يجري حالياً أحد المواقع الإلكترونية المعروفة في لبنان استفتاء حول أنجح حفلات الـ«أونلاين» التي أحياها فنانون لبنانيون كنجوى كرم وإليسا ونانسي عجرم ومايا دياب. فهذه الحفلات الافتراضية التي فرضها زمن التباعد الاجتماعي مع انتشار فيروس «كورونا المستجد»، لاقت صدى طيباً من قبل متابعيها.
وتلعب مهنة الـ«آرت دايركشن» (الإدارة الفنية) دوراً رئيسياً في هذا النوع من الحفلات. فهي عادة ما كانت ترافق كليبات أغاني مصورة ومسرحيات وحلقات تلفزيونية، وما إلى هنالك من أعمال فنية تحتاج إلى ديكورات خاصة بها.
وشكّل اللجوء إلى أصحاب هذا الاختصاص في هندسة الحفلات الافتراضية، تجدداً لمهنة لم يخطر على بال محترفيها أنّها ستتألّق في زمن الجائحة.
فمن تابع حفلة الفنانة نانسي عجرم التي سجلت نجاحا كبيرا بمناسبة عيد الفطر الفائت، لا بدّ أن يكون شدّه الجو العام للحفل. فهو اتسم بالدفء وعبق بالرومانسية وتميز بالبساطة في الوقت نفسه. فجاءت الحفلة تشبه إلى حدّ كبير صاحبتها بحيث انعكست بديكوراتها إيجاباً على مشاهدها، ووقع إخراجها سمير السرياني.
أما حفل الفنانة نجوى كرم فاتخذ طابعاً مغايراً تماماً عن سابقه، إذ اتسم بالدمغة اللبنانية العريقة. فحاملة لقب «شمس الأغنية اللبنانية» اختارت حديقة منزلها لتطل منها على محبيها. وبين ديكورات القناطر وأحواض الزهور وشجر الحور جلست نجوى تغني طرباً. فالقعدة التي اختارتها بدت وكأنها تجري في عالم آخر وقد زينتها الـ«آرت دايركتر» ميراي الرفيع، بإضاءة خافتة وبديكورات مستوحاة من عيد الفطر.
الفنانة مايا دياب التي أحيت مؤخراً (في 15 يوليو (تموز) الجاري) ثالث حفلاتها الافتراضية الموقعة من قبل شركة «بي أون ست برودكشن»، فقد اختارت موضوع الطبيعة لتطل منها وتقف على مسرحها في ستوديو جهز خصيصاً للمناسبة. وعلى مدى أربعة أيام متتالية حضّرت مايا لهذا الحفل مع فريق مؤلف من المدير الفني شربل زغيب والمسؤولة عن الإبداع الفني كريستيل يونس. فجاءت مشهديته تسودها عناصر الطبيعة بشكل ملحوظ. وهو ما طال شخص مايا أيضاً، إذ بدت متألقة بتاج من الزهور الملونة وضعته على رأسها في إحدى وصلاتها الغنائية لإيصال روح الطبيعة إلى متابعيها «أونلاين».
فهل ديكورات الحفلات الافتراضية تختلف عن غيرها؟ وما الدور الذي تلعبه بالنسبة لمشاهدها؟ يرد شربل زغيب منسق حفلة مايا دياب الأخيرة «الحديقة السرية» في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لم تكن الحفلات الافتراضية موجودة على خارطة الفنانين قبل (كورونا). فرضتها الجائحة بشكل غير مباشر كي يبقى هذا التواصل حاضراً بين المغني وجمهوره. والمهم في الموضوع أنّ مهمة المدير الفني للحفل أن يقرب هذه المسافة الافتراضية بين الفنان وجمهوره. فيستحدث ديكورات فنية تشبه إلى حد كبير شخصية المطرب ومزاجه». ويتابع شربل زغيب الذي درس العلوم البصرية والسمعية ويعمل في الإدارة الفنية: «بلا شك فقد ولّد الفيروس هذا المفهوم الجديد في الحفلات. أمّا مهمتنا فيها فتكمن في جذب انتباه المشاهد وشده لمتابعة الحفل من أوله إلى آخره. ففي الحفلات العادية يكون الجمهور منجذباً إلى مطربه وهو يغني على خشبة لا ديكورات ضخمة تحيط بها إلّا في حال كان الحفل بمثابة مسرحية استعراضية». وعن طبيعة هذه المهنة الجديدة والفرق بينها وبين هندسة مواقع التصوير المعتادة، يقول زغيب في سياق حديثه: «نعمل في هذا المجال وكأنّنا بصدد تصوير فيديو كليب غنائي، غني بعناصر كثيرة تسهم في بناء أجواء جذابة. فنعمل على تحويل ستوديو عادي مثلاً إلى واحة طبيعية، وهو ما اتبعناه في حفل مايا دياب. وبغياب عين الجمهور المباشرة نركز على العمل ككل، كي نراه على المستوى المطلوب بعين الكاميرا».
