تبعات نفسية وعضوية مدمرة للاعتداء الجنسي على الأطفال

تتطلب حكمة التعامل من الآباء والأطباء

تبعات نفسية وعضوية مدمرة للاعتداء الجنسي على الأطفال
TT

تبعات نفسية وعضوية مدمرة للاعتداء الجنسي على الأطفال

تبعات نفسية وعضوية مدمرة للاعتداء الجنسي على الأطفال

تجدد الحديث في الأوساط الطبية والنفسية مؤخراً عن ظاهرة الاعتداء الجنسي على الأطفال (child sexual abuse)، مع ظهور قضية اتهم فيها طالب في الجامعة بالتحرش بالعديد من الفتيات والأطفال، سواء من الإناث أو الذكور في مصر.
وعلى الرغم من أن هذه الظاهرة يتم محاربتها بالفعل بتقديم الدعم النفسي للضحايا، وذويهم، وتشجيعهم على تقديم البلاغات للجهات المختصة، إلا أن هناك الكثير من الأطفال ما زالوا يعانون من مخاطر هذه الظاهرة السلبية المدمرة على المستويين النفسي والعضوي.
وحسب تعريف منظمة الصحة العالمية (WHO)، فإن أي فعل جنسي مع الأطفال، حتى لو تم بموافقة الطفل، يعتبر اعتداءً، حيث إن الطفل غير مؤهل لإدراك الحدث، ويجب معاقبة مرتكبه حتى لو تم الاعتداء من طفل أكبر عمراً، طالما كان مدركاً لفعل الجنس. بل إن الاعتداء، وفق التعريف، يمتد ليشمل عرض مواد إباحية على الأطفال، أو استخدامهم في عرضها، أو الترويج لها، أو الدعابة التي تحمل تلميحات أو ألفاظاً جنسية صريحة.
عوامل الخطورة
خلافاً للتصور العام، فإن الاعتداء الجنسي على الطفل في الأغلب يكون بدون عنف تماماً (عكس البالغين)، ويميل المعتدي إلى كسب ثقة الطفل الضحية، ويستخدم الترغيب، على سبيل المثال، حيث إن الطفل يجهل بطبيعة الحال ما يدور حوله على اعتبار أنها بمثابة لعبة جديدة. ونظراً لضرورة كسب ثقة الطفل في الأغلب يكون المعتدي من دوائر الطفل القريبة، سواء الأقرباء أو المعارف أو الأقران الأكبر عمراً أو المدرسين.
وفى المجمل، فإن نسبة تبلغ 30 في المائة من الاعتداءات تكون من أقارب الطفل. وحادثة الاعتداء الجنسي في الأطفال دائماً تأخذ شكل العلاقة المستديمة بعكس البالغين، حيث تستمر العلاقة لشهور أو سنوات طويلة حتى يتم اكتشافها، إما عن طريق البلوغ، أو من خلال المشكلات العضوية التي تسببها. كما أن الاعتداء في الأطفال يأخذ الشكل المتدرج، ويمكن أن يبدأ بشكل غير جنسي في البداية مثل اعتياد العناق أو التقبيل.
وهناك بعض عوامل الخطورة لاحتماليات أن يكون الطفل عرضة للاعتداء مثل:
> الطفل الذي يكون بدون صحبة، بمعنى أن يكون الطفل وحيداً، أو يذهب للمدرسة بمفرده بدون أصدقاء في العمر نفسه.
> الأطفال بدون عائلة الذين يقيمون في أماكن خاصة بهم مثل أطفال الملاجئ أو الرعاية الاجتماعية.
> الأطفال الذين يعانون من إعاقة جسدية أو ذهنية.
> الأطفال تحت الضغوط النفسية مثل الأطفال الذين يعانون من التنمر المستمر أو أمراض نفسية مثل القلق أو الخوف المرضي.
> الأطفال في بيئات غير مستقرة مثل طلاق الوالدين أو وجود مشكلات أسرية دائمة.
> أطفال الآباء الذين يعانون من إدمان الخمر أو المواد المخدرة.
> أن تكون الطفل أنثى (هناك اعتداء على الأطفال الذكور بالطبع ولكن الطفلة الأنثى تكون أكثر عرضة).
آثار عضوية
هناك آثار عضوية تحدث مع الوقت جراء الاعتداء، وتظهر مثل الألم في المناطق التناسلية أثناء الاستحمام، أو وجود دماء في ملابس الطفل الداخلية. كما تحدث التهابات جلدية متكررة حول منطقة الطفل التناسلية مثل التهاب المهبل في الأنثى (Recurrent vulvovaginitis)، أو وجود شرخ في الشرج (Anal fissure) بالنسبة للذكور أو الإناث. ويمكن وجود نزيف أيضاً من الشرج، ويمكن نزول إفرازات من القضيب بالنسبة للذكور (penile discharge)، خصوصاً في حالة الإصابة بمرض ينتقل عن طريق الاتصال الجنسي، وأيضاً حدوث التهابات في مجرى البول، خصوصاً للإناث، وحدوث ألم أثناء التبول في بعض الأحيان.
وبالطبع يمكن أن تحدث هذه العلامات العضوية في وجود أمراض أخرى، ولكن يجب وضع احتمالية الاعتداء الجنسي في الحسبان، وهناك مضاعفات عضوية يمكن أن تحدث في العديد من أجهزة الجسم المختلفة مثل الجهاز الهضمي، ويعاني الطفل أو المراهق من اضطراب في القناة الهضمية (irritable bowel syndrome)، وأيضاً من آلام مزمنة بالبطن، كما تحدث آلام مزمنة في الحوض بالنسبة للفتيات، وتكون الدورة الشهرية مصحوبة بألم أكثر من المعتاد، وفي الأغلب تكون غير منتظمة.
مع تكرار الاعتداء، وفي بعض الأحيان حينما يكتشف الطفل الأبعاد الحقيقية للاعتداء، لا يستطيع التخلص من هذا الارتباط، حيث يحدث ما يمكن أن يطلق عليه «التعايش مع الاعتداء» (abuse accommodation)، بمعنى أن الطفل يشعر كأنه مجبر على عدم الإفصاح عن الاعتداء، وذلك بسبب الخوف بشكل أساسي، خصوصاً أنه في الأغلب يتم التهديد بالقتل، أو قتل الأم أو الأب في حالة الكشف عن هوية المعتدي، وهو الأمر الذي يجعل الطفل يفقد الأمل في النجاة، ويشعر بالحصار. وغالبية هذه الاعتداءات لا تنتهي إلا إذا توفرت للمراهق القوي البدنية الكافية لمنع تكرارها.
عند اكتشاف الاعتداء يجب التعامل معه بحكمة والذهاب للطبيب للكشف الطبي على الطفل، للتأكد من خلوه من المشكلات العضوية مثل النزيف والألم. ويجب أن توضع في الحسبان حالة الطفل النفسية، ولأي مدى يكون مستعداً للكشف من عدمه. ويفضل أن يكون الطبيب من جنس الطفل، حتى ينال ثقته، ويستطيع الطفل أن يتخلص من الخوف.
وبعد التأكد من خلو الطفل من الأعراض العضوية يجب عرضه على الطبيب النفسي، وتشجيعه على الإفصاح عن تفاصيل الاعتداء، وبطبيعة الحال تلعب الأسرة أهم الأدوار على الإطلاق في مرحلة التعافي من الصدمة النفسية عن طريق توفير الدعم والحب غير المشروطين، والتأكيد على أن الطفل ضحية، ولا يوجد ما يخجل منه.
- استشاري طب الأطفال



الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين
TT

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

مع بداية فصل الشتاء وزيادة احتمالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي واستمرار الحديث عن الأعراض المزمنة لمرض «كوفيد - 19» نُشرت أحدث وأطول دراسة طولية عن الأعراض الطويلة الأمد للمرض أجراها باحثون إنجليز في مستشفى غريت أورموند ستريت للأطفال Great Ormond Street Hospital for Children بالمملكة المتحدة بالتعاون مع عدة جامعات أخرى؛ مثل جامعة لندن ومانشستر وبريستول. وأكدت أن معظم الأطفال والمراهقين الذين تأكدت إصابتهم بأعراض كوفيد الطويل الأمد، تعافوا بشكل كامل في غضون 24 شهراً.

أعراض «كوفيد» المزمنة

بداية، فإن استخدام مصطلح (أعراض كوفيد الطويل الأمد) ظهر في فبراير (شباط) عام 2022. وتضمنت تلك الأعراض وجود أكثر من عرض واحد بشكل مزمن (مثل الإحساس بالتعب وصعوبة النوم وضيق التنفس أو الصداع)، إلى جانب مشاكل في الحركة مثل صعوبة تحريك طرف معين أو الإحساس بالألم في عضلات الساق ما يعيق ممارسة الأنشطة المعتادة، بجانب بعض الأعراض النفسية مثل الشعور المستمر بالقلق أو الحزن.

الدراسة التي نُشرت في نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي في مجلة Nature Communications Medicine أُجريت على ما يزيد قليلاً على 12 ألف طفل من الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و17 عاماً في الفترة من سبتمبر(أيلول) 2020 وحتى مارس (آذار) 2021، حيث طلب الباحثون من الأطفال الذين ثبتت إصابتهم، تذكر أعراضهم وقت إجراء اختبار «تفاعل البوليمراز المتسلسل» PCR المُشخص للكوفيد، ثم تكرر الطلب (تذكر الأعراض) مرة أخرى بعد مرور ستة و12 و24 شهراً.

تم تقسيم الأطفال إلى أربع مجموعات على مدار فترة 24 شهراً. وتضمنت المجموعة الأولى الأطفال الذين لم تثبت إصابتهم بفيروس الكوفيد، والمجموعة الثانية هم الذين كانت نتيجة اختبارهم سلبية في البداية، ولكن بعد ذلك كان نتيجة اختبارهم إيجابية (مؤكدة)، فيما تضمنت المجموعة الثالثة الذين كانت نتيجة اختبارهم مؤكدة في البداية، ولكن لم يصابوا بالعدوى مرة أخرى لاحقاً، وأخيراً المجموعة الرابعة التي شملت الذين كانت نتيجة اختبارهم مؤكدة في البداية ثم أصيبوا بالعدوى مرة أخرى لاحقاً.

قام الباحثون باستخدام مصطلح كوفيد الطويل الأمد عند فحص بيانات ما يقرب من ألف طفل من الذين تأكدت إصابتهم بالمرض ووجدوا بعد مرور عامين أن نحو 25 - 30 في المائة فقط من إجمالي المراهقين هم الذين لا يزالون يحتفظون بالأعراض المزمنة، بينما تم شفاء ما يزيد على 70 في المائة بشكل كامل. وكان المراهقون الأكبر سناً والأكثر حرماناً من الخدمات الطبية هم الأقل احتمالية للتعافي.

25 - 30 % فقط من المراهقين يظلون محتفظين بالأعراض المزمنة للمرض

استمرار إصابة الإناث

كان اللافت للنظر أن الإناث كن أكثر احتمالية بنحو الضعف لاستمرار أعراض كوفيد الطويل الأمد بعد 24 شهراً مقارنة بالذكور. وقال الباحثون إن زيادة نسبة الإناث ربما تكون بسبب الدورة الشهرية، خاصة أن بعض الأعراض التي استمرت مع المراهقات المصابات (مثل الصداع والتعب وآلام العضلات والأعراض النفسية والتوتر) تتشابه مع الأعراض التي تسبق حدوث الدورة الشهرية أو ما يسمى متلازمة «ما قبل الحيض» pre-menstrual syndrome.

ولاحظ الباحثون أيضاً أن أعلى معدل انتشار للأعراض الطويلة الأمد كان من نصيب المرضى الذين كانت نتائج اختباراتهم إيجابية في البداية، ثم أصيبوا بالعدوى مرة أخرى لاحقاً.

قال الباحثون إن نتائج الدراسة تُعد في غاية الأهمية في الوقت الحالي؛ لأن الغموض ما زال مستمراً حول الآثار التي تتركها الإصابة بالفيروس، وهل سوف تكون لها مضاعفات على المدى الطويل تؤدي إلى خلل في وظائف الأعضاء من عدمه؟

وتكمن أهمية الدراسة أيضاً في ضرورة معرفة الأسباب التي أدت إلى استمرار الأعراض في الأطفال الذين لم يتماثلوا للشفاء بشكل كامل ونسبتهم تصل إلى 30 في المائة من المصابين.

لاحظ الباحثون أيضاً اختلافاً كبيراً في الأعراض الملازمة لـ«كوفيد»، وعلى سبيل المثال هناك نسبة بلغت 35 في المائة من الأطفال الذين ثبتت إصابتهم في البداية، ثم أصيبوا مرة أخرى بعد ذلك، لم تظهر عليهم أي أعراض على الرغم من إصابتهم المؤكدة تبعاً للتحليل. وفي المقابل هناك نسبة بلغت 14 في المائة من المجموعة التي لم تظهر عليها أي أعراض إيجابية عانت من خمسة أعراض أو أكثر للمرض، ما يشير إلى عدم وضوح أعراض كوفيد الطويل الأمد.

هناك نسبة بلغت 7.2 في المائة فقط من المشاركين عانوا بشدة من الأعراض الطويلة الأمد (5 أعراض على الأقل) في كل النقط الزمنية للدراسة (كل ثلاثة أشهر وستة وعام وعامين)، حيث أبلغ هؤلاء المشاركون عن متوسط خمسة أعراض في أول 3 أشهر ثم خمسة في 6 أشهر ثم ستة أعراض في 12 شهراً ثم خمسة في 24 شهراً بعد الإصابة، ما يؤكد ضرورة تقديم الدعم الطبي المستمر لهؤلاء المرضى.

بالنسبة للتطعيم، لم تجد الدراسة فرقاً واضحاً في عدد الأعراض المبلغ عنها أو حدتها أو الحالة الصحية بشكل عام ونوعية الحياة بين المشاركين الذين تلقوا التطعيمات المختلفة وغير المطعمين في 24 شهراً. وقال الباحثون إن العديد من الأعراض المُبلغ عنها شائعة بالفعل بين المراهقين بغض النظر عن إصابتهم بفيروس «كورونا» ما يشير إلى احتمالية أن تكون هذه الأعراض ليست نتيجة للفيروس.

في النهاية أكد العلماء ضرورة إجراء المزيد من الدراسات الطولية لمعرفة آثار المرض على المدى البعيد، وكذلك معرفة العواقب الطبية للتطعيمات المختلفة وجدوى الاستمرار في تناولها خاصة في الفئات الأكثر عرضة للإصابة؛ أصحاب المناعة الضعيفة.

* استشاري طب الأطفال