الشيف أنطوان الحاج: آن وقت التماشي مع ظروفنا الجديدة

الشيف أنطوان الحاج
الشيف أنطوان الحاج
TT

الشيف أنطوان الحاج: آن وقت التماشي مع ظروفنا الجديدة

الشيف أنطوان الحاج
الشيف أنطوان الحاج

بين ليلة وضحاها شغل الطاهي اللبناني المعروف أنطوان الحاج وسائل الإعلام الغربية والعربية. فاقتطاعه مكون اللحم من لائحة أطباق يقدمها في برنامجه التلفزيوني «مأكول الهنا» كان السبب. فهو ومنذ تدني سعر صرف الليرة مقابل العملة الخضراء، اتخذ منحى جديدا في وصفاته للطعام. فأجرى تغييرات كثيرة على نوعية الأكلات التي يحضرها يوميا ومباشرة على الهواء.
فالشيف الحاج يعدّ من أقدم الطهاة في لبنان وأكثرهم براعة، وصاحب قاعدة شعبية كبيرة، لا سيما أن أجيالا متفاوتة تربت على برامجه التلفزيونية منذ 20 عاما حتى اليوم. ويقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المبادرة أتبعها منذ أكثر من شهرين عندما لاحظت مدى تدني مدخول اللبناني بسبب هبوط سعر صرف الليرة أمام الدولار. وإحساسا مني بالمسؤولية وبضرورة مساندة شريحة لا يستهان بها من اللبنانيين تتألف من الطبقتين المتوسطة والفقيرة، قررت اقتطاع مكون اللحوم من وصفاتي». ويتابع الشيف أنطوان: «كان في الماضي يوجد طبقة متوسطة في لبنان، أما اليوم فهي تنضم إلى تلك الفقيرة بعد أن تراجع مدخولها بشكل كبير. ولأني معروف بصدقيتي وبدعمي للطبقة الشعبية، أطلقت مبادرتي هذه التي ترتكز على الاستبدال بأكلات اللحوم تلك المصنوعة بالزيت أو بالدجاج».
ويرى الشيف أنطوان الذي تشكّل شخصيته القريبة من القلب مادة دسمة للبرامج الانتقادية الساخرة، أنّ اللبنانيين القدماء بدءا من أجدادنا وصولا إلى أهالينا كانوا يتباهون بصناعة أطباق بالزيت. «كانوا يصفّونها على موائدهم للإشارة إلى تنوع المطبخ اللبناني وتتنافس ربات المنازل على صنع الأفضل منها». فكما «المدردرة» و«اللوبياء بالزيت» و«الفاصولياء المتبلة» و«الهندباء المقلية» هناك العشرات من أصناف الأكلات المصنوعة بالزيت المشهورة في لبنان، وتؤلف مازتها الذائعة الصيت. كما أن المطاعم الفاخرة في لبنان تتنافس أيضا على تقديم أطول لائحة أطباق بالزيت على مائدة زبائنها.
مبادرة الشيف أنطوان لفتت الإعلام الغربي والعربي، فأشارت إليها الـ«نيويورك تايمز» كما فضائيات أخرى عربية، لتؤكد أنّ اللبنانيين يعانون من أزمة اقتصادية كبيرة وأنّ الأمر ليس مجرد إشاعات.
«لم تتوقف الاتصالات الهاتفية بي تستطلعني عن سبب لجوئي إلى اقتطاع لحم البقر والغنم من وصفاتي. فقلة من أهل الشرق والغرب يعرفون أنّ أسعار هذه اللحوم التي تتجاوز الـ50 ألف ليرة للكيلوغرام الواحد منها بات شراؤها يقتصر على الأغنياء في لبنان. وعندما توجهت لمشاهدي برنامجي (مأكول الهنا) عبر شاشة تلفزيون لبنان، كنت صريحا معهم وقلت لهم، إنّه آن الأوان أن نتماشى مع أوضاعنا الاقتصادية الجديدة إلى حين تجاوز هذه المرحلة. فأنا أعمل في هذه المهنة منذ نصف قرن وأقدم برنامجي التلفزيوني من 20 عاما. شغلت مناصب كثيرة في معهد الفندقية اللبنانية، ولكن لم يسبق لي أن عشت هذه التجربة حتى أثناء أيام الحرب».
يقدّم الشيف أنطوان لمتابعيه عبر برنامجه التلفزيوني «مأكول الهنا» يوميا (ما عدا أيام عطلة الأسبوع) وصفتين «إحداهما مصنوعة بالزيت وثانية محضرة مع لحم الدجاج الذي هو أقل سعرا بكثير من لحم البقر والغنم». يوضح الشيف أنطوان الذي يجد في لحم الطيور وسيلة إنقاذ يمكن لربة المنزل استخدامها للحفاظ على نكهات أطباقها بأقل كلفة ممكنة». هناك كثير من الأطباق اللبنانية والأجنبية التي في استطاعتنا استعمال لحم الدجاج فيها بدل اللحوم الحمراء. ومؤخرا قدمت وصفات لأطباق يخنة ومحشي الكوسى وغيرها مستخدما فيها الدجاج. حتى إنني طالبت الشركات المنتجة لها باستحداث لحم دجاج مفروم لاستخدامه في الطبخ. وفوجئت بإحدى كبرى الشركات اللبنانية تطرحها في الأسواق بعد ندائي هذا. مع لحم الدجاج نستطيع تحضير أطباق أجنبية عديدة أيضا كالـ«همبرغر» ومحشي الكوسى على الطريقة الفرنسية وغيرها.
ولا تقتصر نصائح الشيف أنطوان على اقتطاع اللحوم من وصفات أطباقه بل تشمل أيضا تعليم مشاهديه كيفية تخزين الخضار لطبخها في غير موسمها.
«نظرا لانقطاع التيار الكهربائي واتباع دوام التقنين فيه من قبل الدولة، يصبح تخزين المأكولات في الثلاجة أمرا غير متاح دائما. ومن هنا فكرت بتعليم المشاهدين عملية تخزين الخضار المقددة. وما أعنيه هنا هو نشرها في الهواء الطلق بعيدا عن أشعة الشمس لمدة 15 يوما إلى حدّ يبوسها. عندها يمكننا وضعها في أكياس من النايلون محرزين بعض الثقوب فيها كي تعيش أطول مدة ممكنة تصل إلى نحو عامين متتاليين».