التعليقات على حفل نجوى كرم الافتراضي كانت إيجابية جداً، إلى حدّ دفع بالبعض إلى وصف موقع التصوير بقطعة من الجنة. وتعلق ميراي رفيع المديرة الفنية للحفل: «أعتقد أنّ المكان نفسه هو الذي حوّل المشهدية العامة للحفل وجعلها جميلة وجذابة». وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «فنجوى كرم اختارت حديقة منزلها لتكون عالمها الافتراضي، وتمسكت شخصياً بتقديم صورة نظيفة للمشاهد بعيداً عن عجقة الألوان وعناصر الأثاث، كي لا ينفر منها متابع الحفل. فاستفدت من هندسة الحديقة بشكل عام، وخففت من وجود الوسادات الملونة وكل ما يمكن أن يزعج نظر المشاهد. وركزت بشكل عام على عنصر الإضاءة كي أعطي الحديقة حقها وأضفي عليها أجواء دافئة ورومانسية، بعيداً عن البهرجة». وترى ميراي رفيع أنّ هذه المهنة تجدّدت مع زمن كورونا، واتخذت منحى مغايراً لجذب المشاهد. أمّا عناصر الإدارة الفنية (آرت دايركشن) لأي عمل فتبقى كما هي محصورة بالإضاءة والإدارة الفنية وعملية الإخراج. «إن غياب أي من هذه العناصر لا بدّ أن يفشل العمل ككل». تعلق رفيع في ختام حديثها.
حالياً ينشغل اللبنانيون بالتصويت لأجمل حفلة افتراضية تابعوها «أونلاين». ونتيجة التصويت لن تشكل فوزاً للفنان وحده، بل ستطال بشكل رئيسي المدير الفني الذي أشرف عليها. فهو كان مسؤولاً عن جذب عين المشاهد وحثه على متابعة الحفل من الناحية البصرية.
من جانبه، يعلّق المخرج سمير السرياني الذي أدار الحفل الافتراضي للفنانة نانسي عجرم في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «يمكن القول إنّ جمال حفلها جاء على قاعدة العفوية المطلقة. فصحيح أنّنا حضّرنا معاً للمشهدية كاملة، ولكنّني صممت على ترك مساحة لا يستهان بها للارتجال». ويتابع السرياني في سياق حديثه: «حتى نانسي نفسها تفاعلت مع هذا الموضوع، وكانت تفاجئني بتصرفات ارتجالية أثناء الحفل، لم أكن قد طلبتها منها. وما أريد قوله إنّ صعوبة العمل في الحفل الافتراضي تكمن في جذب عين المشاهد أطول مدة ممكنة من دون أن يشعر بالملل. ففي الحفلات العادية هناك تفاعل يحصل بين المطرب وجمهوره مباشرة على الأرض مما يزودها بنبض وحيوية قويين. أمّا في الافتراضية فالعمل يكون مركزاً على إبهار عين المشاهد كي لا يستطيع ترك المشهدية ولو للحظة واحدة».
ويختم المخرج اللبناني: «اعتمدنا ديكورات بسيطة ودافئة أشرف عليها أسعد خويري. فقدمنا القسم الأول من الحفل مع ديكورات تميل إلى البوهيمية. فيما لجأنا في القسم الثاني منه إلى إضاءة جميلة لونت المشهدية بالرومانسية. وكانت حركة كاميرتي سريعة كي أستطيع إظهار جميع عناصر المشهدية من دون استثناء. ففي هذا النوع من الأعمال يبقى الهدف الأول والأخير، تسلية الناس والترفيه عنهم ونجحنا في تحقيقه في حفل نانسي عجرم».
مهنة الإدارة الفنية تتألق في زمن التباعد الاجتماعي
مهنة الإدارة الفنية تتألق في زمن التباعد الاجتماعي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة