مسؤولين في الجيش، ومسؤولين محليين في قطاع الصحة العامة.
وتزداد الحالات بشكل كبير في القواعد العسكرية في كل من ولاية أريزونا، وكاليفورنيا، وفلوريدا، وجورجيا، وتكساس، وهي ولايات شهدت تزايد كبير في عدد الحالات المؤكدة. وأبلغت قوات مشاة البحرية الأميركية في قاعدة في أوكيناوا باليابان عن مائة حالة إصابة تقريباً مما أثار غضب مسؤولين محليين. كذلك تعاني القوات الأميركية من انتشار المرض بين صفوفها في ساحات الحرب في كل من العراق، وأفغانستان، وسوريا، والتي تعج بالفعل بحالات إصابة غير مسجلة.
وفي كوريا الجنوبية حيث تم الثناء على اللواء روبرت أبرامز عند بداية ظهور الوباء لاتخاذه إجراءات صارمة من أجل السيطرة على انتشار الفيروس، سجلت القوات الأميركية في البلاد 98 حالة إيجابية، يبدو أنها كانت قد انتقلت من الولايات المتحدة الأميركية، بحسب ما أكد اللواء أبرامز.
أما داخل البلاد فقد تتبع مسؤولون محليون في مقاطعة تشاتاهوتشي بولاية جورجيا، ذات الكثافة السكانية المنخفضة، والتي شهدت معدل إصابة مرتفعا، حالات انتشار العدوى، وتبين أن مصدرها هو حصن «بنينغ»، الذي يعد من قواعد التدريب الكبرى في الولاية. كذلك أدرك مسؤولون في كل من كاليفورنيا وكارولاينا الشمالية وجود صلة بين مواقع الجيش والمناطق المحلية. وليس من المستغرب ارتفاع عدد الحالات بين سكان أكثرهم من الشباب يقيمون في أحياء متكدسة بالقرب من مدن تم إعادة فتح الحانات وغيرها من الأماكن المزدحمة بها. مع ذلك تثير زيادة الحالات المصابة بالفيروس خاصة في الخارج تساؤلات بشأن إجراءات الوقاية والسلامة التي يتبعها الجيش، في الوقت الذي تجد فيه وزارة الدفاع (البنتاغون) صعوبة في احتواء الفيروس بين صفوف الجيش، إلى جانب عملها على معالجة المشكلات اللوجيستية الناجمة عن الفيروس مثل إغاثة القوات العالقة في الخارج والتي بقيت لمدة أطول من المتوقع.
يقول جيسون ديمبسي، زميل رفيع المستوى في «مركز الأمن الأميركي الجديد»،: «إنه تحدٍ مذهل. في ظل عجزنا عن التحكم في الفيروس على مستوى البلاد، أعتقد أننا سوف نرى عدم ترحاب من جانب بعض البلاد بنشر أي قوات أميركية باستثناء البعثات العسكرية الضرورية».
ويوضح ارتفاع عدد حالات الإصابة بالفيروس من أوجه كثيرة الوضع في باقي أنحاء الولايات المتحدة الأميركية المنهكة بفعل شهور من الإغلاق ووقف الأنشطة، والتي تحاول العودة إلى الحياة الطبيعية. ووصل عدد الحالات المصابة بالفيروس في صفوف الجيش 21.909 منذ يوم الاثنين، في حين كان العدد 7.408 في 10 يونيو (حزيران) بحسب ما صرحت به وزارة الدفاع. وتُوفي ثلاثة أفراد في ذلك السلاح منذ مارس (آذار) من بينهم بحار على حاملة الطائرات «ثيودور روزفلت»، وتم نقل أكثر من 440 فردا من أفراد ذلك السلاح إلى المستشفيات.
ومن الصعب الحفاظ على التباعد الاجتماعي في معسكرات التدريب العسكرية، فالثكنات مكتظة، ومدارس التدريب الشاقة هي النمط السائد، والحانات المفتوحة وغيرها من الأماكن الاجتماعية تمثل مصدر غواية، خاصة مع استعداد القوات للتوجه إلى خارج البلاد. وتقول ليندسي لينينغر، باحثة في السياسات المتعلقة بالصحة، وأستاذة الطب الإكلينيكي في كلية إدارة الأعمال في كلية «دارتموث كوليدج»: «تمثل القواعد العسكرية خليطاً ديموغرافياً قابل للاشتعال مكون من شباب وأشخاص أكبر سناً في أماكن مكتظة، وهو ما يوفر بيئة خصبة ومثالية لانتشار مثل هذا الفيروس». وأضافت قائلة: «للأسف تضع تلك الكثافة والديموغرافية القواعد العسكرية في خطر انتشار الفيروس بصورة كبيرة. نظراً لانتماء الكثير من الموظفين في القواعد إلى مجتمعات مضيفة، يمكن أن يتسبب انتشار العدوى في القاعدة إلى انتقالها إلى المجتمع والتسبب في حالة انتشار مجتمعي».
على الجانب الآخر أشار ريان مكارثي، وزير الجيش، خلال مكالمة هاتفية جماعية مؤخراً، إلى وجود زيادة حادة في حالات الإصابة بالفيروس في كل من حصن «بنينغ»، وحصن «ليونارد وود» في ولاية ميسوري، وهما من مدارس تدريب المشاة الكبرى. وقد أقر مكارثي بأن الجيش يدفع ثمن قرار إعادة فتح مواقع التدريب الأساسية الخاصة به مبكراً أو دون الالتزام بالإجراءات الوقائية والاحتياطية الكافية. كذلك أوضح أن الجيش كان يفكر في تغيير بروتوكولات الفحص الطبي، وزيادة مدة العزل التي كانت تبلغ 14 يوماً قبل نشر القوات في الخارج، إلى جانب زيادة عدد الاختبارات التي يتم إجرائها للكشف عن الفيروس. وقال أبرامز في برنامج إذاعي على «شبكة القوات الأميركية في كوريا»: «نحن نتعامل مع هذا الأمر بجدية كبيرة». ونظراً لكون الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي تنشر قواتها العسكرية بهذه الكثافة في عشرات الدول حوال العالم، والتي تمنع بعضها دخول المسافرين الأميركيين إليها، فهناك فرص واحتمالات كثيرة لنقل الفيروس إلى تلك الدول، إلى جانب احتمال تسهيل الانتشار المجتمعي في مناطق تعاني بالفعل من ظهور حالات جديدة بها. وكان هذا واضحاً في أوكيناوا، وهي واحدة من الجزر التي تقع أقصى جنوب اليابان، وتضم العديد من القواعد الأميركية. وكان قد تم نشر آلاف الأفراد من قوات مشاة البحرية الأميركية خلال عدة أسابيع في شهر يونيو (حزيران) في أوكيناوا، وذلك بعد تأخير ناتج عن قيود السفر التي تم تخفيفها لاحقاً. وكان لقرار مارك إسبر، وزير الدفاع الأميركي، بتقييد سفر أفراد الجيش، ثم تخفيفه لاحقاً في نهاية يونيو (حزيران)، هدفين: الأول هو محاولة حماية صفوف الجيش من الفيروس، والثاني هو الحد من عرقلة خطط نشر القوات التي استغرقت مدة طويلة لوضعها.
وهناك اعتقاد بأن مروحية تابعة لقوات مشاة البحرية الأميركية، ووحدة المشاة من كاليفورنيا، هما السبب في ظهور حالات جديدة في أوكيناوا بحسب أحد أفراد مشاة البحرية مطلع على الأمر تحدث شريطة عدم ذكر اسمه. وسرعان ما انتشر فيروس «كوفيد - 19» في الوحدة خلال شهر يونيو (حزيران)، ومن المرجح أن يكون معدل انتشاره قد ازداد بسبب إقامة مجموعة من الحفلات غير المصرح بها خلال عيد الاستقلال بحسب ما ذكر الفرد المذكور في مشاة البحرية. وكتب قادة عسكريون في أوكيناوا لمشاة البحرية بعد أيام من عطلة العيد في رسالة حصلت عليها صحيفة «نيويورك تايمز»: «أعتقد أنكم جميعاً تدركون، استناداً إلى إفادات فرق المتابعة، أن الأفراد في مشاة البحرية والبحارة الذين أصيبوا بفيروس «كوفيد» قد خالفوا القيود الموضوعة على حركتهم». وأكد القادة على أفراد مشاة البحرية ضرورة الالتزام بالقيود وقالوا إنهم «تحت المجهر».
- خدمة «نيويورك تايمز»