مقالات ذات صلة

وزيرة سويدية تعاني «رهاب الموز»... وموظفوها يفحصون خلو الغرف من الفاكهة

يوميات الشرق رهاب الموز قد يسبب أعراضاً خطيرة مثل القلق والغثيان (رويترز)

وزيرة سويدية تعاني «رهاب الموز»... وموظفوها يفحصون خلو الغرف من الفاكهة

كشفت تقارير أن رهاب وزيرة سويدية من الموز دفع المسؤولين إلى الإصرار على أن تكون الغرف خالية من الفاكهة قبل أي اجتماع أو زيارة.

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)
صحتك رجل يشتري الطعام في إحدى الأسواق الشعبية في بانكوك (إ.ب.أ)

دراسة: 3 خلايا عصبية فقط قد تدفعك إلى تناول الطعام

اكتشف باحثون أميركيون دائرة دماغية بسيطة بشكل مذهل تتكوّن من ثلاثة أنواع فقط من الخلايا العصبية تتحكم في حركات المضغ لدى الفئران.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق خبراء ينصحون بتجنب الوجبات المالحة والدهنية في مبنى المطار (رويترز)

حتى في الدرجة الأولى... لماذا يجب عليك الامتناع عن تناول الطعام على متن الطائرات؟

كشف مدرب لياقة بدنية مؤخراً أنه لا يتناول الطعام مطلقاً على متن الطائرات، حتى إذا جلس في قسم الدرجة الأولى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق قطع من الجبن عُثر عليها ملفوفة حول رقبة امرأة (معهد الآثار الثقافية في شينغيانغ)

الأقدم في العالم... باحثون يكتشفون جبناً يعود إلى 3600 عام في مقبرة صينية

اكتشف العلماء أخيراً أقدم قطعة جبن في العالم، وُجدت ملقاة حول رقبة مومياء.

«الشرق الأوسط» (بكين)
يوميات الشرق التفوُّق هو الأثر أيضاً (أ.ف.ب)

الشيف دانييل هوم... أرقى الأطباق قد تكون حليفة في حماية كوكبنا

دانييل هوم أكثر من مجرّد كونه واحداً من أكثر الطهاة الموهوبين في العالم، فهو أيضاً من المدافعين المتحمّسين عن التغذية المستدامة، وراهن بمسيرته على معتقداته.

«الشرق الأوسط» (باريس)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».