أبعاد مختلفة لزيارة الكاظمي إلى طهران والرياض وواشنطن

أسمع الإيرانيين مراراً رفضه تدخلهم في شؤون العراق

الرئيس الإيراني مستقبلاً رئيس الوزراء العراقي
الرئيس الإيراني مستقبلاً رئيس الوزراء العراقي
TT

أبعاد مختلفة لزيارة الكاظمي إلى طهران والرياض وواشنطن

الرئيس الإيراني مستقبلاً رئيس الوزراء العراقي
الرئيس الإيراني مستقبلاً رئيس الوزراء العراقي

رغم تغيير جدول الأولويات في منهاج رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في جولته الإقليمية والدولية، بدت الثوابت عنده واحدة على صعيد تحديد مواقف العراق من شؤون المنطقة وإمكانية احتواء أزماتها. الكاظمي الذي أنهى أمس (الأربعاء) زيارة إلى إيران، يتهيّأ لجولة تقوده إلى المملكة العربية السعودية التي كانت المحطة الأولى قبل التأجيل باتفاق عراقي ـ سعودي، ومن ثم نهاية الشهر يوليو (تموز) الجاري إلى الولايات المتحدة الأميركية لاستكمال الحوار الاستراتيجي بين البلدين.
ورغم أن النبرة التي تحدث بها القادة الإيرانيون، وبخاصة المرشد الأعلى علي خامنئي، بشأن الولايات المتحدة بما في ذلك التهديد الواضح برد إيراني لا يزال مؤجلاً على مقتل قاسم سليماني بالقرب من مطار بغداد مطلع العام الحالي، يسعى الكاظمي إلى تبريد ملفات المنطقة الساخنة ومنها ملف العلاقة مع واشنطن والرياض، وسعي بغداد إلى عدم جعل الأراضي العراقية ساحة لتصفية الحسابات.
بالنسبة إلى الكاظمي فإنه فيما بدت لهجة الإيرانيين مرتفعة حيال واشنطن، فإنها بدت وللمرة الأولى مختلفة باتجاه المملكة العربية السعودية في تصريحات مسؤولين إيرانيين من بينهم وزير الخارجية محمد جواد ظريف. وأعلن المكتب الإعلامي للكاظمي أن الزيارة شهدت عقد مباحثات بين رئيس مجلس الوزراء والرئيس الإيراني حسن روحاني «أكد فيها الجانبان رغبتهما في تعزيز أواصر العلاقات الاقتصادية والثقافية بين البلدين، وفي مجال مكافحة الإرهاب، والتعاون الصحي في مواجهة جائحة (كورونا)، فضلاً عن التعاون المستمر من أجل دعم أمن المنطقة واستقرارها». البيان أضاف أن «الوفدين العراقي برئاسة رئيس مجلس الوزراء، والإيراني برئاسة النائب الأول لرئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية إسحاق جهانغيري، عقدا اجتماعاً موسعاً تناول تفعيل اتفاقيات التعاون بين البلدين، وسبل تذليل العقبات، وتجاوز الإشكاليات التي قد تعترض سير التعاون المشترك».
وفيما يركز العراق في مباحثاته مع المسؤولين الإيرانيين على البعد السياسي للعلاقة سواء على المستوى الثنائي أو المستويين الإقليمي والدولي، فإن إيران ركزت على الأبعاد الاقتصادية والتجارية، لا سيما سعيها إلى رفع مستوى التبادل التجاري بين البلدين، فضلاً عن فتح المنافذ الحدودية التي أغلقها العراق بسبب جائحة «كورونا». لكن نائب رئيس الوزراء العراقي ووزير المالية علي عبد الأمير علاوي الذي يرافق الكاظمي في زيارته إلى إيران، أعلن أن العراق قرر إعادة فتح المنافذ الجنوبية (الشلامجة والشيب) قريباً.
وأعرب وزير المالية عن رغبة العراق بالتعاون المشترك والإفادة من تجارب الجمارك الإيرانية في مجال أتمتة الإجراءات، مقترحاً إيفاد خبراء وموظفي الجمارك العراقية لهذا الخصوص. وأكد الجانبان ضرورة إنشاء بوابات تجارية مشتركة.
وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أكد من جهته، أنه «تم التوصل إلى اتفاقات جيدة جداً بين إيران والعراق» خلال زيارة الكاظمي، قائلا إن «إيران كانت دائماً على استعداد لإقامة علاقات مع السعودية ولا توجد لديها أي مشكلة».
وفي هذا السياق، أكدّت لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي أن «الزيارة ناجحة، لكن ليس بحكم نتائجها حيث ما زال الوقت مبكراً، خصوصا أن جولات الكاظمي الإقليمية والدولية لم تستكمل بعد». وقال الدكتور ظافر العاني، عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، لـ«الشرق الأوسط»: «إنها من المرات القليلة التي نستطيع أن نقول فيها إن الرئاسات العراقية الثلاث تتفق على منهج موحد، وهو رفض التدخل بالشؤون الداخلية، وهو ما سمعه الإيرانيون مرارا من الكاظمي». وأضاف العاني أن «للزيارات الثلاث (إيران، المملكة العربية السعودية، الولايات المتحدة الأميركية) أبعادا مختلفة، فزيارة إيران سياسية لإيضاح مدى امتعاض الدولة من تدخلها ومقايضة ابتعادها عن العراق بالمزايا الاقتصادية من خلال رفع حجم التبادل التجاري. أما زيارة السعودية فستأخذ بعدا اقتصاديا بتفعيل اتفاقيات مهمة في ميادين البترول والكهرباء وافتتاح المنافذ التجارية ومساهمة القطاع الخاص بالاستثمار وهي لا شك تنطوي على رسالة مهمة وهي أن العراق يضع العرب، ولا سيما الدول الخليجية على رأس اهتماماته الخارجية». وبشأن الزيارة التي ينوي الكاظمي القيام بها إلى واشنطن نهاية هذا الشهر للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يرى العاني «أنها سيغلب عليها الطابع الأمني ومناقشة استمرار الدعم العسكري في مكافحة الإرهاب وتجفيف مصادر تمويله ووضع آفاق واضحة لمهمات الوجود العسكري الأميركي والتسليح»، مبيناً أن «العراق يأمل أن تعمل هذه الزيارات مجتمعة على تأكيد استقلالية العراق وسيادته وازدهار شعبه».



قائد «الحرس الثوري»: يجب استخلاص العبر... وسوريا ليست مكاناً للتدخل الأجنبي

سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)
سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)
TT

قائد «الحرس الثوري»: يجب استخلاص العبر... وسوريا ليست مكاناً للتدخل الأجنبي

سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)
سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)

قال قائد قوات «الحرس الثوري» الإيراني حسين سلامي إن سوريا تمثل «درساً مريراً لإيران» و«ليست مكاناً للتدخل الأجنبي»، متوعداً إسرائيل بـ«دفع ثمن باهظ»، وذلك في ثالث خطاب له منذ سقوط بشار الأسد وانسحاب قواته من سوريا.

ودعا سلامي إلى استخلاص العبر مما حدث في سوريا؛ في إشارة إلى الإطاحة بنظام الأسد على يد قوى المعارضة، وكذلك القصف الإسرائيلي الذي تعرضت له سوريا، وقال: «سوريا درس مرير لنا، ويجب أن نأخذ العبرة».

وأنفقت إيران مليارات الدولارات لدعم بشار الأسد خلال الحرب، ونشرت قوات «الحرس الثوري» في سوريا لإبقاء حليفها في السلطة منذ اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011.

ودافع سلامي مرة أخرى، عن تدخل قواته في سوريا. ونقلت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن سلامي قوله، في هذا الصدد، «رأى الجميع أنه عندما كنا هناك، كان الشعب السوري يعيش بكرامة؛ لأننا كنا نسعى لرفع عزتهم».

وصرح سلامي في مراسم تقديم جائزة قاسم سليماني: «لم نذهب لضم جزء من أراضي سوريا إلى أراضينا، ولم نذهب لنجعلها ميداناً لتحقيق مصالحنا الطموحة».

وتطرق إلى الهجمات الإسرائيلية التي طالت مواقع الجيش السوري في الأيام الأخيرة بعد سقوط نظام بشار الأسد، وقال: «حين سقط النظام السوري، رأينا ما يحدث من أحداث مؤسفة. الصهاينة أصبحوا قادرين على رؤية ما بداخل بيوت أهل دمشق من دون الحاجة إلى أسلحة؛ وهذا أمر لا يمكن تحمله».

وقال: «الآن ندرك أنه إذا لم يصمد الجيش ولم تقاوم القوات المسلحة، فإن البلاد بأكملها قد تُحتل في لحظة»، وأعرب عن اعتقاده بأن «الناس في دمشق يفهمون قيمة رجال المقاومة، ويدركون كم هم أعزاء عندما يكونون موجودين، وكيف ستكون الكارثة إذا غابوا».

وأشار سلامي إلى تصريحات المرشد علي خامنئي بشأن سوريا قبل أيام، وقال: «كما قال قائدنا، فإن سوريا ستحرر على يد شبابها الأبطال، وستدفع إسرائيل ثمناً باهظاً، وستدفن في هذه الأرض».

ورأى أن هذا الأمر «يتطلب وقتاً وصموداً عظيماً وعزماً راسخاً وإيماناً جميلاً»، عاداً ذلك من صفات من وصفهم بـ«الشباب المجاهدين في العالم الإسلامي».

وقال سلامي: «نحن ندافع بحزم عن أمننا واستقلالنا ونظامنا ومصالحنا وتاريخنا وديننا. هذه الأرض ليست أرضاً يمكن للغرباء أن ينظروا إليها بنظرة غير لائقة».

وتحدث سلامي الأسبوع الماضي مرتين إلى نواب البرلمان وقادة قواته. وكان أول ظهور لسلامي الثلاثاء أمام المشرعين الإيرانيين في جلسة مغلقة، لم يحضرها إسماعيل قاآني، مسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري»، ونقل نواب إيرانيون قوله إن إيران «لم تضعف» إقليمياً.

أما الخميس، فقد تحدث سلامي أمام مجموعة من قادة قواته، وقال: «البعض يّروج لفكرة أنَّ النظام الإيراني قد فقد أذرعه الإقليمية، لكن هذا غير صحيح، النظام لم يفقد أذرعه». وأضاف: «الآن أيضاً، الطرق لدعم (جبهة المقاومة) مفتوحة. الدعم لا يقتصر على سوريا وحدها، وقد تأخذ الأوضاع هناك شكلاً جديداً تدريجياً».

وتباينت رواية سلامي مع رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، الذي تحدث بدوره الخميس، عن «الاختلال في العمق الاستراتيجي للقوى المرتبطة بالجمهورية الإسلامية»، رغم أنه توقع أن يتمكن «حزب الله» من التكيف مع الظروف الجديدة.

جاءت تصريحات سلامي، الأحد، في وقت ركزت وسائل إعلام «الحرس الثوري» على حملتها في تبرير الوجود الإيراني خلال الحرب الداخلية السورية، وكذلك سقوط نظام بشار الأسد وتداعياته على إيران وأذرعها الإقليمية.

بعد صمت دام أكثر من 48 ساعة من قبل الإعلام الإيراني إزاء الاحتفالات التي عمت سوريا، وخصوصاً دمشق، بسقوط النظام، كما لم تنشر أي من الصحف الإيرانية صوراً على صفحاتها الأولى من الاحتفالات، أبرزت عدد من الصحف في المقابل آثار القصف الإسرائيلي على مواقع عسكرية سورية، وصوراً من كبار المسؤولين في تركيا، والمعارضة السورية.

على المستوى الرسمي ألقت إيران منذ أولى لحظات سقوط الأسد، اللوم على الجيش السوري، وتركيا والولايات المتحدة وإسرائيل في سقوط حليفها.

قاآني خلال تشييع الجنرال عباس نيلفروشان في طهران 15 أكتوبر 2024 (أ.ب)

خالي الوفاض

قال النائب إسماعيل كوثري، مسؤول الملف العسكري في لجنة الأمن القومي، إن «بشار الأسد كان خالي الوفاض ولم يتمكن من كسب رضا الجيش».

وصرح كوثري، وهو قيادي في «الحرس الثوري»، بأن بشار الأسد «فشل في كسب دعم الجيش بسبب افتقاره للموارد وضعف الدعم، ما أدى إلى انهيار الجيش». وأكد أن الاتصال مع إيران استمر حتى اللحظة الأخيرة، لكن بعض المحيطين بالأسد، مثل رئيس الوزراء وبعض قادة الجيش، عرقلوا هذا التواصل.

وأوضح كوثري أن سوريا كانت نقطة عبور وطريقاً مهماً لدعم «حزب الله»، ولكن بعد رفض الحكومة السورية السماح بالدخول، لم تتمكن إيران من التدخل بالقوة. وأضاف أنه خلال فترة «داعش»، دخلت إيران سوريا بناءً على طلب رسمي وساهمت في القضاء على التنظيم، ما حال دون تمدده نحو الحدود الإيرانية.

وتحدث عن الوضع الحالي، مشيراً إلى أن سوريا ما زالت تحت سيطرة «الكيان الصهيوني وأميركا وعملائهم». وبشأن المستقبل، توقع ظهور خلافات «بين القوى التي اجتمعت بأموال أميركية»، مما سيدفع الشعب السوري إلى إدراك الخداع والبحث عن جهات قادرة على تحقيق الأمن وتحسين الاقتصاد.

ملصقات تحمل صورة زاهدي ونائبه محمد هادي حاجي رحيمي خلال مجلس عزاء في السفارة الإيرانية بدمشق أبريل الماضي (أ.ف.ب)

خسائر «الحرس الثوري»

في سياق متصل، قال الجنرال مهدي فرجي، الذي شارك في الحرب السورية، في حديث لوكالة «فارس»، إن إيران بدأت في إرسال القوات «الاستشارية» منذ 2011، مشدداً على ضرورة «تفسير الأوضاع التي كانت في سوريا حينذاك».

وبرر فرجي وجود إيران بظهور تنظيم «داعش» ومنع وصولها إلى حدود إيران. وأشار إلى دور مسؤول العمليات الخارجية السابق قاسم سليماني، الذي قضى في ضربة أميركية مطلع 2020، وقال: «تنسيق الجيش السوري كان عملاً ذا قيمة كبيرة، حينها لم يكن الجيش السوري ملوثاً إلى هذا الحد، ولكن خلال هذه السنوات العشر، أصبح تأثير العدو على الجيش السوري كاملاً».

كما أشار فرجي إلى الدعم الذي قدمه الرئيس السوري السابق، حافظ الأسد إلى طهران، في الحرب الإيرانية - العراقية في الثمانينات قرن الماضي. وقال: «لقد أرسلت ذخائر بناء على أمر حافظ الأسد»، ونقل عن بشار الأسد قوله: «حافظ الأسد أوصى ابنه بشار قائلاً: طالما أنكم مع إيران، فأنتم موجودون».

وقال فرجي إن الشباب تحت الـ30 شكلوا 90 في المائة من القوات الإيرانية، ونحو 10 في المائة من المحاربين القدامى في حرب الثمانينات؛ في إشارة إلى قادة «الحرس».

وقال إن «الشباب شكلوا أكثر من 90 في المائة من 540 قتيلاً في الدفاع عن الأضرحة».

وهذه أول مرة قيادي من «الحرس الثوري» يشير إلى مقتل أكثر 500 إيراني في الحرب السورية. وهي نسبة أقل بكثير مما أعلنه نائب إيراني الأسبوع الماضي عن مقتل أكثر من ستة آلاف.

وقال النائب محمد منان رئيسي، وهو مندوب مدينة قم، إن إيران خسرت 6000 من قواتها في الحرب الداخلية السورية. وهي أعلى إحصائية يكشف عنها مسؤول إيراني لعدد قتلى القوات التي أطلق عليها مسؤولون إيرانيون اسم «المدافعين عن الأضرحة».

وتعود أعلى إحصائية إلى 2017، عندما أعلن رئيس منظمة «الشهيد» الإيرانية محمد علي شهيدي، مقتل 2100 عنصر من القوات الإيرانية في سوريا والعراق.

ويرفض «الحرس الثوري» تقديم إحصائيات واضحة عن خسائره البشرية والمادية.